فضـــاءات العرض والتسويق الحلقــة المفقــــودة
تلعب الحرف دورا مهما ومحوريا، وتعتبر من روافد التنمية للعديد من الأسر في ولاية جيجل، وتساهم في التخفيف من حدة البطالة، لهذا كان من الضروري تشجيع وتأطير هذه الفئة من أجل الارتقاء بالصناعة التقليدية، لأنها مصدر رزق لعديد العائلات، لكن هناك الكثير من الصعوبات والعوائق التي تقف حجر عثرة في تنمية وتطويرها، كقلة الإمكانيات، لهذا يكون الانتاج متذبذب، وغلاء المواد الأولية علاوة على صعوبة التسويق، حيث تبقى المعارض الفرصة الوحيدة لبيع القطع التي يتم انتاجها، نظرا لعدم توفر على محلات، وحتى إن وجدت تكون في أماكن معزولة.
«الشعب» رصدت وضعية الصناعات التقليدية بجيجل وتطلعاتها في تبوء مكانة تليق بها في المشهد الصناعي المحلي والدولي.
اشتكى مهنيو مختلف الصناعات التقليدية بالولاية، في العديد من المناسبات من مشاكل جوهرية باتت تهدّد نشاطهم ما لم تتخذ الجهات الوصية الإجراءات اللازمة لحماية الكنوز التاريخية للمنطقة من الاحتضار، خاصة ما يتعلّق بتوفير وتدعيم المواد الأولية الغالية جدا في الأسواق.
يوجد بجيجل 6493 حرفي دون احتساب أولئك الذين يعملون في النشاط الموازي وغير المسجلين دون التسجيل بالغرفة الصناعة التقليدية، ويواجه حرفيو جيجل على غرار العديد من الولايات المجاورة، نفس المشاكل: غلاء المادة الأولية وقلة فضاءات العرض، ولتجاوز هاتين العقبتين تسعى المصالح المحلية لقطاع السياحة إلى إنشاء عدة دور للصناعة التقيلدية بالمنطقة.
بفضل كثافة الغابات ازدهرت صناعة الخشب بجيجل وكسبت شهرة مثل الزان والخلنج الذي يستعمل في صناعة الأواني المنزلية، الآثاث، أدوات الزينة، إضافة إلى الآلات الموسيقية خصوصا في الطاهير والميلية.
الفلين المتمثل في اللحاء السميك من شجرة البلوط الخضراء التي تغطي مساحة معتبرة من الغابات الجيجلية يعد أحد خصوصيات المنطقة وأحد أهم مصادر الثروة المتجددة فيها، واستعمالات هذه المادة، ذات الكثافة الضعيفة، تبدأ من سدادة الفلين الطبيعية إلى الصناعات الجلدية الراقية ممثلة في الأحذية إلى العمارة كعازل صوتي وحراري وفي التغليف الجمالي للأرضيات والجدران.
يدخل الفلين في صناعة وسائل الإنقاذ كعوامات إنقاذ الغرقى وأحزمة الإنقاذ، ومثله مثل الجلود، فإن الفلين لا يتم تصديره في حالته الخام، بل تتم معالجته في الوحدات الصناعية التحويلية المتعدد، بمدينة جيجل، والأمير عبد القادر، والعنصر، والميلية، والتي تقوم بتشغيل مئات العمال لإنتاج السدادات والألواح العازلة للصوت والحرارة.
الطابع الغابي للولاية يسمح بتوفير خيارات متنوعة من المواد الأولية للحرفيين الذين يجدون في الأخشاب ذات الجودة العالية مثل البلوط والفلين والخلنج مادة لتجسيد ابداعاتهم، فحرفيو الميلية والطاهير لهم باع طويل في صناعة الأواني المنزلية والأثاث والآلات الموسيقية، وفي مناطق الطاهير وسيدي عبد العزيز والميلية، حيث يتوفر الخيزران والقصب يتجلى الإبداع والاصالة والتجديد أيضا في صناعة السلال.
