الدكتور اليامين بن تومي :

الرواية الجزائرية حافلة باستلهام التراث الوطني

أجرى الحوار بسطيف : نورالدين بوطغان

يعتبر الدكتور اليامين بن تومي، أستاذ بجامعة سطيف، أن توظيف التراث يعتبر من أقوى المظاهر التي تميز الثقافات المختلفة، وإن الكتابة عنه هي ظاهرة صحية لأنها تعكس ترابط البشر بقيمهم ورؤاهم الخاصة بالعالم، وفي ذات السياق أبرز حضور التراث الوطني في الكثير من الإصدارات الأدبية الجديدة ببلادنا، وهو ما نستعرضه في هذا الحوار الذي أجريناه معه.
الشعب: كيف تنظرون إلى أهمية حضور التراث في الأدب بشكل عام؟
 الدكتور بن تومي: إن مسألة استلهام التراث من أقوى المظاهر التي تعتري الثقافات، سواء كان التراث ماديا أو شعبيا ولعلّ هذا ما حملته لنا الإصدارات الجديدة التي تحفل بموضوعات مهمة عن هذا التراث، الذي يعبّر بحق عن الأثر القوي الذي يخلفه التراث في الإنسان، والكتابة عنه ظاهرة صحية وعملية تعكس مدى ارتباط الإنسان بقيمه ورؤيته الخاصة بالعالم من خلال ما يحمله التراث من قيم جوهرية تتعلّق بالإنسان على مستوى الحكاية الشعبية أو المثل أو اللباس أو غيرها من مظاهر التراث ولعلّ هذا ما سوف نكشف عنه اللِّثام من خلال حديثنا عن جملة من الإصدارات المهمة في هذا الموضوع،وأن عبقرية أي أدب إنما تأتي من جانب التراث الشعبي الذي يضفي على الأعمال سحرا خاصا، كما فعل الطيب صالح في روايته الشهيرة.
وبالتالي فالتراث هو الملجأ الأكثر صلابة في زمن تعرَّي الإنسان من قيمه وصار سلعة رخيصة للبيع، فالتراث الشعبي هو أهم ملاذ وملجأ للاحتماء في زمن تصاعدت فيه الخلافات وتعدّدت فيه النماذج والبراديغمات.
 من خلال متابعاتكم للإصدارات الجديدة في الساحة الأدبية الجزائرية،ماذا يمكن أن تقدموه للقارئ عن حضور التراث فيها، خاصة ما تعلّق بإنتاج الأدباء الذكور؟
 أصدر الكاتب «كمال قرور» رواية مهمة موسومة بعنوان «حضرة الجينرال» وفيها استلهام قوي لحكاية التغريبة الهلالية التي تحوّلت على يديه إلى تخريبة نتيجة السيطرة على الصراع المحتدم بين ذياب لهلالي وخصومه المعروفين، هذا الارتباط بين الواقع و السيرة الهلالية في الرواية يُعبِّر عن القلق الأنطولوجي الذي بات تحمله رمزية الهلاليين، والعودة إلى المكبوت التاريخي والحكاية الشعبية من أجل الفهم بشكل دقيق، ما يحصله هنا / الآن من صراعات بين النخب السياسية والحاكمة وفهم طبيعة الصراع الحضاري الذي تجسّده الرواية.
بينما فتح «الصديق الحاج أحمد الزيواني»روايته الموسومة بـ:»كاماراد؛رفيق الحيف و الضياع»، فتحها واسعا على العنصر الإفريقي الذي ظلّ مغيَّبًا على المسألة الجزائرية، ليعود هذا العنصر من خلال حديث الزيواني على الثقافة الصحراوية، وتلك الرِّحلة العميقة التي قام بها في العمق الإفريقي، قام بجمع كل العناصر المختلفة للشكل الإفريقي الموجود بالجزائر، كما قام برحلة عكسية مخالفة تماما لماقام به كل المثقفين العرب، بدل الرحلة إلى الشمال قام الزيواني برحلة إلى الجنوب وهي رحلة استكشافية للعناصر الثقافية التي بقيت مغيَّبةً في البيت الثقافي الوطني. تلك الرواية التي تناولت بعمق المسألة الوطنية في امتداداتها الصحراوية و الإفريقية.
