مرت قبل ثلاثة أسابيع وبالضبط في السادس من سبتمبر، ثلاث وعشرون سنة على إعلان وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية وتأسيس بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في آخر مستعمرة إفريقية (مينورسو)، وهي البعثة التي شكلتها المنظمة الأممية لتتولى مهمة الإشراف على تنظيم استفتاء نزيه وحر في الصحراء الغربية كان من المفروض أن يجرى في ظرف أقل من سنة يقرر من خلاله الشعب الصحراوي مصيره .
ومنذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيد بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية تحت إشراف المنظمة الأممية والوحدة الإفريقية في السادس سبتمبر 1991 و«المينورسو” تباشر مهامها، لكن اصطدم عملها بعراقيل لا تعد ولا تحصى فرضها الاحتلال المغربي، الشيء الذي أدى إلى استقالة عدد من المبعوثين الأممين الخاصين بالقضية وإلى تأخر البعثة في تحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله .
وقد حصلت تطورات ميدانية خلال الثلاث والعشرين سنة الماضية-أي مرحلة اللاحرب واللاسلم - لم تواكبها للأسف الشديد بعثة “المينورسو “ولم تستجب لها، ومن بينها الانتفاضات السلمية التي كان الصحراويون يقومون بها من حين لآخر ليسلّط عليهم الاحتلال آلته القمعية الرهيبة .
وعجز البعثة الأممية عن حماية الصحراويين وتحقيق الهدف الذي أنشئت لأجله، يحتّم وجود آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان فكل بعثات المنظمة الأممية المشابهة تتوفّر على مثل هذه الآلية ماعدا الصحراء الغربية، وهذا يطرح علامة استفهام كبرى عن السبب الذي يحرم الصحراويين من هذه الآلية ويتركهم لقمة سائغة أمام آلة القمع المغربية .
تجاوب صحراوي وتعنّت مغربي
عقدان من الزمن مرّا منذ أن أعلن الاحتلال المغربي مخادعا ومراوغا قبول وقف إطلاق النار والانخراط في التسوية السياسية التي تشمل حق تقرير مصير الصحراويين، ورغم مرور كل تلك السنوات التي تخللتها مجهودات أممية ساهمت في تنظيم لقاءات ومفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، إلا أن الاحتلال ظل الطرف “المراوغ والرافض والمعرقل” لتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية .
وقد انكشف للعالم بأن النظام المغربي هو المعرقل الحقيقي للسلام، وأصبح محل إدانة دولية الشيء الذي فتح الباب على مصراعيه أمام حملات فضحت ممارساته القمعية اللاإنسانية في الإقليم المحتل، وكشفت حجم نهبه- والمتواطئين معه ـ لثروات الشعب الصحراوي، وشهدنا في السنتين الماضيتين كيف اشتد الخناق على الاحتلال عندما ألحّ المجتمع الدولي على إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية وامتد الأمر إلى درجة أن طرحت الولايات المتحدة نفسها مشروع قرار في هذا الاتجاه، لكنه تبخّر فجأة، طبعا فهناك من الدول الفاعلة من تحمي ظهر الاحتلال المغربي وتسد بازدواجية معاييرها أبواب الشرعية والعدالة ما يحول دون منح الشعب الصحراوي حقّه في إقامة دولته المستقلة.
«المينورسو “ دور غير كامل
يرى المراقبون والمدافعون عن حقوق الإنسان، أن مرور 23 عاما على وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية دون بزوع أي أمل في تنظيم استفتاء تقرير المصير يرسّخ الاحتلال بالتقادم، والأمر هذا –كما يضيفون - يضع المنظمة الأممية أمام انتقادات وتساؤلات تطرح بإلحاح عن دورها والجدوى من وجود بعثتها في الصحراء الغربية في ظل عجزها عن تحقيق هدفها.
