كارثة الطائرة المصرية.. من وراءها؟

ما هو مستقبل المطارات الأوروبية بعدها؟

س / ن

استيقظ المصريون، فجر الخميس، على وقع كارثة جوية جديدة، حين دهمهم نبأ اختفاء طائرة «مصر للطيران» في طريقها من مطار شارل ديغول في باريس إلى مطار القاهرة
موقع تحطم الطائرة، كان أشبه بمسرح عمليات غامض؛ حيث اجتازت الطائرة الأجواء اليونانية، ثم اختفت تماما من على شاشات الرادار، قبل أن يغرق المصريون ومعهم وسائل الإعلام المحلية والعالمية وأجهزة الاستخبارات الدولية وكبار ساسة العالم في بحر من التحليلات والاستنتاجات، حيال الحدث المفاجئ، الذي طغى على ما عداه من أزمات تعصف بالمنطقة، وتصدَّر اهتمامات العالم في لحظات وساعات، امتدت منذ وقوع «الكارثة» في الثانية و39 دقيقة من فجر الخميس 19 مايو بتوقيت القاهرة وحتى إعلان القوات المسلحة المصرية، صبيحة الجمعة 20 مايو ، عن عثورها على بعض المتعلقات الخاصة بالركاب، وكذلك على أجزاء من حطام الطائرة، على مسافة 290 كيلومترا شمال مدينة الإسكندرية.. ثم إعلان تنظيم «داعش» تبنيه إسقاط الطائرة المصرية، مهددا بشن هجمات أكثر تدميرا خلال بطولة أوروبا لكرة القدم في فرنسا، بحسب ما ذكرته قناة «زفيزدا» الروسية، صباح يوم الجمعة (20 05  2016)
 في الداخل المصري، استأثر الحادث هذه المرة باهتمام غير عادي. فمنذ الصباح الباكر، وبعد وقت قصير من إصدار وزارة الطيران المدني المصرية بيانها الأول عن فقدان الطائرة، كانت القيادات المصرية تتحرك بزخم شديد لتدارس الموقف والتعامل مع نتائجه واحتمالاته
 وفيما كانت أسر عائلات الضحايا تتدفق على ميناء القاهرة الجوي، في مشهد جنائزي حزين ويصاب بعض أفرادها بنوبات إغماء حين تناهت إلى مسامعهم الأنباء الأولية عن تحطم الطائرة. وبينما كانت القوات المسلحة المصرية تدفع بطائراتها وقطعها البحرية، لترافق الطائرات والسفن اليونانية في مهمتها الصعبة، لفك اللغز الغامض، بحثا عن حطام الطائرة المفقودة، كانت فرضية العمل الإرهابي تنطلق على لسان مسؤولين وشخصيات أمنية في مناطق شتى من العالم
الرئيس الفرنسي قال في بيان إنه من غير الممكن استبعاد أو ترجيح أي فرضية في هذه المرحلة، موضحا أن نيابة باريس فتحت تحقيقا، وأوكلته إلى الدرك الوطني في حادث الطائرة التابعة لشركة «مصر للطيران.»