ومعالجة الجلود حرفة ضاربة في القدم بمنطقة جيجل مازالت متوارثة إلى يومنا هذا، وما يؤكد ذلك إنتشار المدابغ التقليدية والحديثة التي توفر المادة الأولية للحرفيين المتمركزين في مناطق الجمعة بني حبيبي، سيدي عبد العزيز والميلية، الذين يحولون المادة الخام إلى ألبسة جلدية ومحافظ مختلفة وأحزمة وتحف فنية.
وهناك بعض المؤشرات التي تؤكد أن هذه المهنة كانت دائما موجودة عبر تاريخ الولاية منها تسمية «وادي المدبغة» التي يحملها مجرى مائي غرب مدينة جيجل وغرب المدبغة الحالية.
ويتمثل هذا النشاط في وجود وحدتين صناعيتين الأولى في جيجل والثانية في الميلية، وبفضل الأخيرتين أصبحت الجلود التي كانت تصدر في الحالة الخام إلى الخارج تحول محليا وتشكل مصدرا هاما للثورة في المنطقة بكاملها.
تحولت جيجل إلى ركيزة هامة في عالم الصناعات المتوسطة الأولى وطنيا في إنتاج الجلود وتحويلها وتصدرت بذلك المراتب الأولى وطنيا في انتاج الجلود وتحويلها، وهذا من خلال الإنتاج اليومي والسنوي الذي وصلت إليه كل من المدبغة الخاصة بالميلية، والمدبغة ذات الطابع العمومي «مدبغة جيجل» بمنطقة الحدادة، وبهذا أصبحت الولاية من أهم ركائز الاقتصاد الوطني لما حققته حتى الآن من قفزة نوعية في جميع المجالات إلى جانب كونها من الاوائل في مجال الثروة الغابية وإنتاج الفلين.
الميلية عاصمة الجلود
تألقت هده المدبغة « بالميلية في إنتاج أرقى أنواع الجلود وتحويلها، حيث نالت في الكثير من المرات جوائز محليا ووطنيا، لا سيما وأنها المؤسسة الأولى ذات الطابع الخاص الرائدة وطنيا في مجال إنتاج الجلود وتصديرها وإحرازها طاقة إنتاجية عالية.
كما تزخر جيجل برصيد تراثي غني في ميدان الصناعة التقليدية التي كانت ولا تزال من بين معالم شخصية المواطن في المنطقة، وتوجد عدة حرف ومهن تقليدية ساهمت في تطوير الفلاحة والتجارة وتسيير الأمور المعيشية بالمنطقة، حيث كانت تعتبر مصدر رزق أغلب سكان الولاية الذين كان يطغى عليهم الطابع الريفي نظرا للمواد الطبيعية الموجودة بالغابات من خشب وطين وحجر وغيرها من المواد التي تزخر بها الأرض.
ومن الحرف التي تشتهر بها صناعة الفخار التي كان يمارسها معظم سكان المنطقة والتي كانت تستعمل في الحياة اليومية كجلب المياه من الآبار والينابيع وتخزين المواد الغذائية كالقمح والزيت وغيرها من المواد، كما كانت تستعمل كأواني مطبخية لتقديم الطعام، ولازالت تمارس بكثرة بالمناطق الشرقية للولاية، بالإضافة إلى جبال تاكسنة والعوانة.
أما بالنسبة لصناعة النسيج والغزل التي كانت إلى وقت غير بعيد مصدر لباس سكان الولاية وغطائهم كالحايك والبرنوس والزربية والتي كانت تلزم العروس بحياكتها قبل أن تزف إلى دار زوجها خاصة بالمناطق الريفية لدوائر الشقفة والطاهير والميلية، إلا أن هذه الحرفة تراجعت كثيرا وهي في طريقها إلى الزوال باقتصارها على بعض العائلات المحافظة.