أكّد الشّاعر المبدع الأستاذ الأمين حجاج، أنّ الشّعر كان ولا يزال بألف خير، وإن كان يبدو للناس غير ذلك، وهي مشكلة الأدب ككل وليس الشعر وحده، وكصورة من الواقع تثبت سلامة الشعر وصحته الجيدة هو أن الناس في الشارع تنشد «من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادنا» و»قسما» و»بلادي أحبك»، والتي هي خصوصية لا يملكها غير الشعر.
نفس الشيء يضيف الأمين حجاج في تصريح لجريدة»الشعب»، بالنسبة لاهتمام الناس بالشعر، والذي تأخّر توازيا مع التطور التكنولوجي الكبير، خصوصا في الوطن العربي، أين نسب المطالعة والقراءة للفرد الواحد منخفضة كثيرا.
وكشف «أنّ التكنولوجيا ساعدت الشعر ولم تنقذه، بل العكس تأثيراتها السلبية كثيرة عليه وعلى الأدب عموما كما قلت قبل قليل، خصوصا أن هذه التقنيات ساعدت على النشر والانتشار، من دون التمييز بين الأدب والشعر الجيد وبين الأدب والشعر ما دون ذلك، التكنولوجيا أيضا ساهمت وساعدت على انتشار ظاهرة السرقات الأدبية، وللتكنولوجيا أيضا تأثيرات سلبية على ذاكرة القارئ، فما نقرأه من كتاب ورقي أكثر رسوخا في ذاكرتنا ممّا نقرأه على صفحة من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي».كما أن دور النشر، أصبحت يقول: «مراكز تجارية وأسواق خضر يغلب عليها الربح على كل قيم النص الأدبي الجيد، وهذا مؤسف للغاية، والأسوأ من ذلك أن الأمر متعلق بما يدفعه الكاتب، أي أن العلاقة بن الناشر وجيب الكاتب لا بين الناشر وأدب الكاتب يضيف صاحب المجموعة الشعرية «وطن صغير بحجم غربتي».
ويرى الأمين حجاج في هذا الصدد أن التكنولوجيا بمفهومها الواسع، لم تروّج بالشكل المطلوب للأدب الحقيقي، فالأمر أصبح له علاقة مباشرة بعدد الأصدقاء على صفحات الفيسبوك، وعدد المتابعين، وهو الواقع المبني على أسس غير علمية أو أكاديمية أو حتى ذوقية.
الشاعر ابن بيئته وهمومه من هموم جيله
وبخصوص إشكاليات الكتابة الكلاسيكية في الشعر، أوضح صاحب المجموعة الشعرية «..وجهين»، أن الكلاسيكية هي ليست نمط، هي موضوع وتركيب وأسلوب وقاموس بمعنى يمكن كتابة قصيدة حديثة على البحر الطويل، في حين تكرّر نفسك أو تكرر تجارب الآخرين وأنت تكتب نصا من قصيدة تفعيلة، إذن فكرة ربط الكلاسيكية حسب حجاج بالقوالب الشعرية القديمة هو تجني على هذه الموسيقى، باعتبار أبحر الشعر ليست سوى موسيقى ترافق الشاعر وهو ينشد، أما المواضيع فهموم الشاعر في الوقت الراهن كثيرة ومتعددة ومتشعبة، لا يمكن حصرها في مجال واحد أو اثنين، ومنه تتعدد المواضيع بالتبعية.ويرى حجاج كونه إعلامي أن الاستعمال واللهث المفرط من طرف الشعراء على الظهور في وسائل الأعلام قد يبعدهم عن الغاية الكبرى وهي البحث عن النص الكامل وتطوير التجربة وصقل الموهبة، كون الشاعر ليس مغن يتسابق عن الميكروفونات والمنصات الإعلامية، مستدلا بالشاعر العربي الكبير نزار قباني، الذي على قدر سطوته الإعلامية كان يرفض الظهور المتكرر على وسائل الإعلام.وبخصوص المشاكل الجمّة التي يواجهها الشعراء في انطلاقاتهم خاصة الشباب منهم، فيرى حجاج أن الشعراء لا يجدون مشاكل أثناء انطلاقتهم فقط بل يجدون جيوشا تحاربهم ومدافعا مصوبه إلى طموحاتهم، ومسدّسات في حلق إبداعاتهم، الشعراء - حسبه - يجدون كل القيود في أوجههم، بداية من مشكل النشر إلى مشكل الترويج، إلى مشكل الاحتواء والتأطير والتوجيه، المشاكل ليست مقتصرة على الانطلاقة فقط فقد تتعدي إلى أبعد نقطة من المسار الأدبي والشعري للشاعر.
ويوضّح حجاج الذي يشتغل في حقل المحاماة بخصوص مدى محاكاة الشاعر لواقعه بأن همومه من هموم جيله ومن هموم أهله ويلخصها في قول الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد».وعليه فحسب حجاج الشاعر هو ذلك العامل البسيط، الشاعر هو ذلك البناء، الشاعر هو حارس الحظيرة والمحامي والصحفي والقاضي والعاطل عن العمل، وإن لم يتطرّق بشكل مباشر إلى همومه اليومية فهو بلا أدنى شك سيولد منها، فيكتب عن الحب والسياسة والمجتمع وحروب العالم ومآسي الشعوب، ولهذا لا يمكن فصله عن واقعه، فالشاعر ابن بيئته، عكس ربما الروائي الذي قد يتطرق في كتاباته إلى حقب تاريخية مضت، أو تدور أحداث روايته في زمن غابر.