كلّنا يتذكّر حملة الاستنكار التي سبّبتها البرامج التلفزيونية الرمضانية السنة الفارطة، كان من أسبابها العنف الذي روجت له بعضها..مع ذلك، لم يتحسّن الوضع بالضرورة هذه السنة، بل شهد الأسبوع الأول من رمضان استنكارا مرشحا للتصاعد..وفي غياب أرقام دقيقة عن نسب المشاهدة، يبقى الفضاء العام مسرحا لمحاولات تقييم وتقويم، ونقاش ارتأينا أن نساهم فيه باقتباس صورة الوصايا العشر، واقتراحها على مشهد فني / إعلامي مثير للجدل.
لا تحطّم:
ونعني هنا تحطيم النجومية..إن المرور المتكرر لنجوم المسلسلات إبان أيام رمضان وقبل نهاية هذه المسلسلات، بل حتى قبل مرور أسبوع على حلقاتها، إنما يقلل من نجومية هؤلاء ويقضي على عناصر التشويق، عكس ما يظنه البعض.
من جهة أخرى، فإن عدم عناية الفنان بصورته أمام جمهوره (ولا نتحدث هنا عن العناية بالمظهر الخارجي، بل بتصرفاته ومواقفه وتصريحاته) دليل ضعف شديد لدى الفنان، الذي بتصرفه هذا يكون لم يدرك بعد بأنه شخصية عمومية، وأن له سمعة يجب أن يحافظ عليها. هذا ما لا نجده لدى فنانين أغلبهم شباب، لم يتحكموا للأسف في صورتهم في الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، بل وهناك منهم من سمح لنفسه باستعمال ألفاظ نابية تجاه الجمهور والإعلام.. قد تكون هذه أيضا طريقة للسعي إلى الشهرة، ولكن بأي ثمن؟
لا تؤله:
بالمقابل، نشير إلى أن الأسماء الكبيرة لها قيمتها، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها ستقدم أعمالا ناجحة دائما..والعمل الناجح هو نتاج تضافر جميع حلقات سلسلة الإنتاج، وإن كنت أميل إلى اعتبار النص أساس كل عمل، لأنه هو الذي يخلق الفكرة ويبني عليها..ثم يأتي تحويل هذا النص دراميا، وتسيير الفنانين، وهي وظيفة المخرج.
كما يجب إعادة النظر في استراتيجيات الإنتاج: نقص التكوين والأسعار المبالغ فيها في الجزائر وغياب البيئة التمكينية عوامل دفعت المنتجين إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية، ولكنه حل له من العيوب بقدر ما له من المزايا.
ونخلص إلى أن الأعمال الكبيرة تصنع الأسماء الكبيرة، ولكن الأسماء الكبيرة لا تصنع بالضرورة الأعمال الكبيرة.
لا تسرق:
عديد الأعمال لجأت إلى سرقة واضحة جلية للملكية الفكرية..ونفرّق هنا بين الاقتباس، والتناص، والسرقة..ولعل هذا ناتج عن شحّ في الأفكار وجفاف في الخيال، أو عن البحث عن السهولة والمال السريع. من جهة أخرى، نجد ظاهرة سرقة الملكية الفكرية طالت مقالات صحفية، يُفترض فيها تقديم النقد الموضوعي..وحينما يكون المقال الذي يُفترض أن يكشف سرقة فكرية، هو نفسه مسروقا..دون تعليق.
لا تبرّر:
أعترف أنني من المؤمنين بمقاربة «موت المؤلف»، إذ نجد العديد من كتاب النص والمخرجين يعملون على تبرير خياراتهم الفنية، بطريقة تضر أحيانا بأعمالهم، وتقضي على كل فرصة لقراءات متعددة..حينما يقدم المخرج عمله التلفزيوني، يفترض أن دوره انتهى، وأن دور المتلقي هو الذي حان، مع تفاوت مستويات التلقي. كل محاولة للتأثير في فهم المتلقي للعمل هو دليل ضعف في العمل ذاته، لأنه من المفترض أن يكون حاملا لرسالة واضحة ولمفاتيح فهم هذه الرسالة، أما الشرح الذي يأتي بعد تقديم العمل فهو محاولة لتسجيل هدف لا في الوقت الضائع، بل بعد نهاية المباراة.
