المسعى يتناقض مع اللاّإستقرار في بعض البلدان
عاد الحديث السياسي عن إصلاح الجامعة العربية بمناسبة قمة الدوحة، وإن كان السياق الراهن لا يتطلب ذلك كون الأولوية ليست للجانب التنظيمي بقدر ما هي لإعادة ترتيب البيت الداخلي لهذا التنظيم العتيد، الذي ولد في ظروف خاصة جدا لا داعي لذكرها نظرا لحساسيتها بعد الحرب العالمية الثانية.
يجب أن نؤكّد هنا بأنّ الشروع في هذا المسعى أو بالأحرى إثارته في المرحلة الحالية لا يستند إلى مطلب أو منطق معين، كل ما في الأمر أنّ الدعوة للاصلاحلات لا تفي بالأغراض المنوطة بها، لأنّ التصريحات الأولية التي سمعناها على لسان البعض لا تعطي الانطباع أبدا بأنّه إصلاح في العمق وإنما توجه سطحي ركّز أساسا على إنشاء المحكمة العربية لحقوق الانسان وهيكلة الأمانة العامة.
أما الباقي فلم يشر إليه، وليس هناك خيار أمام الراغبين حقا في إصلاح هذه الجامعة سوى العودة إلى مرجعية قرارات قمة الجزائرالتي فعلا وضعت المبادئ والأسس لأي مبادرة في هذا الشأن، منها خاصة مسألة تدوير الرئاسة أي الأمانة العامة، وكذلك الأمر بالنسبة لنقل المقر، بالاضافة إلى توصيات تاريخية تتطلّب التشديد عليها لأنّ هذا الملف درس بعمق وعناية في الجزائر، وحظي بالاجماع في تطبيقه والذهاب بعيدا فيه، إلاّ أنّ كل هذه الارادة القوية في التغيير اصطدمت بمواقف متحفّظة رفضت مسايرة الحقائق المرتبطة بالتغيرات التي يشهدها العالم اليوم، وبعد سنوات وسنوات يطرح الاصلاح من جديد، والسؤال الكبير هل الجامعة العربية لها قابلية للاصلاح؟ وماذا نصلح فيها؟ وماذا تعني العضوية في هذا الفضاء السياسي؟
للأسف علامات استفهام تتبادر إلى ذهن الانسان العربي يوميا حول أعلى مستوى لاجتماع القادة العرب، نقول بأنّه ليس هناك استعداد نفسي لإصلاح الجامعة لا لشيء سوى لأنّ السياق السياسي دوليا وإقليميا لا يسمح بذلك أبدا، لماذا؟
❊ أولا: هناك لاإستقرار بداخل البعض من البلدان العربية، التي اكتوت بنار ما يسمى “بالثورات” التي دمّرت البلد وقضت على البشر والحجر.
❊ ثانيا: حركية الأحداث الواقعة بهذه البلدان تديرها القوى الكبرى (ليبيا، سوريا، اليمن ومصر) وعنفوان الوقائع خرجت عن نطاق الحكّام العرب.
❊ ثالثا: غياب سقف انتهاء المشاكل الأمنية بالبلدان العربية المهزوزة، واختلطت الحسابات للبعض ممّن تدخل مباشرة في أوضاع مثل سوريا خاصة.
هذه العوامل السياسية والأمنية تقف سدّا منيعا في تبني أي تصور لائق تجاه مسعى الاصلاح، الذي يشترط عاملا حاسما واستراتيجيا لتطبيقه ألا وهو الاستقرار، هذا غير موجود في الظرف الحالي، وكلّما ابتعد تتقلّص حظوظ التغيير المرجوّة، ويزداد الشرخ إلى غاية سقوط هذه الفكرة من لدن الكثير، لذلك فإنّ الأمين العام للجامعة العربية السيد نبيل العربي كان على دراية عندما قال بأنّ الاصلاح والتطوير عملية مستمرة ولن تحدث في يوم واحد، وتستغرق وقتا طويلا.
هذه رسالة سياسية واضحة المعالم، يقصد بها أن لا تستعجلوا هذا الأمر واتركوه يتبلور تدريجيا إلى غاية النضج الكامل، وضمنيا فإن القراءة العميقة لهذا الكلام هو أنّ هناك معارضة قوية لأي عمل في هذا الاطار من قبل الدول الأعضاء.
ونعتقد بأنّ المناداة بإصلاح الجامعة العربية في وقتنا هذا يعدّ ضربا من الجنون وتجاوزا على الواقع العربي الصعب، الكل يقف اليوم على ما يحدث في سوريا، ليبيا، اليمن ومصر من أوضاع مقلقة بسبب السرعة الفائقة في تغيير الأنظمة. هذه البلدان لا يهمّها إصلاح الجامعة، بل شغلها الشاغل هو أن تجد المساعدة في استقرار أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على هؤلاء ألاّ يخفوا “الشمس بالغربال”، ولا يستبقوا الأحداث ولا يحرقوا المراحل. بلدان تعيش تداعيات التغيير بهذه الطرق ولا يعقل أبدا أن يذهب البعض لإصلاح ما لا يصلح في غياب البعض وتغييب البعض الآخر. ليس هناك أي مسوغ قانوني يمنح لمعارضة معينة مقعد لبلد قائم بذاته؟ يجب أن لا يفتح هذا الباب أبدا لأنّها سابقة خطيرة جدا، نقول هذا الكلام ليس دفاعا عن فلان أو علان، وإنما المنطق يؤكد ذلك، كان الأجدر أن يترك مقعد سوريا شاغرا إلى إشعار لاحق.
ومن جهة أخرى، فإنّ المعركة في الميدان لم تحسم لأي طرف سواء النظام أو المعارضة في سوريا، حتى معاذ الخطيب ما كان عليه الوقوع في هذا الفخ، لكن السياسة فن الممكن...وليس من الغرابة التوقف عند التصريح الروسي الذي استغرب للأمر ولأول مرة ينتقد الجامعة العربية، ملاحظا غياب التأني والحكمة والتعقل في تسيير حالات مستعصية جدا، طارحا مصداقية المبعوث الأممي والعربي مستقبلا في حلّ هذه المعضلة.