رغم جميع التّدابير المتّخذة من طرف السّلطات المختصة من أجل الحد من الاختناقات المختلفة، فإنّ عدد الحوادث لا تزال تتزايد ولا سيما بالمدن والقرى الداخلية للوطن، وتتمثل الحوادث في الاختناقات داخل البيوت وأماكن العمل غير المؤمّنة.
الظّاهرة استفحلت وحصدت الكثير من الأرواح البريئة، النقيب بوخاري رابح المكلف بالاعلام بالمديرية الولائية للحماية المدنية بولاية تيارت، يرى أن ّالمتسبّب الرئيس لهذه الظاهرة هو المواطن، الذي لا يكثرت بالظاهرة ولا يطبّق التّدابير الوقائية التي جاءت بها تعليمات الحماية المدنية ووسائل الاعلام.
النّقيب بوخاري الذي زرناه بمكتبه أطلعنا بالوثائق على الدورات التّحسيسية التي تقوم بها الحماية المدنية لصالح المواطنين، ومن بين العوامل المباشرة الشبكة الداخلية للغاز داخل البيوت، حيث غالبا ما يقوم أرباب البيوت بتثبيت أو إصلاح خلل الأنابيب والأجهزة بطريقة شخصية دون الاستعانة بخبير أو مختص.
وحسب الاحصائيات يقول ضيفنا إنّ أغلب الحوادث تقع بالأحياء الجديدة أي السّكنات المسلّمة حديثا، وتقع بسبب جهل أو تجاهل السكان بقواعد السلامة أو تثبيت الاجهزة، وأنّ المادة التي نشمّها عبر التسرّبات ليست غازا بل هي مادة ذات رائحة قوية تبث بالأنابيب حتى تشعر بالتسربات لكون الغاز لا رائحة ولا لون له، ولولا هذه المادة التي تسمى «تي اش تي» لخرّبت بيوت وازداد عدد الأرواح، أي المادة المذكورة ليست غازا، وعندها مباشرة يجب إصلاح الخلل بعد فتح التهوية وغلق صنابير الغاز ولا سيما الرئيسية منها، وكون المادة القاتلة هي أول أوكسيد الكربون يجب الحذر لأن الغاز المشتعل لا ينذر، وأن الرائحة المذكورة التي تشتم عبر تسرب الغاز هي مادة منبّهة.
وعن أعراض الاختناقات، يقول النقيب بوخاري إنّ المختنق يصاب بدوران وقيء جراء إصابة الخلايا العصبية، لذا يجب غلق صنبور الغاز فور اشتمام الرائحة، وتتم مراقبة الأنابيب والأجهزة عن طريق جهاز تمّ اختراعه حديثا أو بالطريقة التقليدية المتمثلة في رغوة مسحوق الصابون.
سألنا المقدم بوخاري عن الأجهزة المستعملة في التدفئة وآلات الطبخ، قال إنّ لون اللهب هو من يحدّد مدى الاشتعال الطبيعي للأجهزة المذكورة باللهب، فإذا كان لونه برتقاليا أو أحمرا فإن الاحتراق غير طبيعي ويجب إصلاح الخلل، أما إذا كان لون اللهب أزرقا فإن الاشتعال طبيعيا. من بين الأجهزة الخطرة والتي يجب الحذر عند استعمالها الموقد الأسود (أو ما يسمّى بالعامية بالطابونة) الذي يستعمله سكان القرى والمداشير لطهي الخبر ومعظم المأكولات، والذي لا يطرح دخان الاشتعال، فالغاز الذي يطرحه ينتشر بداخل المطبخ أو الغرفة وهو خطير لكون سكان القرى والدواوير يتدفّأون به، وإذا بقي الشخص بجانبه لأكثر من ربع ساعة فإنه يصاب بالدوران، ولا سيما فئة الاطفال كون الطفل قصير القامة وغاز الموقد يتصاعد من تحت إلى فوق ويصيب الجالس أو الصبي أكثر من غيره حسب تجربة رجال الاسعاف بالحماية المدنية، كما حدث بدائرة واد ليلي بولاية تيارت، حيث تسبّب الموقد في اختناق أسرة والمتضرّر الأول كان الأطفال الصغار نظرا لتكاثف غاز البوتان المشتعل.
