لم يتوان الولاة المتعاقبون على ولاية تيبازة على مدار العشرية الأخيرة في تكليف جميع الهيئات التنفيذية العمومية بالتجاوب ايجابا مع الاعلاميين المحليين، إلا أنّ العديد من مصادر الخبر التي يتعامل معها أعضاء الأسرة الاعلامية لم تعر الأمر اهتماما ولا تزال تختلق العراقيل تلو الأخرى لمنع الصحفي من أداء رسالته.
ولعلّ ما يحسب لصالح الولاة المتعاقبين على الولاية كونهم يصرّون على دعوة رؤساء الدوائر والبلديات والمكلفين بالاعلام على كل المستويات لتجنب إخفاء تفاصيل الخبر الذي يبحث عنه المراسل الصحفي، ومنهم من راسل القائمين على الهيئات التنفيذية المحلية كتابيا بخصوص هذا الموضوع، الأمر الذي أكّده والي الولاية الحالي محمد بوشمّة على هامش لقائه بالاعلاميين، وتابعه الوالي السابق موسى غلاي ميدانيا من خلال تذكير جميع القائمين على الهيئات التنفيذية مرارا بالتفتح على عالم الصحافة، إلا أنّ أنّ الواقع يشهد بأنّ مصادر الخبر اكتسبت تقاليد ليس من السهل التخلي عنها، وهي تقاليد تعتبر الصحفي شخصا غير مرحّب به ويجب الحذر منه لاسيما حينما يتعلق الأمر بكشف النقائص المسجلة على كافة المستويات، بحيث لا تزال عدّة مصادر للخبر ترفض التعامل جملة وتفصيلا مع المراسل الصحفي معلّلة بكون هذه العملية تخضع لترخيص مكتوب من المديرية العامة أو الادارة المركزية، وتتناسى بأنّ الخبر يصبح بلا معنى حينما تمرّ عليه فترة وجيزة من الزمن أحيانا، كما تطالب عدّة مصادر أخرى بإحضار طلب رسمي من العنوان الصحفي بتوقيع من المسؤول الأول عنه في تحدّ صارخ لمجمل التعليمات الصادرة عن السلطات العمومية المركزية من جهة ولكرامة المراسل الصحفي من جهة أخرى، ومن ثمّ فإنّ المراسل الصحفي يضطرّ في هذه الحالة الى انتهاج طريقين أحلاهما مرّ، ويعنى أولاهما بالمواجهة وكشف المستور بالشكل الذي لا يتماشى وأخلاقيات المهنة، ويتعلق الإختيار الثاني بالتجاهل واللامبالاة، الأمر الذي لا يخدم لا القطاع ولا الحقل الاعلامي أيضا.
وفي ظلّ الانتشار الرهيب لوسائط التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي المذهل الذي تعرفه الساحة الاعلامية، فقد تحوّلت نظرية منع الصحفي من تقصي الحقائق مجرّد تصرّف طائش تعبّر عن المستوى الدنيء لبعض القائمين على مصادر الخبر لأنّ المعلومة لم تعد تخفى على أحد، وإنّما يحتاج توثيقها الى الكشف عن مصدر الخبر لضمان حدّ أدنى من المصداقية والموضوعية، وإذا كان المراسل الصحفي معنيا بقوة أخلاقيات المهنة وقانون الاعلام بمنح فرصة إبداء الرأي لجميع الجهات الواردة في تحقيقه أوعمله الصحفي، فإنّ هذه الجهات تبقى مطالبة هي الأخرى بفتح باب التواصل مع الصحفي دون عرقلته أو منعه من أداء مهامه أو التقليل من شأنه مثلما يحصل بالعديد من الهيئات المحلية بولاية تيبازة.
تخوّفات من التّأويلات
إلا أنّ الذين لا يزالون يصدون المراسل الصحفي عن الوصول الى مصدر المعلومة، يؤكدون على أنّ العديد من المراسلين لا يلتزمون بأخلاقيات المهنة وكثيرا ما يحرّفون الأجوبة عن مواقعها ونادرا ما يلتزمون بقول الحقيقة ومن ثمّ فلا توجد جدوى من التعامل معهم، غير أنّ الواقع يشهد بأنّ هذه الظاهرة لا ترتبط في الواقع سوى بعناصر محدودة لا تمثّل الا نفسها، ولا يعقل تعميم الأمر على غيرهم ممّن لا يزالون يربطون أنشطتهم بأخلاقيات المهنة التي يجهل تفاصيلها العديد من المتعاملين مع الخبر كمادة متداولة، غير أنّ ذلك لا يزال يتّخذ ذريعة للتهرّب من مسؤولية التعامل مع الاعلاميين تخوفا من التعرّض لعواقب لا تحمد عقباها، وما أكثر الهيئات والمصالح التي تشترط على الاعلاميين إحضار ترخيص من الوزارة المعنية أو المديرية العامة بالعاصمة لغرض الحصول على معلومات من الواقع المحلي، وأيّهما يصدّق في هذه الحالة؟ هل التعليمات الرسمية الموجهة لمختلف المصالح من طرف السلطات العمومية ووالي الولاية شخصيا على المستوى المحلي؟ أم التخمينات والترتيبات النظامية المتخذة من طرف المصالح المعنية التي ترفض تسهيل عمل المراسل الصحفي؟