عوامل كثيرة حالت دون الحفاظ على موروثنا الثقافي
هل حصرنا بصفة علمية تراثنا الثقافي بشقيه المادي واللامادي؟ لماذا لا تقدم كل سنة بهذه المناسبة دراسات من مختصين جامعيين حول التراث.. الخ؟ ونحن بصدد إعداد هذا الملف أعدنا طرح بعض الأسئلة على «محمد غرناوط»، فنان تشكيلي ومهتم بتاريخ المسرح وبالفنون والتراث.
في رده على ما إذا أتت اليوم المجهودات المبذولة للحفاظ على تراثنا اللامادي من الزوال بثمارها قال الفنان محمد غرناوط: «بداية أريد أن أشير إلى أن الموروث الثقافي يعتبر كنزا ثمينا للوطن، فهو بمثابة العمود الفقري والركيزة المهمة لفرض الوجود، فهو هوية وطنية وثقافة مجتمع، فللتراث دور في تنمية الفرد والمجتمع فهو يعطيه هويته وأصالته وخصوصياته ويحميه من الترغيب والذوبان في الآخرين، كما يعطيه عمقا تاريخيا ضد التقليد والاستيراد فيجعله بذلك أكثر ازدهارا وتطورا، وإجابة عن سؤالكم أقول: «هناك بالفعل مجهودا وظف للحفاظ خاصة على تراثنا اللامادي من الزوال، لكن هناك عوامل حالت دون ذلك، من بينها التطور التكنولوجي وهيمنة العولمة الحديثة من جهة ونقص في التحسيس والتوعية ونشر ثقافة الموروث الثقافي في المجتمع من جهة أخرى.
التراث اللامادي أصالة مجتمع وهوية أمة
وفي السياق نفسه، يرى غرناوط أن مفهوم التراث اللامادي، هو أشكال التعبير والممارسات والتصورات في المعارف والمهارات التي تكون لها علاقة بآلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية التي تعتبر المجموعات والجماعات والأفراد جزء من تراثه لثقافي، والعادات والتقاليد وطقوس الأعياد والأفراح والمهارات في تحضير المأكولات التقليدية التي تميز المطبخ الجزائري. كذلك التقاليد والتعابير الشفاهية بما فيها اللغة باعتبارها واسطة التعبير عن تراثنا الثقافي غير المادي والأغاني والأهازيج والشعر والأمثال شعبية. إضافة إلى جمال الطبيعة الخلاب الذي يميز الجزائر عن غيرها من البلدان الأخرى وهذا بوجود في بعض الأحيان للفصول الأربعة في اليوم الواحد. ومن هذا المنطلق، يضيف قائلا: «بإمكان المواطن أوالسائح مثلا، أن يذهب صباحا للبحر للسباحة، ثم يمارس هواية التزلج في أعالي الجبال مرورا بالسهول والهضاب العليا وفي المساء بتناول الشاي بين كثبان الرمال الصحراوية».
ويرى غرتاوط أيضا: « أن أغلب الأمم والشعوب تسعى للحفاظ على هذا الموروث وتحرص دوما على إحيائه وبعثه من جديد، ومن هذا المنطلق أقول «أنه لابد من إرادة سياسية توجّه بمنهجية محكمة لاستدراك واسترجاع ما ضاع منا في هذا المجال بالتنسيق مع من لديهم الخبرة والتجربة، خاصة فئة المشايخ، فالجدية بهذا العمل النبيل ستتوج يوما ما بالنتائج الإيجابية».
ضرورة توظيف هذه الذخيرة في فعاليات محلية ودولية
وعن كيفية توظيف هذه الكنوز في الوقت الراهن، في ترقية مجال السياحة في بلادنا؟ أجاب محدثنا»: «حقيقة إن التراث اللامادي يعتبر من أهم المقومات للجذب السياحي، ويمكننا توظيف كنوز هذا الأخير في مجال الترويج له من خلال إدراجه في الفعاليات والمهرجانات المحلية والدولية، وأيضا إعادة إنشاء سوق للمهن اليدوية لتسويق أعمال الحرفيين المميزة فهذه الظاهرة كانت موجودة بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في المدن الجزائرية العتيقة، كالجزائر العاصمة وقسنطينة وتلمسان وبوسعادة مثلا، إضافة توثيق وتسجيل الموروث على الصعيد المحلي والدولي بالتنسيق بين وزارتي السياحة والثقافة، كما أشير في هذا المجال إلى فنون وتقاليد أداء العروض مثل الفنون الفلكلورية والرقصات الشعبية، التي توجز للمتلقي صورة عن أصالة الشعب الجزائري، وهذا من خلال الدور الذي لعبته فرقة «الباليه» الوطني الجزائري، الذي كان بمثابة السفير الجزائري في كل بقاع العالم لما يقدّمه من لوحات جميلة لتقاليد الشعب الجزائري، برقصات تروي ألوان ربوع وطننا الكبير، كما نوجّه في الختام ومن خلال هذا المنبر أنه يجب على مسؤولي القطاع اتخاذ مبادرة جرد هذا الموروث، من أجل صونه وحفظه من الضياع وتدوينه للأجيال ليكون ذاكرة حيّة نحو الحاضر والمستقبل.