إن الأدب الموجه للطفل هو الذي يحترم خصائص الطفولة حسب تقسيماتها المتفق عليها، إنه أدب يختلف عن أدب الكبار وله معايير ثابتة تحفظ له خصوصيته هذه، هكذا عرفت الدكتورة خديجة باللودمو ما يعرف بأدب الطفل، مؤكدتا على ضرورة معرفة الطفل واستحضاره أثناء الكتابة ليكون الكاتب بذلك طفلا ومعلما.
أكدت الدكتورة خديجة باللودمو خلال حديثها لـ»الشعب» أن أدب الطفل في الجزائر مجال يحتاج إلى الكثير من الجهد والإيمان به، من أجل الرقي به وبالمواهب المستقبلية التي اقتحمت هذا المجال، مشددة على ضرورة وجود النقد في ما كتب وما يكتب لجعله يتحلى بالجمال والتفرد، خاصة في وقت يواجه فيه تهديد لحياة هذا الفن في حالة ما بقينا ننظر إليه بصورة تقليدية سلبية ألا وهي مسألة المد الرقمي وضرورة الانفتاح عليه.
ترى المتحدثة في نفس السياق، أن أدب الطفل في الجزائر يراوح مكانه بين أسماء تحاول تسجيل حضورها بنية ربحية يصبغها مظهر تجاري واضح تسقط فيه أهم معايير الكتابة للطفل، وبين مبدعين يدركون حقيقة ما معنى الكتابة للطفل لكن تسقف تطلعاتهم وتحد آفاقهم الكثير من المشاكل ولعل أبرزها في نظرها، غياب دور نشر متخصصة في كتاب الطفل، فكثيرون هم من ينظرون للطفل على أنه كائن بسيط يسهل التعامل معه وفهمه ومن ثم فالكتابة له أيسر مسألة وهي من أبسط أنواع الكتابة فيخوضونها دون أي فكرة حقيقية عن هذا الكائن المتفرد ودون اطلاع عن مراحله العمرية بطفولته وخصائص كل مرحلة وتطلعاتها.
مواهب الأطفال الأدبية تحتاج التشجيع و التأطير
في سياق آخر، طالبت خديجة باللودمو بضرورة تضافر الجهود من أجل تأطير الطفل الموهوب في المجال الأدبي، والتي تعتبرها ليست عسيرة، لأن الطفل بطبعه مستكشف وله طاقة جبارة تجبرنا على تسييره فقط، وهذا بداية من خلق فضاء للطفل يكون فيه الكتاب متوفرا بين يديه يقلب صفحاته ويتأمل صوره وألوانه، ويكتشف حروفه فكلماته، مضيفة دع الطفل يحضن الكتاب دعه يلمسه يقلبه يرميه ليحتضنه مجددا بكل حب وامتنان، دع الطفل يعبر دعه يتكلم ويعبر ويبني أفكاره ويسأل ويثور خياله، دعه يتحرّر ويثق في نفسه.
في هذا الصدد وصفت الشاعرة خديجة باللودمو الطفل بأنه كائن نوري فعال يكفي أن تشعره بالأمان ليحلق ويبدع ويفاجئك، إنه يحتاج منك القليل من الرعاية ليمنحك الكثير من الإنجاز والإبداع.
المسابقات الأدبية جد مهمة لاكتشاف الموهبة عند الطفل
وفي سياق آخر تعتبر المتحدثة، المسابقات الأدبية التي تنظم للناشئة جد مهمة في اكتشاف هذه المواهب، بل هي أحد روافد إبراز الأطفال الموهوبين ووضعهم في المسار الصحيح، ولعلّ الكثير من المواهب الاستثنائية ما كانت لتظهر لولا فرص المسابقات التي أزاحت عنها الستار وقدمتها للمهتمين لرعايتها.
شدّدت خديجة باللودمو، على أهمية دور الأسرة المهم في تطور أدب الطفل باعتبارها الحضن الأول للطفل، الذي يمكن أن يتعهد البذرة الأولى للموهبة، لهذا تحرص الأسر الواعية بهذا الدور على تحفيز الطفل على الإبداع الكتابي من خلال التواصل الدائم مع الطفل في شكل حوارات مختلفة، وتسعى لاقتناء كتب تكون في متناوله والتي تتماشى ومراحله العمرية التي يتدرج فيها فتعتمد في أولها على الصورة واللون ليكون للكلمة بعدها دور في إيصال الفكرة للطفل.
تحفيز الطفل على الكتابة والمطالعة يبدأ من البيت
ومن ثم المكتبة المنزلية التي تعد في نظرها رافدا مهما جدا في تنشئة طفل محب للكتاب والكتابة ومن الممكن أم تتفتق موهبته بين رفوفها، وهو ما يجب أن يتنبه له الوالدان في مراحل مبكرة من عمر الطفل، ليأتي دور المدرسة في المقام الثاني مرحليا، لكن هذا لا يخفف من دوره ولا يحد منه، على العكس فهناك أطفال يكتشفون الكتاب لأول مرة في الصف المدرسي، فكثيرون هم الأطفال الذين ينتمون لأسر محدودة الدخل وتعايش ظروفا قاسية يكون فيها التكفل بمتطلبات الحياة الضرورية هو أهم هدف وأقصى إنجاز، في هذه الحالة يتمكن الطفل من استكشاف قدراته داخل المدرسة لتكون بذلك حضنه الأول الذي ينهل منه ما تعذر على أسرته توفيره له، ولهذا فالواجب أن يكون المعلم صاحب دور مفصلي للتنقيب عن هذه الدرر والاعتناء به.