عندما تعالت أصوات عقلاء السياسة مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، بين الأطراف المتناحرة في سوريا والجلوس على طاولة المفاوضات، حقنا لدماء الشعب، منعا لخراب البلد، قام رعاة المعارضة المسلحة بمدها بمزيد من الأسلحة والمقاتلين والأموال، وتأجيج نار الفتنة، التي أتت على أركان الدولة، ومنحت العدو الإسرائيلي شرف تدمير ما بقي من هيبتها.
نعم، إن اعتداء اسرائيل على سيادة الجمهورية العربية السورية، وهي تعيش حربا أهلية طاحنة بتمويل خارجي سري وعلني، دون رد فعل فوري أو إدانة دولية، ضرب هيبتها، وبيّن أنه نتيجة صراع السيطرة على مقاليد السلطة بين النظام القائم والتيارات المعارضة المشتتة، منذ استنشاق محافظة درعا في مارس 2011، لعدوى ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي”، لابد أن تراعي، شاءت أم أبت، الأمن القومي لإسرائيل، ، ونفذت تهديداتها حين رأت أن مزاعم استخدام السلاح الكيمياوي، وانتقال الأسلحة بين دمشق وطهران وحزب اللّه، بدأ يثير الرعب وسط الإسرائيليين وارتفع طلبهم كل الأقنعة الواقية.
وبعيدا، عن الحسابات السياسية والإقليمية، للأزمة السورية، شاهد العرب للمرة الألف تلك الصورة المخزية التي تبرز كلما دقت ساعة المواجهة مع الكيان الصهيوني، وإذا كانت اعتداءاته الماضية والمستمرة على نساء وأطفال وشيوخ فلسطين، ترافقها بيانات الإدانة والشجب، فإن قصفه على مرتين لقواعد عسكرية في دمشق هذه المرة، صاحبه رد مختلف وسياق متعدد التناقضات، فبينما كان الجيش النظامي يقاتل المعارضة المسلحة لإخراجها من المناطق التي تسيطر عليها، وتحاول هي بكتائبها المتعددة الانتماءات والإيديولوجية الصمود والإصرار على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ونظامه، بشتى الوسائل والسبل، نفذ الطيران الإسرائيلي غاراته مخلفا قتلى وجرحى، وخسائر مادية، والكل يلتزم صمتا مطبقا.
لقد تحولت سوريا في وقت وجيز، إلى ساحة معركة متعدّدة الأبعاد والأهداف، ولم يعد بيد السوريين أن يحددوا مصيرهم بأيديهم، فأمريكا وحلفاؤها يرسلون السلاح لإطالة الحرب، ومن تستهويهم فكرة القتال في صفوف تنظيم القاعدة الذي أعلن تواجده على الأرض السورية، يأتون من كل أقطار العالم، والمنشقون عن الجيش والمدنين الذين تم تسليحهم وتدريبهم على حدود الدول المجاورة، مستمرون في القتال وبريطانيا تقول إنها ستدعمهم لمحاربة الجماعات المتطرفة والنظام، وحزب اللّه وإيران يقدمان دعما فعّالا لهذا الأخير، والصين وروسيا ترفضان تكرار السيناريو الليبي في هذه الدولة الحليفة، ونتيجة لهذا مئات القتلى والجرحى بالمئات يوميا ودمار فوق دمار.
لقد كان الصحفي البريطاني الشهير، روبرت فيسك، محقا عندما نصح العرب بالتوقف عن ترديد المفاهيم البراقة، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والقيم، لأنها ترتوي بنفاق داخلي وخارجي مفضوح، فالرهانات اليوم هي أكبر من علاقة حكومة بشعب، بل بمصير بلد وشعب، ولو كانت هناك إرادة حقيقية لإنقاذ الشعب السوري، وتجنيبه المأساة التي يعيشها الآن، لما عرقلت جهود التسوية السلمية، ولما جعلت من مبادرات المبعوث الأممي البشير الإبراهيمي وقبله كوفي عنان تبدو أقرب إلى الخيال.
وبالعودة، إلى الحسابات الإقليمية، فإن إسرائيل صارت تنتهز الفرصة، بإذن الولايات المتحدة لتستعرض ما وصلت إليه من قوة، وما وصلت إليه الدول العربية من ضعف، فقد قال مسؤول إسرائيلي خلال الأشهر الماضية، إنه لم يعد باستطاعة العرب اتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل خلال العشرة سنوات القادمة، وما نراه هو عدم قدرة أبناء الوطن الواحد اتخاذ موقف موحد ضدها، فإعلان الجيش النظامي والمعارضة وقف إطلاق النار للرد على الاعتداء الصهيوني حلم بعيد المنال، وما يهمها فوق هذا كله هو سحق خط المقاومة، والتخلي عن القضية الفلسطينية.
وقوف الولايات المتحدة بكل ثقلها على هذه الكفة سيضعها أمام متاعب لا تنتهي، لأن التداعيات الخطيرة للأزمة السورية، على المنطقة بدأت تتجلى أكثر واندلاع الحرب الكبرى وارد جدا.
خراب سوريا.. وأمن إسرائيل
حمزة محصول
شوهد:1814 مرة