يعرف قطاع السكك الحديدية في الآونة الأخيرة تحولا كبيرا في توسيع شبكته الوطنية وكفاءتها من أجل مسايرة الحركية الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها الجزائر بمختلف القطاعات الاستراتيجية، ودعم المقاربة الجديدة للتطوير الشامل لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال إطلاق مشاريع كبرى لتعزيز البنية التحتية الضرورية بشكل يضمن المردودية والنجاعة التنموية.
تعمل السلطات العمومية في مجال البنية التحتية للسكك الحديدية، على ربط مختلف مناطق البلاد بشبكة تحتية متينة عصرية وذات فعالية، من خلال مواصلة التغطية بالشبكة الوطنية تدريجيا نحو المناطق الداخلية والعمق الصحراوي، بغية فك العزلة والتقليص من حدة التفاوت التنموي بين مختلف أقطار الوطن، فعلى طول الشريط الساحلي الجزائري تسير قطارات المسافرين والبضائع بشكل يومي لتربط الشرق بالغرب مع المراكز الحيوية للبلاد من موانئ ومطارات ومناطق صناعية وكبريات المدن المأهولة.
ويشكل المحور الشمالي للسكة الحديدية عصب الشبكة الوطنية وشريانها، ومن الجزائر العاصمة تمثل سكة الحديد التي تتوسع يوما بعد يوم قطعة أساسية في منظومة النقل ورئة تتنفس بها المدينة فمن المحطة الرئيسية للجزائر العاصمة ومحطة آغا المجاورة لها تنطلق معظم القطارات الطويلة شرق وغربا وحتى جنوبا، وكذلك تصل إليها قطارات الضواحي التي تنقل يوميا آلاف المسافرين من الضواحي والمدن الأخرى.
وفي إطار البرنامج الاستثماري الوطني لتطوير شبكة النقل عبر السكك الحديدية، تقوم الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة انجاز الاستثمارات في السكك الحديدية بالعديد من المشاريع منها الخطوط الجديدة على غرار بئر توتة – زرالدة الذي ضم الضاحية الغربية ومعه القطب الحضري سيدي عبد الله، كما ساهمت ازدواجية خط الحرّاش – الثنية في مضاعفة قدرات النقل على مستوى هذا المحور وعزز ارتباط العاصمة بالضاحية الشرقية.
في المقابل ساهم كهربة شركة الضاحية وتدعيمها بالقطارات الكهربائية في التقليل من الضجيج والتلوث الناتج عن انبعاثات أوكسيد الكربون من قطارات الديزل، ومع تمديد شبكات الكهرباء شرقا حتى تيزي وزو وبن عيسى أعلن عن بداية عهد القطارات الكهربائية على الخطوط الطويلة، حيث أصبح خط القطار الجديد أحد الخيارات المفضلة للمسافرين جوا عبر المطار الدولي للوصول إلى قلب المدينة في دقائق معدودة.
وفي إطار مواصلة أشغال تحسين خدمات النقل وامتصاص الضغط المروري التي ما تزال جارية، ينتظر أن تشكل المحطة العصرية للدار البيضاء والمتعددة الأنماط التي يتم التحضير لإطلاقها من أهم الخطط التي ستغير خارطة النقل بالمدينة، في المقابل تستمر خطط تمديد شبكة الحديد المحلية خاصة بزرالدة -تيبازة - وقوراية وإنجاز حلقة سككية حديدية تربط بوفاريك بالرويبة مرورا بالأربعاء ومفتاح.
خـــــــــــــــــــــــــط الصحـــــــــــــــــــــــــــراء
وتعد الجزائر العاصمة نقطة انطلاق لأحد أهم المحاور السككية شمال جنوب، إذ يشق الخط العابر للصحراء طريقه جنوبا عبر جبال الأطلس البليدي ليصل مدن المدية، قصر البخاري وبوغزول، ويواصل مساره باتجاه الجلفة والأغواط مخترقا جبال الأطلس الصحراوي ويعبر على مدن غرداية، المنيعة، عين صالح مرورا إلى تمنراست على مسافة تقدر بـ 2039 كلم، محور وإن تجسد جزئيا ببوغزول والجلفة والأغواط التي دبّت فيها حركة القطارات العصرية وصارت وسيلة نقل لآلاف من الساكنة، فإن جميع الترتيبات جاهزة لإتمام الأجزاء المتبقية بسرعة تصميم تصل إلى 220 كلم في الساعة، حيث سيسمح قطار تنمراست - العاصمة على اعتماد هذا الخط كأفضل وسيلة للسفر ونقل البضائع في ظرف لا يتجاوز 08 ساعات كحد أقصى.