بينما قام الأستاذ والروائي «محمد مفلاح»في روايته «شبح الكليدوني» بالبحث في عمق تراث المهجرين والمبعدين عن أوطانهم، وقام بقراءة عميقة في حياة الجزائريين المنفيين إلى كاليدونيا، تلك الحكاية المأساوية التي تعرّضت لها مناطق معينة من البلاد، حيث قام المستعمر الفرنسي بتهجير جماعات وكتل بشرية إلى أماكن بعيدة، وقامت الرواية بقراءة عميقة في نفسية الكليدوني أو المُهجَّر ، وهي محاولة عميقة لاستعادة التاريخي، وإضاءة جوانب دقيقة من هذا التاريخ الوطني العميق والمدهش والذي اتصف في كثير من الأحيان بغرائبية شديدة.
في حين قام الروائي عز الدين جلاوجي في روايته «العشق المقدنس» بفتح السؤال عميقا على مرحلة الصراعات بين الدويلات القديمة السنية والفاطمية والموحدية في الجزائر، ومحاولة فهم الخلافات العميقة الآن بين مختلف التيارات الإسلامية، وفهم عودة الصراع الطائفي الآن يفتح الأسئلة العميقة على الحرج النرجسي لتلك الخلافات التي وضعت الأمة في أزمة حقيقة أدت فعلا إلى العودة إلى زمن ملوك الطوائف وصراع الملل و النحل المختلفة. هذا التشريح العميق مَكَّن الرواية من تلج مناطق عميقة في التراث الأخلاقي، لا يمكن أبدا للمحلل السياسي إن يلجها بفعل القدرة التخييلية للرواية.
 وماذا عن الأدب النسوي في ذات السياق؟
 بينما الروائية «ربيعة جلطي» فقد أصدرت رواية غاية من الأناقة والجمال، رواية موسومة بـ»حنين بالنعناع» لتلج مسألة أعمق، وهو ارتباط الجزائر بغيرها من التراثات أهمها التراث الشامي من خلال شخصية الضاوية التي تتنقل بين وهران ودمشق وباريس، وكيف أمكن للضاوية أن تستثمر حكايا جدتها ونبوءتها لتتفادى المزالق، بل كان لصوت الجدة قدرة عميقة على التنبؤ بالمآلات الكارثية التي آلت إليها الجزائر ودمشق وباريس من خلال اتساع دائرة الظلامية، هذا الاستشراف المستقبلي كانت له أسباب مرتبطة بالتراث المروي، من عمق حكاية الجدة التي كانت تقول وتحكي عن حدوث ما هو محتمل، فالثقافة الوطنية مليئة بالقَوَّالة والعارفين الذين في مقدورهم التنبؤ بالمستقبل،هذه الممكنات هي التي منحت الرواية لذتها وعمقها.
كذلك أصدرت الروائية الشابة هاجر قوادري التي فارت برواية الطيب صالح عن روايتها: «نورس باشا» أصدرت رواية جديدة موسومة بـ»الرَّايس» عن دار منشورات الاختلاف ودار ضفاف، وتتناول الرواية الفترة العثمانية في تاريخنا الوطني، وما خلفته هذه المرحلة في الحياة الجزائرية ومحاولة تقصي القلق التاريخي الذي تتميز به الشخصية الجزائرية، وفتح الأسئلة الوطنية المعاصرة على صراعات الأمس،لأن كل الإشكاليات التي تطفو على سطح البلد اليوم تعود إلى خلافات موجودة في التراث.
 كلمة أخيرة لو سمحتم؟
 إن الرواية الجزائرية فيما تابعته خلال السنوات الأخيرة حافلة باستلهام التراث والأخذ منه، وهذا يعبر عن حالة الغرابة والهجنة التي بات يشعر بها الجزائري، لذلك يقوم بتعديل وضعيته التاريخية من خلال الحكاية عن التراث الشعبي الذي يعطي ويبرز عناصر الهوية الوطنية.
واغتنم الفرصة لأتوجه بالشكر لجريدة «الشعب» العريقة على اهتمامها بالحياة الثقافية الوطنية عامة والأدبية خاصة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024