إن الأداء في المسارح الجهوية يترتب من منظور الفنان المسرحي محمد بويش، وفق القبول من عدمه خصوصا عند المتلقي الباحث عنه، فعلاقة المسارح تقاس بالملتقي الذي افتقد وجهه بزحام العروض المقدمه واتجهت مسارحنا العريقة ـ حسب بويش - ومنها مسرح باتنه إلى الجانب الإداري أكثر، مما أغلق اللعبة الفنية باسم التقشف والاكتفاء والاتكال على الجمعيات في خلق اتفاقيات عمل لا تكفي أساسا في صناعة عرض بكل مقومات الفن المسرحي وهنا سيفتقد المسرح أحد خطوطه في الصناعة الفنية بتوجهه إلى الصناعة التجارية لإرضاء الإداري خارج الفني».
يرى بويش الذي عاصر تطورات المسرح الجزائري في العقود الأخيرة، أن المسارح الجهوية خارج الهيكل الإداري تمّ إفراغها من المهمة الثقافية في صناعة البديل الشعبي إلى النخبوي وتمّ الاعتماد على صناعة مسرحية توازي الأمر الإداري وفق أجندة وزارية خارج دراسة حقيقية للمحيط الخارجي عامة والمتلقي خاصة.
والمسارح الجهوية يضيف بويش، لا تملك تنظير حقيقي لمفهوم المسرح خارج اللعبه رغم التجربة الجديده للمسرح الوطني في مسابقة مصطفى كاتب التي يمكن اعتبارها خارج الإداري أو النوادي التى ترافق العديد من المسارح رغم محدوديتها الفكرية والاعتماد على تكريس نفس الأسماء في محاولة لتقريب الجانب التنظيري للحراك المسرحي، لكن انطفأ الفتيل في بعثه الأول، فمسرحنا ـ حسب بويش - إداري بهذه الطريقة يغلق باب الاجتهاد الفكري ولم يفتح منذ سنوات نافذة واحدة على التغيير.
الأمر الذي يحتاج لجهود كبيرة لتطويره، وفق ما بعد الحداثة، حيث يحتاج إلى تنظير حقيقي وإلزامي في محاولة بعثه من جديد وصناعة مخابر خاصة بالمسارح الجهوية للكتابة والإخراج والتمثيل.. الخ، مع المرافقة الحقيقية لَمعاهد التمثيل ومحاولة صناعة ركح جديد يعتمد على الأفكار، ثم لابد من الانحياز إلى صناعة مسرح جزائري وبنصّ جزائري وحان زمن رفع الحصار عنه، يضيف بويش.
وفي قراءة للعرض المسرحي بالجزائر خارج التشكيل النصي والسياق السوسيولوجي، يؤكد بويش أن هنا يكمن الخطأ السائد في تأويل مسرحنا الحالي، كون الارتباط الوثيق مع الباحث النصي الأدبي وفق اجتماعيته هو المفقود في الكثير من عروضنا والاعتماد على المقتبس النصي في صناعة فرجة مسرحية ويمكن اعتباره هروبا إلى الإمام لصناعة تقزيم حقيقي للملتقي وإبعاده عن مضمون الطرح الاجتماعي الذي يهمه من خلال أن الفن الرابع مرآة المجتمع وأنفاس نضاله الأبدي وإثبات الكينونة الحقيقية له.
النص المحلي: الغائب الكبير
والتجربة المسرحية الحالية بالجزائر ـ حسب بويش - من خلال افتقادها إلى النص المحلي افتقدت المتلقي وبالتالي افتقدت التواصل وخطاب المسرح النضالي المعروف زمن علوله وعز الدين وصونيا وبقرموح، والاقتباس وفق الحمل الأيديولوجي المقيت أهلك الركح الجزائري وجعله في متناول التسرع لصناعة العرض خارج ميكانيزمات العرض الناجح وفق شعبوية في الطرح تمّ إسقاطها على نصوص مقتبسة.
ويضيف بويش كحل لهذا الإشكال لا بد من وضع خارطة طريق للعبور إلى مفهوم مسرحي جزائري من خلال التنظير لأفاق مسرحية جديدة منفتحة على التراث، وما يحمل المسرح من طقوس احتفالية في ما قبل المسرح لمحاولة استرجاع ما قامت به مدرسة علولة في الحلقة وتأويل الحراك المتاخم لتاريخنا الفني وفق استدراج شخوص المحافل المعروفة في زمننا الأسطوري الذي واكب جل تاريخنا الحضاري من العهد الأمازيغي، لخلق مسرح جديد وفق تأويل لمعنى التأثير في متلقي جديد نخلق له فرجة بالنص والإخراج وجميع مكونات العرض خارج الشعبوية والطرح الساذج، يضيف محدثنا.
البحث عن الهوية الضائعة
وبخصوص الآراء القائلة، بأن المسرح الجزائري يعيش أزمة هوية، يقول الفنان بويش إن الأزمة انطلقت في ما بعد المسرح الثوري أين دخل المسرح بعدها إلى المنظور الاشتراكي الذي كرس الأيديولوجي بدل السوسيولوجي وجعل من المتلقي بوق الحزب الواحد لتصبح هويته في إطار التبجيل والإطراء بالثورات الثلاث لبومدين، مع مرحلة أخرى كان يمكن أن نخلق هوية خاصة في ظهور علوله ومسرحه وبقرموح ومسرح القلعه أين أصبح المسرح بهوية نضالية لم تدم طويلا بعد الاغتيالات التي استهدفت رموز الهوية المسرحية بالجزائر.
ومع الحداثة، وما بعد الحداثة افتقد المسرح الجزائري هويته ـ حسب محدثنا - من خلال الممارسات غير المدروسة لصناعة الفن الرابع وفق الاقتباس النصي غير المدروس وفق الغرق في مدارس مسرحية غربية تمّ تركيبها على الركح الجزائري، مما أفقده هويته الحقيقية ومرجعيته الفنية. الأمر الذي سبّب الفجوة الحالية بين الباث والمبثوث إليه في المسرح، وهي أزمة أخرى حسب بويش لا تعود إلى التوزيع فقط، لكن تعود إلى فقدان الركح الجزائري للملتقى من حيث أصبح لا يهمه كثيرا ما يتمّ تقديمه كعروض تمارس الاستغباء على الجمهور بدل أن تدعوه للصعود بفكره إلى الطرح، المتلقي الحديث الذي يحاول مسرحنا استهجانه من خلال خلق الألوان والسينما الركحية أصبح يعي فقدان النص الذي يكلمه ويثيره ويجعله متورطا في اللعبة، حيث هجر المتلقي من خلال ما قدّمه المسرح خلال سنوات خلت ولابد من التفكير في إعادته ومخاطبته بلغته ونصه.
ولتحقيق ذلك، لا بد يضيف الأستاذ بويش من الاهتمام بعامل التكوين في المسرح، بشقيه الأول في التكوين الأكاديمي المعروف والذي يحتاج إلى ممارسة والثاني ممارسة مسرحية تحتاج إلى تكوين من خلال القراءة والإطلاع، وينبه محدثنا إلى انه يستحيل بناء مسرحي خارج التكوين ولو كان عصاميا، حيث أن الأكاديمي الذي يكتفي بالشهادة لا يستطيع أن يركب موجة مسرحية حديثة دون الإطلاع اليومي عل مكونات المسرح الحديث وتجلياته، ونفس الشيء بالنسبة للمسرحي الموهوب فمن غير قراءة وتكوين يسهل سقوطه في الابتذال والخروج عن خدمة المسرح الحقيقي.