إلى أقصى الشرق الجزائري تمتد الشبكة الوطنية للسكك الحديدية لتصل إلى عنابة ومراكزها الاقتصادية الرئيسية، فبإقليم هذه الولاية يلتقي محوران رئيسيان حيث يصل المحور الشمالي الذي يربط المدينة بعاصمة البلاد، وبمدن الساحل الجزائري، بينما ينطلق منها خط تجاري ليصلها بقالمة، سوق أهراس، وتبسة على مسافة 422 كلم، كما تعمل “أنسريف” على تهيئة المقطع الرابط بين عنابة وقسنطينة “رمضان جمال”، وبولاية سكيكدة ومع عصرنة التجهيزات السككية وبناء عديد المرافق الخدماتية بغرض إعطاء مرونة وانسيابية أكثر للقطارات وتقديم نوعية.
ويشكل خط السكة الحديدية الذي يربط ولاية خنشلة بولاية أم البواقي على مسافة 51 كلم وبسرعة قطارات تصل لـ 160 كلم في الساعة، أحد روافد خط الهضاب العليا للسكة الحديدية ومن بين أهم المشاريع الاستراتيجية التي أقرتها السلطات العليا للبلاد وخصت بها ولاية خنشلة في إطار المخطط التكميلي لتنمية الولاية بغرض دفع عجلة التنمية بالمنطقة وكسر حاجز العزلة وإدماج للولاية في المنظومة الاقتصادية للبلاد.
وينطلق هذا الخط الجديد من مدينة عين البيضاء بولاية أم البواقي ويمر بكل من فكرينة متوسة، بغاي ليصل إلى المحطة المختلطة لنقل المسافرين والبضائع بولاية خنشلة، حيث تم تقسيم أشغال إنجاز هذا الخط إلى مقطعين رئيسيين يمتد المقطع الأول من عين البيضاء إلى فكرينة على مسافة 20 كلم بينما يمتد المقطع الثاني من فكرينة إلى متوسة على مسافة 31 كلم.
وفي إطار تجسيد هذ الخط الهام، تم بناء ثلاث محطات لنقل المسافرين بكل من فكرينة، متوسة وبغاي ومحطة لنقل المسافرين والبضائع بولاية خنشلة إضافة إلى تشييد العديد من المنشآت الفنية.
وانطلاقا من العاصمة تمتد الشبكة السككية إلى غاية الغرب الجزائري حيث تعكف الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة انجاز الاستثمارات السككية، على عصرنة وتحديث الخط الرابط بين الجزائر ووهران، فبعد انجاز ازدواجي وعصرنة التجهيزات بين وادي الفضة والشلف، ومواصلة عصرنة وتجهيز المقاطع الرابطة بين خميس مليانة- العفرون، وبين واد سلّي- غليزان، ستمكن هذه المشاريع من تقليص ساعات السفر وتحسين الخدمات.
وبوهران التي كانت في صلب البرامج المتعددة لتطوير شبكات السكك الحديدية ونظام النقل بالقطارات باعتبارها مدينة اقتصادية ومركزا لمدن الشمال الغربي التي تتربع على مراكز حيوية عديدة جعلها مقصدا حيويا وقبلة للقادمين من الولايات المجاورة، إلى جانب شبكة الضواحي التي لا تستغني عنها الساكنة في تنقلاتها اليومية.
وعلى المحور الشمالي للجنوب محطة وادي الرمال والتي ستكون نقطة انطلاق لأولى التجارب النقل السريع بالقطارات، حيث تنهمك الوكالة في انجاز الخط المزدوج والذي سيربط وهران وسيدي بلعباس وتلمسان على مسافة 232 كلم.