 وهناك اعتقاد أولي يرجح أن تكون الطائرة المصرية قد تحطمت نتيجة قنبلة زرعت على متنها، وذلك بالاستناد إلى ظروف وقوع الحادثة
ولفت أحد المسؤولين الأمريكيين إلى أن الطائرة توقفت في إريتريا، ثم في تونس، قبل أن تطير إلى العاصمة الفرنسية. حيث خضعت لفحص دقيق، قبل أن تنطلق في رحلتها المنكوبة إلى القاهرة
غير أن موقع «ديلي ميل» البريطاني، نشر تقريرا عن الطائرة المصرية أثناء عودتها من باريس إلي القاهرة، قال فيه إن «رئيس الاستخبارات الفرنسية الداخلية بعث برسالة تحذير إلى مصر، من أنها مستهدفة بوضوح من تنظيم «داعش» الإرهابي، وذلك قبل أسبوع من حادثة «مصر للطيران». وقال باتريك كالفار رئيس وكالة الاستخبارات الفرنسية الداخلية للجنة الدفاع الوطني البرلمانية في فرنسا يوم 10 مايو الجاري، إن «داعش» يخطط لشن هجوم إرهابي جديد؛ مؤكدا أن فرنسا تواجه شكلا جديدا من الهجمات الإرهابية، متمثلا في حملة إرهابية ممنهجة، الهدف منها خلق مناخ من الرعب في الأماكن العامة
 تزامن ذلك مع مقطع فيديو عرضته قناة NEW7 اليونانية، وجاء فيه أن النيران اشتعلت في الطائرة المصرية قبل سقوطها في مياه البحر المتوسط. وقالت وسائل الإعلام اليونانية إن الفيديو تم تصويره من إحدى السفن في البحر الأبيض المتوسط، ويظهر انطلاق شعلة متحركة في السماء في المنطقة التي اختفت فيها الطائرة من على شاشات الرادار
 ولعل ما يعزز فرضية العمل الإرهابي، هو ما نسب إلى الصحافي في وكالة «NBC» توم وينتر، الذي نقل عن مصدر مقرب من التحقيقات الجارية أنه تم العثور في مكان سقوط الطائرة على آثار تدل على حدوث انفجار شديد على متن الطائرة المنكوبة؛ وهو ما أكده الخبير الإيطالي أنطونيو نيوبوردوني، مرجحا سيناريو الاعتداء الإرهابي، الذي وصفه في حديثه إلى صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية بأنه الأقرب إلى الواقع، نظرا إلى حجم التهديدات التي تتعرض لها مصر، مشيرا إلى أن المعطيات المتوافرة عن حالة الطقس الممتازة وقت اختفاء الطائرة، وحالة الطائرة العامة؛ إضافة إلي خبرة الطيارين، وغياب أي دليل على طلب استغاثة، أو ظهور أي مؤشر غير طبيعي.. كل ذلك يرجح كفة الاعتداء الإرهابي
 هذا الاحتمال، هو ما أشار إليه أيضا عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء حمدي بخيت، الذي أوضح أن الطائرة المصرية قطعت معظم المسافة، ولم يتبق على وصولها إلى القاهرة سوى خمس وثلاثين دقيقة، مستبعدا فرضية العطل الفني، ومرجحا «عملا إرهابيا» يستهدف الدولة المصرية
 وهذا الاستهداف، الذي أشار إليه عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، تؤكده جملة الأحداث التي تشهدها مصر، سواء في سيناء حيث تخوض القوات المسلحة والشرطة المصرية حروبا ومواجهات مع جماعات العنف والإرهاب المتوطنة هناك، أو عبر استهداف الطائرات المصرية، أو العابرة للأجواء المصرية
وفي ضوء كل ذلك، بات من المهم الإشارة إلى أن هذا الإعلان المرجح لتنظيم «داعش» الإرهابي، ومسؤوليته عن إسقاط الطائرة المصرية فجر الخميس، سيظل - إلى حين - معلقا بنتائج التحقيق الجاري بشأنها والبحث في قاع المتوسط، وخاصة ترقب العثور على الصندوقين الأسودين، اللذين سيكشفان وحدهما حقيقة ما جرى في تلك اللحظات التي اختفت فيها الطائرة من على شاشات الرادارات المصرية
 مستقبل المطارات الأوروبية
 ظهرت تفسيرات عديدة لتحطم الطائرة المصرية فوق البحر الأبيض المتوسط صباح الخميس (19 مايو)؛ لكن الهجوم الإرهابي بات أقربها للحقيقة لدى خبراء الطيران
في الأشهر الأخيرة، كانت فرنسا ومصر هدفين للمتطرفين الإسلامويين: ففي أكتوبر الماضي، أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عن تفجير الطائرة «A-321» الروسية التابعة لشركة «متروجيت»، والتي تحطمت فوق صحراء سيناء في طريقها من منتجع شرم الشيخ إلى سان بطرسبورغ، ما أسفر عن مقتل 224 من الركاب وأفراد الطاقم.
ويتفق خبراء الطيران في معظمهم على فرضية العمل الإرهابي كسبب لسقوط الطائرة المصرية، التي دخلت الخدمة في عام 2003 فقط، وهي تبقى صالحة للعمل بشكل جيد لمدة من 30 إلى 40 عاما.