إن العمل الحقيقي يكون في بناء الذائقة الفنية والنقدية لدى المتلقي، لا في توجيهه وإجباره على اعتناق هذا الرأي أو ذاك.
لا تشجّع الرداءة:
هنالك طريقتان لتنال الشهرة في مجال السمعي البصري: إما أن يكون عملك جيدا وناجحا إلى أبعد الحدود، أو على عكس ذلك أن يكون فاشلا إلى أبعد الحدود.إن تركيز الإعلام على انتقاد الأعمال الرديئة يجعل من هذه الأخيرة أشهر من أعمال كثيرة أحسن منها. لذلك يجب إعادة النظر في التعامل الإعلامي مع الإبداعات الثقافية.
لا تتخلّ عن مبادئك:
لعل مربط الفرس في كلّ ما يحصل، والكلمة المفتاح التي تتكرر دائما، هي وسائل الإعلام. وحينما تتخلى هذه الأخيرة عن المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات المهنة، وتبحث عن رفع نسبة المشاهدة مهما كانت الوسائل، فإن النتيجة هي إعلام مشوّه (بفتح الواو) ومشوّه (بكسر الواو) لصورة المجتمع داخليا وخارجيا، وللتمثلات الاجتماعية الناتجة عن ذلك.
لا تتخلّ عن مسؤوليتك:
ولكي نبقى مع وسائل الإعلام، نشير هنا إلى أن تعليق كلّ التجاوزات والاختلالات على شماعة سلطة الضبط أمر فيه كثير من الاستسهال والتبسيط..والتجارب الإعلامية في دول أخرى علمتنا كيف يمكن أن يكون لكل قناة سلطة ضبط داخلية خاصة بها، تراقب مطابقة ما تبثه القناة للقانون ولأخلاقيات المهنة، قبل أن يصل الأمر للجمهور، وفي ذلك حماية للجمهور والقناة والمهنة الصحفية. ولنسمح لأنفسنا بالإشادة بتمسك الإعلام العمومي بهذا الجانب الأخلاقي وتقديم الخدمة العمومية، وهو ما شهدت به أقلام عديدة من القطاع الخاص.
لا تتسرّع:
ما نعرفه هو أن كلّ قناة، قبل شرائها لمسلسل أو وثائقي أو حصة أو أي برنامج آخر، فإنها تكلف فريقا لديها بالاطلاع على العمل ومشاهدته (إذا كان إنتاجا مكتملا منتهيا)، أو الاطلاع على العدد الصفر منه (عدد نموذجي أو «بايلوت» إذا كان مشروع إنتاج)، وعلى هذا الأساس تقرر اقتناءه أو لا، وبأي سعر وبأية شروط..كما أن تركيز معظم الإنتاجات التلفزيونية في شهر واحد هو رمضان المعظم، يُسقط القطاع في نوع من التسرّع ومسابقة الوقت. لذلك، ألا يمكن القول إن المسؤول الأول عن وصول أعمال رديئة للجمهور هي القنوات نفسها؟
لا تقتل:
إن في كلّ ما سبق إفساد للذوق العام للجمهور، وقتل لكل إحساس بالجمال، وهي جريمة تظهر آثارها أكثر فأكثر على المدى البعيد، وتسير في الاتجاه المعاكس تماما لمساعي التربية الفنية.
وفيه أيضا استغباء لجزء من هذا الجمهور، الذي يتابع كبريات الأعمال السمعية البصرية في العالم، إن بفضل الشابكة أو الوسائط الإلكترونية المتعددة كالأقراص المضغوطة، ما يدفع هذا الجمهور إلى البحث عن ذاته في الآخر، بفقدانه الثقة في إنتاجه الوطني.
وفي الحالتين، فإن الضرر الذي يعود على المجتمع، وبالأخص الفئات الشابة، هو ضرر معنوي يصعب التعافي منه.
لا تعمّم:
لعلّ الوصية الأخيرة هي الابتعاد عن التعميم، إذ ليست كلّ الأعمال المقدّمة رديئة، وهناك منها ما سمح باكتشاف مواهب جديدة يجب صقلها. وما دمنا الفنانون والتقنيون الشباب يحتاجون إلى مرافقة، إلى تصويب، إلى تكوين..بمعنى آخر، هم يحتاجون إلى استراتيجية ثقافية وإعلامية واضحة المعالم.