أكّد الشّاعر والروائي حركاتي لعمامرة في حوار مع «الشعب»، بأنّ أزمة الشعر في الجزائر أزمة متوارثة منذ القدم، حيث أنّ الشاعر يجد نفسه اليوم أمام عدّة تحديات أهمها واقع يضع الشعر في آخر اهتماماته، ما يجعله يعاني عند ولادة قصيدته، ويعاني عند إلقائها نظرا لأنّ مجتمعاتنا تأقلمت على ثقافة «السندويتش»، فلم تعد قادرة على الحضور للأمسيات الشعرية، مشيرا إلى أن هناك أسماء ثقيلة في عالم الشعر والإبداع، وقعت في النرجسية وراحت تتغنى وحدها أو مع ثلتها، ليضيع من بين أيدينا قاموس الشعراء ذوي الإحساس المرهف والجياش.
❊ الشعب: واقع الشّعر في الجزائر إشكالية ما تزال تُطرح في كل مناسبة، في نظرك ما الذي يجعل هذا النوع الأدبي بالذات يعيش نوعا من التهميش إن صح التعبير؟
❊❊ حركاتي لعمامرة: شكرا لك على هذا السؤال الذي ظل مطروحا في كل المحافل، فإشكالية الشعر في حد ذاتها لم تطرح كفكرة، فالواقع الثقافي في الجزائر يثبت العكس، وأنا بحكم احتكاكي بهذا الأخير، أؤكد لك أن الجزائر لديها زخم ثقافي متنوع من شعر، قصة، رواية، مسرح..إلا أن الواقع الراهن لا يتابع هذه الأحداث لاعتبارات عدة أهمها أن الأعمال المقدمة لم تعد مقنعة، فالمهتمون فقط بالشأن الثقافي هم من نجدهم يتناغمون مع الراهن، وحتى هؤلاء ينقسمون إلى فئات، وحتى الوسط الجامعي الذي يهمه الحراك الثقافي نجده متابعا من أجل المصلحة فقط.
الملاحظة الثانية هو أن الشعراء في حد ذاتهم، وهناك أسماء ثقيلة في عالم الشعر والإبداع، إلى جانب عاصمة الزيبان بسكرة، تعد أهم ولاية تحتوي على أكبر عدد من الشعراء، إلا أنهم لم يثبتوا يوما أنهم على كلمة واحدة، فتراهم مشتتون وغير مستقرين، فأغلبهم وقع في النرجسية وراح يتغنى وحده أو مع ثلته وضاع من بين أيدينا قاموس الشعراء ذوي الإحساس المرهف والجياش، وتبقى دار لقمان على حالها وتبقى الإشكالية تطرح نفسها.
وبحكم أنّني عضو بيت الشعر الجزائري مكلف بالإعلام بمكتب ولاية بسكرة، وللأمانة فقط حاول بيت الشعر مشكورا أن يعيد الشعر إلى واجهة الأحداث، والشكر الجزيل لكل أعضاء بيت الشعر في كل ربوع الجزائر على ما يبذلونه من أجل إنقاذ المشهد الثقافي والشعر بالخصوص، وأتمنى أن توفر لنا الميزانية الكافية حتى نقدم شيئا للتاريخ حتى نسجل صفحة مضيئة للشعر الجزائري، الذي لا يقل أهمية عن غيره في باقي الدول العربية.
❊ لكن ألا ترى بأنّ هناك أزمة في تلقّي الشّعر في الجزائر، ولمن يعود ذلك في نظرك للشّاعر أو المتلقّي؟
❊❊ بالفعل أختي الفاضلة لقد وضعت إصبعك على الجرح، فأزمة الشعر في الجزائر أزمة متوارثة منذ القدم، نظرا لأننا لم نضع بذور حب الحضور إلى الأماسي الشعرية، مثلها مثل بقية الأنشطة، فالشاعر يعاني عند ولادة قصيدته، ويعاني عند إلقائها ليجد الواقع لا يهتم به، ونظرا لأن مجتمعاتنا تأقلمت على ثقافة «السندويتش»، فلم تعد قادرة على الحضور للأمسيات الشعرية، بينما في مرحلة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان الجمهور الجزائري ذواقا للشعر.
وأذكر عند زيارة الشاعر نزار قباني امتلأت قاعة الموقار عن آخرها ولعدة أيام، أيضا كانت هناك مهرجانات للشعر أهمها مهرجان محمد العيد آل خليفة الذي كان ينظم ببسكرة، وكان يستقطب جمهورا لابأس به وهو مهرجان يشبه إلى حد بعيد مهرجان المربد العراقي، ولكن بعد غياب المهرجانات الشعرية ابتعد الجمهور وصار قليلا جدا.
نتمنّى أن تعود المهرجانات الشّعرية المجمّدة، ونحن في بيت الشعر الجزائري مستعدّون للمساعدة على أن تكون النّوايا سليمة، لعل الذّائقة الشّعرية تعود من جديد للجمهور المتعطّش، والذي يعاني من فراغ رهيب في السّاحة إلّا من أمسيات هنا وهناك..