وعلى محور الخط المنجمي الغربي فبعد أن انتهت الوكالة من انجاز خط وهران – بشار على مسافة 700 كلم وتجهيزه بأحدث أنظمة الإشارة والاتصالات، ترفع الوكالة مجددا تحدي أطول مشروع لخط سكة حديدية لربط بشار- تندوف وغار جبيلات على مسافة 950 كلم، هذا الخط الذي تتشارك فيه أكبر المؤسسات العمومية في البنية التحتية، ورغم أنه سيشكل حلقة وصل هامة لأكبر مشروع استثماري إلا أنه يعد وسيلة سفر هامة لساكنة الولايات التي يمر بها.
محطــــــــــــــــــــــــات عصريــــــــــــــــــــــــــــة
رافقت الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية هذه المشاريع بإنجازات أخرى تمثلت في محطات جديدة، منذ بدأ نشاطها عام 2007 تبنت الوكالة سياسة فعالة تهدف من خلالها إلى تدعيم الشبكة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية بمحطات عصرية وراقية.وتضمن الحد الأقصى من الوظيفية وتلبية احتياجات نقل المسافرين والبضائع في كل محطة يتم تشييدها، تضع المؤسسة راحة ورفاهية المسافرين وكفاءة نقل البضائع على رأس أولوياتها، بدءا من إدماج منشآتها الخدماتية مع العمارة السائدة عبر تصميم خارجي يتناغم مع البيئة المحيطة، وصولا إلى التفاصيل الداخلية التي تجمع بين التصميم الجذاب والتجهيزات العصرية بما يضمن الكفاءة الوظيفية ويراعي عناصر الاستدامة، وذلك على غرار محطة القطار بالجلفة، الأغواط، عين وسارة، حاسي بحبح، سيدي مخلوف بغاي، خنشلة وغيرها..
تبنت الوكالة توجهات جديدة في الخطة الوطنية للتنمية الإقليمية تقوم على تبني الحلول المبتكرة في مجال حلول النقل بالسكك الحديدية، وهذا بهدف دمج شبكة السكك الحديدية الجزائرية في الترتيب الدولي، وتكيّفا منها مع توقعات النمو الديموغرافي والاقتصادي، ومراعاة لطلبات النقل المتزايدة والمشاريع الوطنية المختلفة، ناهيك عن ربط المناطق الصناعية المختلفة ومناطق الموانئ ومناطق الأنشطة والمدن الجديدة، وضمان تشبيك الشبكية لتمكين التنمية الإقليمية المتوازنة لمختلف المناطق الداخلية للبلاد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وعلى الصعيد الدولي تأمين الربط السككي مع دول شمال أفريقيا والعربية والإفريقية لتشكيل ممرات دولية للنقل بالسكك الحديدية.
وتتحدث عن البرنامج الوطني للاستثمار في السكك الحديدية، حيث وصلت الخطوط المستغلة 4,787 كم، الخطوط قيد الإنشاء 2033 كلم خطوط جديدة و795 كلم، اكتمال الدراسات لمسافة 1050 كم، الخطوط قيد الدراسة 4,041 كم الخطوط التي سيتم إطلاقها في الدراسات: 3,459 كم.
وترمي الوكالة من تطوير خطوط شبكة السكك الحديدية إلى تنفيذ برنامج السكك الحديدية بكفاءة وتبسيط الاتصال بين مناطق الموانئ ومناطق الأنشطة (الصناعية والتعدينية)، من أجل تقليل تكاليف ورسوم النقل إلى جانب إنشاء وسائط متعددة في النقل البري وتقليل الحمل والمخاطر على شبكات الطرق وفتح المناطق العميقة في البلاد.
أنظمـــــــــــــــــــــــــــــــــــة مُبتكـــــــــــــــــــــــــــــرة
تعتمد الوكالة في استثماراتها على الأنظمة المبتكرة في قطاع السكك الحديدية والتي تهدف إلى تحسين سلامة وكفاءة واستدامة النقل، مع الاستجابة للتحديات المعاصرة المرتبطة بالتنقل والبيئة، وتغطي هذه الابتكارات، التي غالبا ما تكون معززة بالتقدم التكنولوجي والتوقعات المجتمعية الجديدة والمتطلبات التنظيمية، في العديد من جوانب قطاع السكك الحديدية.
ومن ذلك أنظمة الإشارات على غرار نظام إدارة حركة السكك الحديدية الذي يعد نظام أمني، يسمح بالتحكم في القطارات، من خلال مراقبة سرعة القطارات، والتجاوز غير المصرّح به للإشارات من خلال إيقاف القطارات تلقائيا، وذلك عن طريق تركيب إشارات ضوئية على المسارات عند أسفل الإشارات ومنبعها، والتي تنقل المعلومات إلى المعدات الموجودة على متن القطار والمثبتة في القطار، وهذا النظام يجعل من الممكن تقليل الأخطاء البشرية وزيادة حركة السكك الحديدية.