ويقول هؤلاء المراقبون أن الاحتلال حاول أن يجعل من “المينورسو” شاهد صمت على انتهاكات حقوق الإنسان ونهب الثروات الطبيعية الصحراوية، ففي الوقت الذي كان فيه المواطن الصحراوي يتعرض للقمع في مخيم “أقديم إزيك” يوم 8 نوفمبر 2010 كان العالم صامتا وبعثة “المينورسو”غير قادرة على دخول المخيم مع بقية المراقبين الذين منعوا من دخول الإقليم رغم أن هذا الأخير يقع تحت المسؤولية المباشرة لمنظمة الأمم المتحدة بحسب مقتضيات مخطط التسوية الذي وافقت عليه المملكة المغربية وجبهة البوليساريو سنة 1991.
23 عاما من الجمود
منذ 1991 سنة وقف إطلاق النار جرت مفاوضات “عسيرة” حول الهيئة الناخبة وآليات تنفيذ الاستفتاء ووقع الجانبان اتفاقيات أبرزها اتفاقيات “هيوستن” التي أبرمتها المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة وبواسطة كاتب الدولة الأمريكي الأسبق جيمس بيكر( هيوستن 1997 ) المتضمنة ترتيبات وآليات تنفيذ خطة التسوية ( تجميد نشاط القوات العسكرية، أسرى الحرب، عودة اللاجئين، الاتفاق على سلطة الأمم المتحدة خلال الفترة الانتقالية وتحديد الهوية وتنظيم الاستفتاء)
لكن الاحتلال المغربي رفض مقاربة بيكر الشهيرة القائمة على مرحلة انتقالية ( حكم ذاتي لمدة 5 سنوات قبل تنظيم استفتاء لتحديد الوضع النهائي للإقليم ) المقدمة سنة 2003 والتي وجدت القبول من البوليساريو ومباركة في مجلس الأمن الدولي، ورفض مطلق من المغرب الذي طرح خطة الحكم الذاتي ويصر على فرضها كحلّ واحد للمسألة الصحراوية.
إيجابية البوليساريو
ومع إنطلاق المفاوضات في جولتها الجديدة جوان 2007 بمنهاست، أبدت الأمم المتحدة إرادة في تقريب وجهات نظر الطرفين، لكن المغرب ظل متمسكا برفض خيار الاستقلال ضمن أية مقاربة للحل، بينما أعلنت جبهة البوليساريو قبول الاستفتاء عبر طرح خيارات متعددة ( الاستقلال، الحكم الذاتي أو الاندماج في المغرب ) مقدمة ضمانات وتنازلات بما فيها الاستعداد لتقاسم تكاليف النزاع والاستغلال المشترك للثروات وحق المستوطنين في التملك واكتساب الجنسية الصحراوية.
وعود لا تتجسّد
كان الأمين العام للأمم المتحدة صريحا في تقريره إلى مجلس الأمن في أفريل2013 عندما أوضح أنه لا يمكن معرفة رغبات السكان الصحراويين إلا عبر استفتاء لتقرير المصير، لكن القول هذا يبقى مجرد كلام
ولم ينفّذ على أرض الواقع، ما يجعل الصحراويّين والمؤيّدين لقضيتهم يحسّون بغبن وبسخط أيضا على فشل الأمم المتحدة التي تكتفي ببعض المسكنات التي لا تداوي آلام الشعب الصحراوي الذي يطالب باقتلاع شوكة الاحتلال المغروسة في جسده منذ 1975.
عراقيل لإجهاض جولة “روس”
لاتزال المملكة المغربية تتحدى الأمم المتحدة والشرعية الدولية من خلال رفضها زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء الغربية، “كريستوفر روس”.
وﻓﻲ يائسة من طرف الدولة المغربية لتشويش على عمل” روس” وزيارته المرتقبة خلال هذا الشهر إلى المنطقة كشف وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار قبل أسابيع رفض المغرب استقبال المبعوث الأممي في غياب توضيحات والتزامات كتابية حول ما طلبه المغرب.