كثيرا ما يُروّج عن الترجمة، خطأً وزورا، على أنّها خيانة للمعنى، مثلما يقال نقلا عن الإيطالية: «الترجمة خيانة»، وفي هذا كثير من الزهو باللغة الأصلية للنصّ (المراد ترجمته)، وبعض العنصرية تجاه اللغات الأخرى. فاللغة ما هي إلّا قوالب المعاني، إذا رأيناها من زاوية أدبية، أمّا من زاوية الهوية أو عملية التواصل البشري فهي أكثر من ذلك. ويُعزّز قولي هذا، نجاح النصوص الأدبية العالمية في اللغات كلّها، وأحيانا تضيف الترجمة البهار الناقص في هذه النصوص. لنأخذ مثلا الكاتب البرازيلي باولوكويلهو، لم يفُز باحترام العالم إلى أن تُرجمت أعماله إلى اللغات العالمية الأخرى. ولنأخذ أيضا روايات نجيب محفوظ التي نال لأجلها جائزة نوبل للآداب، لم تكن لتحظى بالاهتمام لولا أنّها تُرجمت بلغات عديدة وإحداها السويدية (حيث مؤسسة جوائز نوبل).والترجمة هي التي عرّفت المثقف الجزائري والعربي بكتابات المفكر مالك بن نبي بعد ردح من الزمان. ولأنّ أفضل تواصل بين الأمم هو بالفن والأدب، فالفنّ خير مرآة لثقافات الشعوب، والترجمة خير ناقل لها عبر الحدود.
لكن بالرغم من أهمّية الترجمة، فقد يصير المثل المذكور أول المقال، صحيحا إذا لم تكن الترجمة وفية للمعنى، راقية رقي النص الأصلي في الأسلوب. وهذا ما لا مجال لنفيه.
وما يجب الإشارة إليه، مع كثير من الأسف، أن جهود الأمة العربية اليوم، في هذا المجال، متواضعة جدّا. وحصة الأعمال الجزائرية من الترجمة إلى اللغات العالمية واللغات الأخرى، لا ترقى للمطلوب، ولا تكفي لتخليد الأدب الجزائري بين الأمم. وما يُلاحظ في الموضوع، أنّ عملية الترجمة «انتقائية شخصية». وما أقصد بانتقائية، أنّها لا تمسُّ إلا طبقة محصورة من الكتّاب العتيدين أمثال ياسمينة خضرة أو بوجدرة رغم وجود كتّاب مميزين في الساحة الإبداعية. وما أقصده بشخصيّة، هو أن عملية الترجمة صارت تحصيل حاصل لنجاح نصّ ما، فيحوز على الاهتمام العالمي جراء القيمة الفنية والأدبية، وترجمته إلى لغات العالم العديدة هي إحدى علامات هذا الاهتمام.
أمّا الترجمة العلمية، ذات الهدف العلمي العامّ، الذي يقصدُ نقل نصوص أدبية، من لغتها الأصلية إلى لغات أخرى، بغرض نشره في ربوع المعمورة، قصد إيصال المعاني والأفكار والمعارف والثقافة المبثوثة بين دفّتيه، فهي أوسع أثرا من سابقاتها، كما أنّها تنطلق من البلد ذو النصّ، نحوالعالم. وإذا ضربنا بالجزائر مثلا، فعلى الجهات المعنية بالترجمة، أن تسعى لذلك، دون انتظار مناسبات خاصّة، كالمناسبات الماضية (الجزائر عاصمة الثقافة الإسلامية ثمّ العربية)، بالاشتراك مع مؤسسات تُعدّ كبنوك للنصوص الأدبية مثل المكتبة الوطنية، أوديوان حقوق المؤلف...
ولنكون موضوعيين وعمليين، فمستوى الترجمة، لا نَقيسه وحيدا، ولا نُعالجه منعزلا، لأنّ للترجمة أخ شقيق هوالنشر. ونظام النشر في بلادنا يحتاج للتصويب والإصلاح. وما دام العطب موجودا في هياكل النشر ونُظُمه ودُوره، ظلّت الترجمة وغيرها من مشتقّات الإنتاج المعرفي والأدبي مصابة بالمرض نفسه. وليست العلّة في النشر قلة الأعمال المنشورة وحدها، بل الممارسات التجارية البحتة التي تنتهجها دور النشر ممّا جعله برمّته في معضلة. وهذا يرسم ظلا كبيرا على الإنتاج المعرفي بصفة عامة، بما فيها الترجمة.