وطرحنا على ممثل الحماية المدنية بتيارت تساؤلا حول الأماكن الأكثر تسبّبا للاختناق بالبيوت، فكانت إجابته أنّها الاماكن المغلقة بالعمارات وغلق منافذ التسرب والنجدة، وضرب لنا مثلا عن أحد المتحصّلين على سكن جديد بعمارة قامت بترميمات داخلية وأغلق منفذ تسرب الغاز ومكان التهوية دون أن يدري بدور هذا المنفذ، وتسبّب في تسرب الغاز والهواء على الجيران حتى تفطّنوا للأمر وطالبوا بإصلاحه، كذلك القناة المستعملة لإخراج الغاز المشتعلة أو ما يسمى بالأنبوب يجب اختيارها لكون «موضة» جديدة ابتدعها بعض التجار والمتمثلة في الأنبوب الحلزوني، فهذا خطير لأن مكان الالتواء بالنسبة للأنبوب لا يظهر عندما يتمزق لكون داخله نتوءاً أو التواء ويتسرب عبره الغاز المحترق دون أن ينتبه المواطن المستهلك للغاز، ولا سيما خلال فصل البرودة الشديدة الذي تتميز به ولاية تيارت.
ومن بين العوامل غلق الأنابيب بواسطة أعشاش الطيور التي تسكن بالعمارات دون الانتباه اليها حتى تسد، لذلك يجب تفقد الانابيب دوريا، كذلك إعادة فحص أجهزة التدفئة قبل استعمالها وإعادة تركيبها قبيل فصل الشتاء، كذلك عدم ترك المدفأة تشتعل ليلا مثلما يفعل جل المواطنين ولا سيما عندما يشتد البرد.
السخّان المائي يثبّت في الشّرفات
عامل آخر لا يقل خطورة يغفل عنه الكثير، وهو الدخان الذي تنفثه مدخنة السيارة قبل إقلاعها، حيث يقوم السائق بإدارة محركها حتى تسخن، وهنا يكمن خطرا آخرا وهو الغاز الذي تطرحه المدخنة، فهو غاز قاتل، وحسب السيد رابح بوخاري فإنّ حادثة وقعت بتيارت سنة 2017، وتسبّبت في وفاة سيدة خلال تسخين السيارة وهي بداخلها والمستودع بدون تهوية، لذا يجب تسخين السيارة داخل مرآب به تهوية كافية أو تسخينها خارج البيت بالشارع. ومن بين الأجهزة المسبّبة للاختناق الغازي كذلك السخانات المائية للاستحمام أو تسخين المياه، هناك بعض الرصاصين الذين يثبتونها داخل الحمام وهذا خطأ جسيم، فالسخان المائي يجب أن يثبت بمكان به هواء كاف كالشرفات أو تربط بمدخنات وأنابيب تهوية ذات حجم كبير يسمح بخروج الغاز المشتعل، كذلك هناك ظاهرة متمثلة في عدم تغيير الانابيب البلاستيكية التي تسعمل لإيصال الغاز الى الطابونات، وهناك حتى من يستعملها لإيصال الغاز للمدفئات وهذا خطأ جسيم ومسبّب للهلاك، لأن الأنابيب البلاستيكية لها مدّة صلاحية يجب التخلص منها بمجرد انتهاء هذه الصلاحية التي تكتب على جانب الأنبوب. من بين الأسباب كذلك صمّام قارورة غاز البوتان إذا كان لا يلائم المقاييس فإنه يتسبّب في خطورة بالغة، وأخيرا يجب اختيار آلات التدفئة الجيدة، والتي لها مواصفات تتماشى وغاز المدينة أو البوتان.
ضيفنا النّقيب بوخاري رابح طلبنا منه بعض الاحصائيات حول تدخل مصالح الحماية المدنية، فأجاب أنه خلال هذا الشهر جانفي 2019 تمّ إحصاء 39 تدخّلا منه 3 اختناقات أسعف أربعة وتوفي شخص واحد عن طريق أحادي أوكسيد الكربون، وفي سنة 2018 قامت مصالح الحماية المدنية بولاية تيارت بـ 39 تدخلا توفي 07 وتم إنقاذ 71 شخص، وأنّ عدد التدخلات الاجمالي عبر تراب الولاية خلال 2018 فيما يخص جميع الحوادث فاق 21 ألف تدخل. وفي الأخير أوضح ضيفنا أن جل الأشخاص الذين أصيبوا باختناق نجدهم سواء بالقرب من الهاتف أو بالرواق ممّا يوحي بتوجّههم إلى وسائل النّجدة لأنّ الرّواق يؤشّر الى الهروب من الخطر، والهاتف هو محاولة الاتصال للإنقاذ، ويبقى الحذر والحيطة، واتّباع توجيهات الحماية المدنية هي السّبل الوحيدة للنّجاة أو تجنّب الخطر.