أصبح اعتماد خطف الرهائن إلى محور أساسي في الإستراتيجية المعتمدة من قبل الجماعات الإهابية، التي وجدت في هذه الممارسة الوسيلة التي تستطيع من خلالها الإستمرار في الحصول على الأموال بطلب فدية مقابل إطلاق سراح المختطفين أو مقايضتهم بعناصر إرهابية.
وقضية الإختطاف هي ممارسة قديمة قدم الإنسانية، حيث كانت تستعمل الرهائن كضمان لتطبيق واحترام معاهدة معينة والإلتزام بتطبيقها وتعرف موسوعة “ويكيبيديا” الرهينة بأنها شخص محتجز يكون سالما معافا ويشترط لتحريرة الإستجابة لمطالب لدى طرف ما، فقد كانت الجيوش في الحربين العالميتين الأولى والثانية تلجأ إلى هذه الطريقة لضمان سلامة وحداتها من خلال استعمال الرهائن كذروع بشرية لتفادي ضربات الخصم عند التنقل أو الإنسحاب.
وتفرق الموسوعة في تعريفها بين الإختطاف عندما يطالب المختطف بمبلغ مالي (فدية) مقابل إطلاق سراح مختطفيه أو إحتجاز رهائن والذي يضيّق في خانة الإهاب حين المطالبة بفدية أو إطلاق سراح مساجين أو التموين بالسلاح .....إلخ.
الرهائن الورقة الرابحة للضغط والمساومة
وجدت الجماعات الإرهابية في احتجاز الرهائن الوسيلة الأمثل ليس للحصول على الأموال فقط وإنما بتحصيل، تنازلات قد يكون إنتزاعها بالطرق الأخرى ضربا من المحال لأن التعامل مع محتجزي الرهائن عملية حساسة ومعقدة تتعلّق بمصير أبرياء وحياتهم، يستحيل معها اللجوء إلى القوة مباشرة وتعريض الرهائن إلى الخطر.
من المفروض أن التدخل هدفه تخليصهم من أيدي الإرهابيين دون أن يلحقهم مكروه، وعند ضعف هذه الحلقة تتقوى بالمقابل شوكة الطرف الآخر مقابل سلامة المختطفين وقد لا تنتهي سلسلة المطالب والمساومات.
الفدية الحلقة المفرغة
تحولت الفدية إلى الخزينة الذهبية التي يعتمد عليها الإرهاب الدولى للإستثمار في ممارسة فضائحه وإقتناء الأسلحة والمؤونة وتجنيد المزيد من المجرمين، وقد تحولت الفدية بالفعل إلى حلقة مفرغة في مسلسل الإرهاب ففحين يكافح المجتمع الدولي الإرهاب يجد نفسه في متاهة تمويل هذه الظاهرة التى تهدد أمنه ومصيره، ففي كل مرة تختطف فيه الجماعات الإهابية رهائن وتحتجزهم تقوم بعض الدول والحكومات ـ بحجة سلامة مواطنيها وإنقاذهم ـ بدفع مبالغ مالية تصل أحيانا إلى ملايين الدولارات، ومن خلال هذه الأموال يقوم هذه الجماعات بشراء أسلحة ومعدات .... الخ.
وتحولت بعض الدول إلى ممول للعمليات الإهابية بطريقة غير مباشرة من أجل أنانية منسقة تعرض العالم كله إلى الخطر رترهن مصيرة .
ما العمل؟
ليس هناك دولة في العالم ترضى بتصفية رعاياها، لأن الأصل في العقد الإجتماعي بينهما يقضى أن مهمة الدولة هي الحفاظ على سلامة مواطنيها وممتلاكاتهم .
ولكن هل يشفع هذا لأي حكومة كانت، الرضوخ للجماعات الإرهابية وتقديم الفدية من أجل تخليص البعض مؤقتا لأن الإفراج عنهم لا يعني أنهم سوف لن يقعوا ضحية سيناريو مماثل، الأكيد لا أحد يضمن ذلك، وتصبح الفدية كمجرد مهدئات يزداد انتشارا وفتكا بمرور الوقت ...
ما يعني أن الخلاص من هذه الحلقة المفرغة يكمن في تجريم الفدية وتحريمها وأعتبار تقديمها ضرب من الممارسة الإرهابية، بل ليس هناك فرق بين الإرهابي والذي يعطيه الأموال تحت أي مبرر كان. خاصة وأن الجماعات الإرهابية استطاعت الحصول على 120 مليون دولار خلال السنوات الثمانية الأخيرة أي بمعدل 15 مليون دولار كل سنة جراء أموال الفدية.
الجزائر دروس أخرى إلى المجتمع الدولي
إن المعاناة التي لحقت بالجزائر جراء الإرهاب، خاصة في بداية المسلسل الدموي عندما كان المجتمع الدولي والدول الغربية على وجه الخصوص مصابة باللبس أحيانا وبالنفاق أحيانا أخرى، اتجاه ما كان يحصل في الجزائر، في مواجهتها لظاهرة عابرة للحدود بمفردها ودفعت ثمنا كبيرا من أجل المجتمع الدولي الذي تفطّن لخطر هذا السرطان الذي ينخر جسد العالم.
إن مطالبة الجزائر بتجريم دفع الفدية والعمل على ذلك حتى استصدار قرار مجلس 1904 / 2009 مردة تجربة كبيرة في مكافحة الإرهاب والإطلاع التام على أساليبه وطرقه وكيفية التعاطي مع هذه الجماعات الدموية المتطرفة وظاهرة الإرهاب الدولي، وجاءت حادثة (تيقنتورين) لتعطي الجزائر درسا آخر للعالم كله في كيفية التعاطي مع مثل هذه الحالات الحرجة والحسّاسة فالتعامل بحزم والتدخل السريع للجيش جنّب الجزائر والعالم مآسي أخرى رغم سقوط ضحايا أبرياء، لكن الرسالة كانت قوية وموجعة إلى الجماعات، الإرهابية مفادها بأن التفاوض والحصول على الفدية أصبح من زمن إنقضى وولّى. ورسالة إلى العالم المشكّك والمتردد في بداية عملية تيقنتورين، مفادها أن التعامل مع الإرهاب لا يمكن أن يكون إلا كذلك وأن الظاهرة تعني الجميع لأنها لا توقفها حدود ولا تفرق بين الألوان ولا الأجناس والجواب كان واضحا من الولايات المتحدة الأمريكية عبر الناطقة باسم خارجيتها (فيكتوريا نولاند) عندما طالبت المجتمع الدولي تجريم الفدية، فهل فهم العالم الدّرس؟!