كشفت دراسة ميدانية شملت 400 سائق من 12 ولاية عبر الوطن، أجرتها الدكتورة المتخصصة في علم النفس العيادي بجامعة المدية فتحية بوعيشة، عن بروز أعراض متقدمة من الاندفاع والعدوانية لدى السائقين من ذوي النمط السلوكي ، الأمر الذي يعرّضهم إلى أمراض نفسية وأخرى عضوية تنتهي في آخر المطاف وفي الكثير من الحالات بسكتات قلبية مفاجئة.
تقول الدكتورة فتحية بوعيشة في دراستها، بأنّ السائقين الذين يتصفون بالسّرعة ونفاذ الصبر لا يلتزمون عادة بالسرعة القانونية خاصة بالطرق السريعة، ولا يكتفي بعضهم بتجاوز السرعة المحددة وإنّما يقوم بمناورات خطيرة معتبرين ذلك سلوكا عاديا يقومون به عن وعي وإدراك بالرغم من خطورته على أنفسهم وعلى مستعملي الطريق والمجتمع ككل، بحيث كشفت الدراسة بأنّ ذوي النمط السلوكي أ الذي عرّفه الباحث «روزنمان» في 1990 على أنّه انفعال سلوكي مركب يتضمن معدلا متسارعا للأنشطة واستجابات انفعالية تميل للعدائية والغضب المتزايد، مع الرغبة في التفوق في الأعمال وانجازها في أقلّ وقت ممكن هم أكثر ارتكابا لحوادث المرور من غيرهم، وأكثر معاناة من الغضب والتوتر والانفعال، وهم أشخاص اكثر عدوانية وانفعالية لأتفه الأسباب. كما كشفت الدراسة التي أجريت بولايات الجزائر، تيبازة، البليدة، المدية، البويرة، بومرداس، عين الدفلى، قسنطينة، برج بوعريريج، تلمسان، الوادي والجلفة على أنّ السائقين غير القادرين على تحمّل الصبر خلال الازدحام المروري يتعرّضون للانفعال والعدائية والتوتر في حياتهم العامة والأسرية وخلال قيادتهم للسيارة.
وجاءت هذه الدراسة من منطلق كون السيارة أصبحت وسيلة لا غنى عنها لقضاء مختلف الحاجات المعبر عنها من طرف الأسرة الجزائرية، ممّا أفرز ظاهرة الازدحام المروري عبر مختلف المدن والمحاور الكبرى، ومن ثمّ فقد كشف الواقع المعيش عن وجود نمط من السائقين هو في تزايد متواصل لا يحتمل التأقلم مع هذه الظاهرة المتجدّدة، والتي رفضت الزوال والاندثار مهما تطوّرت الحلول التقنية والتكنولوجية المعتمدة ممّا يولّد عدوانية غير متحكّم فيها لدى السائقين قد تلحق ضررا بغيرهم في الكثير من الحالات.
وتؤكّد الدكتورة فتحية بوعيشة بأنّ غالبية السائقين يسعون لبلوغ أهدافهم بدون عوائق، فيما يتسبّب الازدحام المروري في عرقلتهم وعدم وصولهم لأهدافهم خصوصا من يمتهنون السياقة لكسب العيش، بحيث يؤثر ذلك على برمجة ساعات العمل في أوقات غير مناسبة مما يؤدي الى تذبذب ساعات النوم والشعور المستمر بالتعب، وهذا ما يساهم في توترهم وانفعالهم ويؤثر على حالتهم الصحية.
كما تظهر خصائص هذا النمط من خلال العدوانية والاندفاع، فالشخص المندفع يقوم بالعمل بأقل درجة من الوعي وضبط النفس، ثم يفكر بعد ذلك في نتائج العمل الذي أقدم عليه. وفي هذا الصدد تشير دراسة عصام عبد اللطيف العقاد أن الشخص العدواني لديه معتقدات لاعقلانية تعطيه مشروعية القيام بممارسات عدوانية اتجاه الاخرين، متعديا بذلك على القوانين والقيم والمعايير، فيكتسب شعورا بأنه فوق القانون، ومن هنا يتشكّل مصدر الخطورة.
وبالتالي فالازدحام المروري الذي يعاني منه السائقون ذوي خصائص النمط السلوكي أ يؤثر على حالتهم النفسية من خلال توترهم وانفعالهم كما يصبحون اكثر عدائية واندفاعية، وهذه الخصائص لا تتوقف على الحالة النفسية فحسب بل تتعدى إلى أمراض عضوية أخرى، حيث يشير كل من فريدمان وروزنمان من خلال تعاملهم الاعتيادي مع المراجعين من مرضاهم أن هذه الخصائص السلوكية المتمثلة في السرعة ونفاذ الصبر، التوتر والانفعال والعدوانية والاندفاعية تجعلهم أكثر عرضة للأزمات القلبية.
ومن هذا المنطلق فالازدحام المروري بالنسبة للسائقين ذوي النمط السلوك أ يؤثر سلبا على حالتهم النفسية، ومن ثمة الجسدية ويكونون أكثرا عرضة للاضطرابات النفسية والأمراض العضوية.