من جهة أخرى، يهدف نشر نظام إدارة حركة السكك الحديدية إلى ضمان قابلية التشغيل البيني للحلول التقنية على أرض الواقع، وضمان السلامة وهذا لأنه تم تصميم معدات هذا النظام وإنتاجها وفقا للقواعد الموحدة التي تفرضها معايير CENELEC، ما يوفر الموثوقية وقابلية الصيانة من خلال عدد محدد من المعدات عبر الإنترنت مما يقلل من احتمالية حدوث خطأ ويضمن توفرا أفضل للنظام، ناهيك عن تقليل المسافات بين القطارات، مما يعزّز زيادة سرعة القطار وسعة الخط.
كما تعتمد الوكالة على النظام العالمي للاتصالات المتنقلة - السكك الحديدية “GSM-R “، وتم تطويره خصيصا لتطبيقات السكك الحديدية والاتصالات ذات الترددات المخصصة، والتي تستخدم للتواصل بين القطارات ومحطات الطاقة التي تشغل شبكة السكك الحديدية، ويجري النظر حاليا فيما يتعلق بنظام الاتصالات الجديد “FRMCS”.وحرصت “أنسريف” على نشر الأنظمة الفرعية للإشارات والاتصالات في جميع هذه المشاريع، من خلال نشر أنظمة الأمان و/أو التخطيط لنشرها لتحسين ظروف التشغيل سواء على مستوى محطات التحكم بالكمبيوتر التي يتم التحكم فيها مركزيا، حيث يكون منطق القيادة والتحكم محوسبًا بالكامل.
وقامت أيضا بكهربة نظام مبتكر في النقل بالسكك الحديدية، حيث تمثل هذه النقطة مؤشر على التقدم الكبير في مجال النقل، فهي تلعب دورا هاما في تطوير صناعة السكك الحديدية، وتوفر فرصة للابتكار التكنولوجي، وتستجيب للضرورة البيئية والاندماج الاجتماعي، حيث أحدث هذا الابتكار تحوّلا في صناعة السكك الحديدية، مما أدى إلى تحسين السلامة وتحسين تجربة المستخدم وتحديث القطاع بأكمله من خلال ضمان الراحة، السرعة والاستدامة.
ويتميز الجر الكهربائي بعدة مزايا بيئية اصطلاحية، تجاري، اقتصادي اجتماعي، وفي هذا السياق، يتم التخطيط لكهربة الشبكة على مراحل وفقا لأولويات محددة، ومن بين الأنظمة المبتكرة للسكك الحديدية في اطار التحسينات البيئية استخدام الألواح الشمسية والحلول المصممة بيئيا في المحطات والمرافق من أجل تقليل الأثر البيئي الشامل، أنظمة الطاقة المستدامة بهدف تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عن طريق استبدال قطارات الديزل على الخطوط غير المكهربة المرقمنة، الصيانة التنبؤية عبر مراقبة حالة القطارات والبنية التحتية في الوقت الحقيقي لمنع الأعطال وتحسين الصيانة من أجل محاكاة وتحليل أنظمة السكك الحديدية لتحسين التخطيط والتشغيل.
يضاف إلى ذلك راحة الركاب والاتصال وذلك بتوفير تجربة متصلة للركاب لتلبية التوقعات الحديثة بمساحات معيارية تتكيف مع الاحتياجات المتغيرة، مثل أوقات الذروة أو مجموعات محددة مثل الدراجات والأمتعة، أنظمة التذاكر الذكية بهدف تبسيط الوصول إلى خدمات السكك الحديدية وتقليل طوابير الانتظار وتمكين إدارة أفضل لتدفقات الركاب وتحسين الإيرادات مع جذب المزيد من الركاب.
أما بخصوص الأنظمة المبتكرة لجوانب التسيير للسكك الحديدية يتم استخدام على سبيل المثال مبتكرة في إدارة تنفيذ استثمارات السكك الحديدية منها الذكاء الاصطناعي كأداة قوية جدا تغير عادات وطرق إدارة أي نشاط.