جرت أمس الانتخابات الرئاسية في سوريا، و هي أول انتخابات تجري خارج معادلة المرشح الوحيد المعمول بها سابقا في بلاد الشام. اليوم تتمسك دمشق بإجراء هذا الاستحقاق و تؤكد أن ذلك يقع في صلب السيادة الوطنية و لا تسمح لأي كان حشر انفه في شؤونها الداخلية على الطرف المقابل اصطفت الدول الغربية على قلب رجل واحد منددة بإجراء هذه الانتخابات معتبرة ذلك مهزلة ومبررها أن سوريا تعيش ظروفا أمنية لا يمكن في ظلها إجراء استحقاق بهذا الحجم لاختيار رئيس للجمهورية في الوقت الذي لا يمكن للملايين من السوريين المشاركة فيها، أي بالمختصر المفيد أن هذه الانتخابات و من وجهة نظر الدول الغربية، التي نصبّت نفسها وصية على الديمقراطية في العالم- غير شرعية مهما كانت نتائجها و مهما كان الرئيس الذي تفرزه.
بينما و في تناقض صارخ في هذه الديمقراطية على المقاس أن هذه الدول نفسها باركت الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا رغم أن قسم من البلاد يعيش أزمة أمنية حادة وحركات انفصالية أي بالمحصلة جزء من الشعب الأوكراني لم يشارك في انتخابات الرئاسة التي جرت أسبوعين فقط قبل تلك التي جرت في سوريا أمس.
ولا ندري هنا ما هي المعايير التي اعتمدتها الدول الغربية لكي تضفي الشرعية على انتخابات أوكرانيا و تنزعها عن الانتخابات السورية بل و تهرول إلى تهنئة الفائز فيها رجل الأعمال الأوكراني بيترو بورشينكو، ونفس هذه الدول كانت قبل ذلك قد باركت الانقلاب الذي قامت به «حركة برافي سيكتور» اليمينية شهر مارس الماضي للإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش المنتخب شرعيا رغم أن الأعراف و القوانين الوطنية و الدولية تشجب الاستيلاء على السلطة بالعنف و اغلبها من ابداع الغرب الديمقراطي.
النفاق الغربي أصبح مفضوحا و لم يعد يخفى على أحد، فالمنظومة الغربية همها الوحيد رعاية مصالحها في العالم و خطاب الديمقراطية حقوق الإنسان ما هي إلا ذر للرماد على العيون لممارسة الابتزاز و السيطرة على خيرات الشعوب المستضعفة التي هي أحوج ما يكون إلى رغيف خبز يسد جوعها و هنا يحضرني مقولة للرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله الذي قال بقمة المؤتمر الإسلامي في لاهور عام ١٩٧٤ .
«الناس لا يذهبون إلى الجنة ببطون خاوية” و عليه فالديمقراطية هي كل متكامل وليس تلك التي يسوقها الغرب و يعطيها “بجرعات مفرطة” آثارها غير المرغوب فيها بلغة الدواء هي الفوضى و شبح الانقسام و التفكك ...الخ والمشهد الليبي يبيّن بوضوح خطر تلك الهدايا المسمومة التي يقدمها الغرب في طرود مغرية.