ويستبعد خبير الطيران جيرار فيلدزر «حصول خلل تقني كبير – كانفجار المحرك، على سبيل المثال». بالإضافة إلى ذلك، فإن لدى الـA320 سجل سلامة ممتاز، كما أن هذه الطائرة متوسطة المدى هي الأكثر مبيعاً في العالم، حيث تقلع طائرة «A-321» كل 30 ثانية حول العام.
ويقول الخبراء أيضا إنه من غير المرجح إطلاق النار على الطائرة من البحر، كما حدث في جويلية عام 1988، عندما أسقطت البحرية الأمريكية طائرة ركاب للخطوط الجوية الإيرانية في مياه الخليج العربي.
هذه الأسباب بالإضافة إلى عدم إطلاق إشارة استغاثة من قبل طاقم الطائرة قبل سقوطها يجعل من الهجوم الإرهابي الاحتمال الأرجح.
لكن ما هو نوع الهجوم الإرهابي؟
في حين أن خبراء الطيران يرجحون زرع قنبلة في الطائرة، يتساءل المحققون عن كيفية تهريب قنبلة على متن رحلة جوية تقلع من أكثر المطارات ازدحاما في فرنسا، باريس شارل ديغول، حيث كان الأمن في حالة تأهب قصوى منذ الهجمات الإرهابية في العاصمة الفرنسية العام الماضي.
في ذلك الوقت، جرى فحص أكثر من 86 ألفا من موظفي المطار وتم طرد أكثر من 60 موظفاً للاشتباه في صلاتهم بالمتطرفين الإسلامويين. وبعد الحملة الأمنية الأولية، تم طرد 15 موظفا آخر من مطاري شارل ديغول وأورلي.
لكن خبير الطيران فيلدزر يؤكد أن وضع قنبلة على متن الطائرة في باريس هو أمرٌ ممكن دائماً، لأنه من الصعب أن تجعل أي مطار في العالم آمنا بدرجة مئة في المئة، حتى لو كان مطاراً بمراقبة مشددة كما في شارل ديغول.
لذلك، يحاول المحققون الفرنسيون تحديد ما إذا كان حامل الحقائب أو طاقم الموظفين قد زرع قنبلة على متن طائرة مصر للطيران في مطار شارل ديغول؛ الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول قدرة الشرطة الفرنسية والأوروبية عموما على تأمين المطارات من الخطر المتنامي للإرهاب والخلايا النائمة في أوروبا. ما يجعل المواطن الأوروبي يشعر بالقلق إزاء أمنه الخاص وقدرة حكومته على تأمين الحماية لبلاده.
في هذا السياق، يقول الناشط السياسي البلجيكي روبين روزيرس، في تصريح له أن - الشعوب الأوروبية قلقة إزاء التدابير الأمنية الفاشلة في المطارات الأوروبية. إذ لا تعد هذه الهجمات أمراً مستغربا، لأن المتطرفين الإسلامويين تسللوا إلى كل مفاصل الدولة، وخاصة في المطارات والجيوش الوطنية الأوروبية. كما أن المحاكم الأوروبية وخاصة في بلجيكا تطلق سراح الإرهابيين وهم يختبئون في بروكسل والعديد من عواصم العالم، ويحظون بدعم من السكان المحليين. فمسألة وجود الخلايا النائمة أصبحت أمراً غير قابل للنقاش. والسؤال الآن ليس عما إذا كانت هجمات جديدة ستقع في مطارات أوروبا، بل متى وأين، وفق روزيرس
ويخشى المراقبون للشأن الأوروبي أن يكون المتطرفون الإسلامويون يقفون خلف حادثة تحطم الطائرة المصرية؛ الأمر الذي سيحدث ردة فعل عند الشعوب الأوروبية تجاه الأحزاب الحاكمة، التي فشلت حتى اللحظة في اتخاذ التدابير الوقائية لمنع هجمات مماثلة في المستقبل. كما أن رصيد الأحزاب اليمينية سيزداد بسبب الخطر الإرهابي المتصاعد، خاصةً بعد السياسات الليبرالية تجاه اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وتسلل عناصر من تنظيم «داعش» الإرهابي، متنكرين بصفة لاجئين.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024