يصف الأستاذ يوسف أولاد حسيني القراءة بأنها إحدى الركائز الأساسية لبناء مجتمع المعلومات باعتبارها احد المؤشرات الأساسية لتقدم وتخلف المجتمعات، الأمر الذي قد يجعل أي أحد يرى بأن الحديث عن هذا بسيط في شكله، لكن قياسه وإسقاطه على الظروف العالمية الحالية يوضح مدى حتمية وضرورة الاتجاه إلى القراءة بصفة جديدة تفرضها التطورات المتلاحقة لتكنولوجيا الحياة.
يرى رئيس قسم معالجة الرصيد الوثائقي وتثمينه بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية تمنراست، يوسف أولاد حسيني، في تصريح لـ «الشعب»، أنه لا نستطيع في فترة مستقبلية الحديث عن مصطلح القراءة بمفهومه التقليدي في ظل التطور المتسارع لتكنولوجيا القراءة لتشكل وقتها وسائط القراءة وخيارات القراءة المتعددة المحاور الكبرى ذات الاهتمام المشترك.
يضيف باحث الدكتوراة في علوم المكتبات والتوثيق، أنه رغم أن الحديث عن إشكاليات القراءة ومستويات المقروئية أمرا مستهلكا، إلا أن الزخم المعلوماتي والمعرفي يفرض بشكل مستعجل حلولا واقعية خارجة عن الأطر النظرية ذات الأبعاد المشتتة للجهود، على غرار تقرير «بريندان براون» الذي كشف بأن أرقام القراءة في العالم العربي بما فيها الجزائر متدنية مقارنة بالدول الأوربية، إلا أنه حسبه لا يمكن أن ننفي وجود بوادر للأفراد من حيث قدراتهم للوصول إلى عدد كبير من المكتبات والمجلات وغيرها.
في نفس السياق، إعتبر يوسف اولاد حسيني بأن الجهود في الجزائر قائمة في هذا الإطار، وذات أثر حسن ويتضح هذا من خلال شبكة مكتبات المطالعة العمومية ذات العدد المتنامي على المستويات المحلية والوطنية التي أوكلت لها جهود ترقية ثقافة الكتاب والمطالعة العمومية من خلال خطة عمل مديرية الكتاب والمطالعة العمومية بوزارة الثقافة. والتي ترتكز حسبه على جعل الكتاب والمكتبات احد الأولويات الثقافية للأفراد بمختلف مستوياتهم العلمية والثقافية، وهذا بالعمل على توعية الأفراد بأهمية الكتاب نحو تمكينهم منه من خلال المكتبات وصولا نحو خلق عادات قرائية لديهم ضمن محيط المكتبات وخارجها.
المكتبات المتنفّس الأكبر لمحبّي المطالعة
هذه الخطة يضيف المتحدث، تعرف عبر محيط ولاية تمنراست تحسنا ملحوظا في الفئات المتمدرسة من خلال فئات الرواد داخل المكتبات العامة على المستوي المحلي، وهذا نتيجة التقارب الحاصل بين المكتبات والمؤسسات التربوية، إلا انها لا ترقى إلى المستويات التي تجعلها ذات اثر واضح على الثقافة القرائية للأفراد، في حين غياب نسبي في فئات الشباب وقد يكون هذا راجع للشرخ الثقافي الحاصل بين العناصرالثلاث المشكلة للفعل القرائي الكتاب، القارئ، المحيط الاجتماعي (علاقة المكتبة بالمجتمع) التي تعاني الإرادة والحواجز النفسية الكبيرة، التي صارت تقليدا وتحتاج إلى دراسات معمقة من قِبل اختصاصيين لمعرفة مكمن الخلل وإيجاد طريقة لعلاجه.
في نفس الصدد، يرى يوسف أولاد حسيني، بأن التعاطي الكثير الذي يعرفه واقع المقروئية في الجزائر، والذي عادة ما يتناسب طرحه مع المعرض الدولي للكتاب (سيلا) أو المعارض المحلية عبر مختلف الولايات الذي نرى فيها إقبال عادة ما يكون بحجم كبير، لا يعبر عن عادات قرائية للمجتمع الجزائري بقدر ما هي عادات اقتناء تجارية، لذا فإن المقروئية وقياساتها معيارية غير مرتبطة بحجم الإقبال على الكتب في فترة زمنية محددة، ولا حجم الاقتناء ضمن تظاهرة دولية، وطنية أو محلية بقدر ما هي عادات قرائية متواصلة تعبر عنها الحركة الثقافية التي تنتجها داخل المجتمعات.
هذا وعبّر المتحدث عن تفاؤله بالنهوض بالمقروئية في ظل إنتشار مبادرات شبانية عبر صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، منها ما يتجسد عبر الواقع الميداني في شكل حملات تحسيسية للقراءة، ومنها ما يحمل شكل مشاريع لدعم المقروئية في هيئة تنظيم مجتمعي داخل الفضاء الشبكي نذكر منها مشروع «بصمة كتاب» بولاية تمنراست، الذي يعبر عن الحركة الثقافية ما هي إلا بوادر نهوض في القراءة والمقروئية في الوسط الاجتماعي الجزائري.