❊ ما هي التحديات التي تواجه الشعر والشاعر اليوم.. وما الذي يريد أن يوصله الشاعر من خلا ل عالم القافية؟
❊❊ في ظل هذا الإعراض عن الحضور للأماسي الشعرية وفي مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد العربية، ممّا تجعل الشعراء يبدعون بالتعبير عن واقعهم المعيش، يجد الشاعر نفسه أمام عدة تحديات أهمها واقع يضع الشعر آخر اهتماماته، وغصة في الصدر تخرج إبداعا يجب أن ينبض بالحياة، وإمكانيات ضعيفة جدا للنشر، حيث يعاني الشاعر لسنوات كي يطبع ديوانا ليصطدم بعدة مفاجآت أهمها الغلاء الكبير لقيمة الطبع، والصعوبة في التوزيع، الحقيقة أن الشاعر في وضع لا يحسد عليه بل إن بعض الشعراء اعتزلوا الشعر وفي أحسن الأحوال صاروا يكتبون ولا ينشرون.. وهم كثيرون للأسف.
❊ وفي نظرك ما الذي أفرزته التّظاهرات التي تقام في الجزائر احتفاء بالشّعر والشّعراء، وهل أضافت شيئا للحركة الشّعرية؟
❊❊ الحقيقة أنّ التظاهرات والملتقيات التي تقام هنا وهناك وعلى قلتها واستدعائها لعدد معين من الشعراء دون غيرهم، ساهمت إلى حد كبير في الكشف عن أسماء جديدة في السّاحة الأدبية من الأصوات التي كانت تنشط في محيط ضيق أو حتى كانت في الخفاء، والحمد لله أصبحت الساحة تضم عددا لا يستهان به يلزمه عدد كبير من المهرجانات واللًقاءات حتى تبرز شاعريتهم للعيان..فأنا مثلا أعرف عددا كبيرا من الشعراء الجزائريين يستطيعون تغطية أكثر من ملتقى أو مهرجان.
❊ من خلال كلامك يمكن القول إنّ الجزائر تملك اليوم جيلا من الشّعراء بإمكانه إعطاء الشّعر مكانته المستحقّة؟
❊❊ أستطيع أن أقول إن الجزائر تمتلك جيلا من الشعراء لا يستهان به، متعدد المشارب ومتنوع الأعمار ومن الجنسين، وهنا أحيّي العنصر النسوي الذي اقتحم هذا الميدان بقوة، وحتى لا أظلم أحدا، فإن أسماء كثيرة أذكر منها الشاعر الكبير سليمان جوادي رئيس بيت الشعر والأستاذ عاشور فني، شارف عامر، لطيفة حرباوي، بختة حسني، زميط فضيلة، صيد عبد القادر، دليلة مكسح، سامية بن عسو، سامية غمري، والشاعر الطبيب شريط نبيل، طارق خلف الله..والقائمة تطول وهي بالفعل أسماء قادرة أن تعطي الشعر مكانته بالطبع، بل وتستطيع أن تذهب بعيدا.
❊ تدوين التّراث الشّعري، ألا ترى بأنّها ثقافة شبه غائبة في الجزائر؟
❊❊ بالفعل فكرة تدوين التراث الشعري هي فكرة جادة وجريئة، وهي فكرة راودت الكثيرين من الكتاب والشعراء والمؤرّخين، حيث كان في الماضي القريب إصدارات عن الشعراء مثل الكتاب الصادر عن مجلة «أمال الجزائرية» والذي أشرف عليه الأستاذان محمد الصالح حرز اللًه والأستاذ عبد العالي رزاقي، حيث تناولت السلسلة التي حملت عنوان الشعر الجزائري المعاصر ليشتمل الكتاب على السيرة الذاتية لكل شاعر مع نماذج من شعره.
وقد كانت السلسلة إضافة جميلة أفادت الساحة الأدبية، وتعتبر منهلا يتخذه الطلاب مصدرا، أيضا لا يفوتني هنا أن أنوّه بمبادرة جامعة «محمد خيضر» ببسكرة كلية الأدب، حيث ستقوم هذه الكلية وبإشراف الأستاذ الدكتور علي بخوش بجمع أعمال كل كتاب وشعراء ورسامي ولاية بسكرة، من أجل إنجاز معجم ينهل منه طلاب الجامعة ويعتمدونه مرجعا في ظل شح المعلومات عن الأديب المحلي، والحقيقة أن هذه المبادرة لاقت إقبالا لا بأس به من كتاب وشعراء وفناني الولاية، ونتمنى أن تعمم هذه المبادرة لتشمل جميع جامعات الجزائر.
❊ كلمة أخيرة؟
❊❊ أخيرا أشكر جريدة «الشعب» العريقة على إتاحتها هذه الفرصة، كي أبرز أهم العقبات التي يعاني منها الشاعر، وكذلك القارئ والمتذوق، وأيضا لأبرز معاناتنا كجمعية وطنية للشعر بالجزائر، حيث لا نستطيع القيام بأي نشاط إلا بصعوبة، وهذا ناتج عن شح المصادر الممولة للأنشطة واصطدامنا بعراقيل إدارية لا محل لها من الإعراب.
جزيل الشكر مرة أخرى لك أختي الفاضلة، وعلى صبرك معي ولكل طاقم جريدة «الشعب»، وأتمنى أن تكون متابعتكم لأنشطتنا على صفحات الجريدة، وكل التوفيق والنجاح بإذنه تعالى.