مساهمة

النّقد المسرحي الحلقة المفقودة

بقلم الأستاذة خيرة بوعتو جامعة مستغانم

 هناك من لا يعد النقد والنقاد ذا أهمية، بل يعتقد أن النقاد هم فنانين أو أدباء فشلوا عن الإبداع، وهذا الحكم فيه الكثير من الجهل، وقد يكون نابع من أراء شخصية، وقد يصلح على البعض، لكنه طبعا ليس مقياس.
والنقد يخدم العمل الفني والمبدع وكذا القارئ أو المتلقي، فوجوده يعني استمرار الفن، وما عرفه تاريخ الفن من تحولات واتجاهات مختلفة، ما هو إلا صورة لما لعبه النقد في هذا التحول. كيف يرتقي مستوى الأعمال الفنية بالكشف عن معايب العمل وإبراز محاسنه سواء كانت أفكار أو أساليب، فجميع هذه العناصر يتناولها النقد، ويسلط الضوء عليها. فالنقد ضروري متمم لوظيفة الفن، فبفضل النقد يتقدم الفن بتوجهاته ونظرياته.
 يفسّر النقد العمل الفني ويوضح مستوى العمل وكل ما يحيط به، ومدى نجاحه الفني والجمالي والأفكار التي يطرحها، لأن مهمة المبدع تنتهي بإنتهائه من عملية الإبداع. كما يقضي النقد على غرور بعض الفنانين، لعدم تقديرهم لأراء الآخرين حول العمل.
  ومن مهام النقد أيضا، أنه يساعد المتلقي على فهم العمل، بالكشف عن أسرار الإبداع فيه، فكما هو معروف أنه توجد طبقات مختلفة للمتلقي، فمنهم من لا صلة له بالفن، ومنهم الطبقة المتوسطة وغير ذلك. كما يختار للمتلقي بعض من الأعمال الفنية وينبهه للإصدارات الجديدة والجديرة بالقراءة أو المشاهدة، فالكثير من المتلقيين لا يقدرون على الإختيار.

صورة قاتمة في ظل تغييب النّقد المسرحي
 
   كل هذا نظريا مهم، لكن للأسف حين نلتفت لواقعنا الفني والمسرحي على وجه الخصوص، نجد صورة قاتمة، فلا وجود للنقد المسرحي، سواء من خلال الإعلام المكتوب، أو السمعي، ولا حتى السمعي البصري، محاولات أو بعض المشاركات، لكن تبقى غير مستمرة أو مناساباتية. فما يخص الصحافة المكتوبة لا نجد متخصصين يكتبون للنقد، ولا تهتم الجرائد بتكوين الصحفيين في القسم الثقافي.
وحتى الأكاديميّين لا يمارسون العملية النقدية، بل عادة ما يكتفون ببعض المقالات العلمية التي يكثر فيها الجانب النظري، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع الفني بالجزائر. وكثيرا ما ينقطعون عن مشاهدة العروض المسرحية، إلا القلة القليلة التي تحاول أن توازن بين المجال النظري والتطبيقي. وتبقى دائما في احتكاك بالوسط المسرحي.
فهي سياسية متبعة وممنهجة للقضاء على الحركة المسرحية لأن النقد أحد أسسها، والمسرح فن تخاف منه السلطة لأن دوره قوي ومؤثر أكثر من أي فن آخر لأنه مرتبط وقريب جدا من الشعب، فهو فن شعبي بامتياز، إذ يعد المسرح أصلب شكل يمكن للفن أن يعيد بواسطته خلق الأوضاع الإنسانية والعلاقات الإنسانية، وميزته أيضا أنه يحدث الآن وهنا، ليس هناك وعندئذ، كما أن المسرح أقوى شكل نفكر به في أوضاعنا، فكلما علا مستوى التجريد، أبتعد الفكر عن الواقع الإنساني، وهذا ما يحدث تماما على خشبة المسرح.
 لهذا تمّ تحطيمه بدءاً من ضعف التكوين سواء بالمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري بالعاصمة، وصولا إلى أقسام الفنون بالجامعات الجزائرية وما تعانيه من مشاكل متعددة، فأغلب هذه الأقسام مجرد أسماء على الورق، لا تحوي أبسط القاعات للتدريب، كما نجد تخصصات عديدة وإمكانيات قليلة، فهي حالة كمية وليست نوعية.
وانعدام النقد أدى إلى تدني المستوى أيضا، لأن الأغلبية لم يتعود أن ينقد فيظن نفسه الأفضل، أو أنه فوق النقد، حتى خلال فتح مناقشات حول أي عرض مقدم في مختلف المهرجانات المسرحية، في الأغلب ما يكثر النقد الذاتي، وتنعدم الموضوعية حتى من طرف المتخصصين للأسف، فتكثر الحساسيات ويتم تصفية بعض الحسابات العالقة بين الفنانين خلال هذه النقاشات، ويغيب الجانب الفكري والفني المطروح. مما أدى بالبعض إلى هجر هذه المناقشات، لأن هدفها أصبح شخصي وليس موضوعي، وعادة ما لا يعترفون بجودة العمل، بل بالعكس يحاولون تكسيره إن وجد.

تشجيع بعض الإعلاميّين ٠للرّداءة مضر بأبي الفنون


كما ساهمت بعض الأقلام الصحفية وبعض القنوات في تشجيع الرداءة، بالتشهير ببعض المعارف والأصدقاء على حساب الإبداع وتهميش المبدع الحقيقي، فالعملية متكاملة، وتشكّل حلقة. قد يعتقد البعض أن مسالة النقد هينة وغير مؤثرة، بل بالعكس، هي عنصر جد مهم من العملية الإبداعية، فالتعامل معها بالفوضى مثل التي يعيشها قطاع الثقافة لدينا، لن يخلق إلا المزيد من الرداءة، فأصبح الجمهور الجزائري يجهل الفنان المبدع الحقيقي، لأنه مهمش ولا تسلط عليه الأضواء، فإن لم يتم قطع الطريق عن هؤلاء المرتزقة الذين يعتاشون من الفن، سيزداد الوضع سوءا، ولا ننسى أنه حين يتم تدمر الثقافة، يدمر المجتمع بأكمله، فتنهار الدولة، وما نعيشه اليوم، ما هو إلا نتيجة لهذا المخطط.
   النقد الموضوعي والنقاش المفتوح مع الفنان، وخصوصا المبتدئ، قد يحفّزه ويشجّعه على المواصلة وتطوير قدراته، ويجعله يتدراك أخطائه، ليحسن مستواه في المستقبل، فيصبح النقد ضامن لاستمرارية هذا الفنان. أو العكس، النقد الهدام والذاتي، قد يدمر الفنان وخصوصا المبتدئ، كما قد يحطّمه ويبعده عن الفن، أو يجعله عضوا في العصابة التي تتحكم في القطاع الثقافي، فلا يجد له مخرج آخر..سيشك في موهبته، ولا يتمكن من التعامل معهم، أو يتأقلم مع الوضع، ويخسر الكثير من نفسه، وبالتالي من إبداعه، فيتلوث.
 فالنّقد سلاح ذو حدّين، قد يدفعك للأمام دفعا، أو قد يحطّمك، ويضيع عليك كل الفرص التي تستحقها، والحالة الأخيرة، هي ما يعيشه الشباب المبدع لدينا، لأن العصابة استولت على هذا القطاع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024