حينما يحكي الأدب الشعبي تراثنا اللامادي من روائع قصص وأساطير القصبة لمحمد بن مدور

إستحضار شخصيات من وحي الذاكرة الجماعية

جمال أوكيلي

لا يفوتنا هذا اليوم المدرج في رزنامة إحياء ذاكرة معالم العمران التاريخي في الجزائر، أن نورد مرجعا مدونا عن قصبة العاصمة للباحث محمد بن مدور عنوانه من روائع قصص وأساطير الجزائر العاصمة، عبارة عن مجموعة من الروايات المتداولة عن المكان تارة يسميه البهجة وتارة أخرى المحروسة، وفي مواقع أخرى مدينة سيدي عبد الرحمان الثعالبي أو بنو مزغنة، وللوهلة الأولى يشعر كل من يطلّع على هذه المنظومة من السرديات أنها من وحي الخيال توارثتها الناس عن الأولين.

غير أن الباحث بن مدور وبحكم قدرته الفائقة واطلاعه الواسع على هذا الصرح الحضاري والثقافي استثمر في زاوية الابداع وهذا عندما تجاوز الإطار الضيق لرؤيته السابقة المتشدّدة في الحفاظ وحماية هذا «الكيان» ويتخلّص من كل تلك الأصفاد والأغلال التي كبّلته لعقود ليقتحم مجال الفكر الأدبي المرتبط بهذا الفضاء المترجم لبعد الانسان في الأزمنة الغابرة.
وهكذا يقدّم بن مدور سلسلة قصيرة من الحكايات تخصّ أحداث بارزة صنعها سكان القصبة آنذاك ويحدّدها بالضبط في الفترة التركية، إلا أنه لا ينفي وجود نظيرتها الأخرى فيما أسماه بـ»الفحص»، ويعني بذلك ضواحي العاصمة وكذلك في الجزائر العميقة يعتبرها شهادات لا مناص عنها بالرغم من طابعها غير الواقعي، جلّها ذات الطابع الشفوي.
بعد الشرح المفصّل للمنهجية المتّبعة في الكتاب من طرف بن مدور ومساعدته بن شيكر يمينة يبدأ مسار القصص من الصفحة ٢٩ بـ «المتسوّل الغبي» ثمّ «الأميرة لالة خداوج العمياء» بنت خزناجي حسان التي فقدت النظر من شدّة وقوفها أمام المرآة لرؤية جمالها الخارق.
كما أورد بن مدور صورة عن «فاطمة المعقرة» و»سيدي بوقدور» و»سيدي ابراهيم الغبريني البحري»، «سيدي منصور»، «سيدي علي زواوي»، «عين الحاج»، «حامل الماء»، «البسكري الكبير»،
«بابا عروج والأميرة زافيرا»، «الوالي دادا»، «لالة حمرة العالية»، و»سيدي بلال»، وغيرها من الروايات المثيرة المصاغة بأسلوب السهل الممتنع والسلس والبسيط باللغة الفرنسية غير معقدة تماما وإنما المصطلحات المستعملة في المتناول الاعلامي.
هذه العينات من الأساطير هي آخر كتاب صدر عن بن مدور بيعت منه أعدادا وكميات كبيرة خلال المعرض الدولي بسعر ألف  دينار وبتوقيعه شخصيا في ٣٣٨ صفحة.. بحلة إخراج فاخرة في جانبها الجمالي والصور المختارة بدقة حاول الكاتب أن تكون معبّرة عن تفاصيل القصة لا تعود إلى تلك المرحلة وإنما اجتهاد لاكتمال المشهد عبر العنوان لـ٤٩ قصة بروحها التشويقي الجذاب والمغري في آن واحد.
وقد تفادى البحث بن مدور أن يكون كتابه حاملا للطابع الأكاديمي الممل بالرغم من كلمته الأخيرة التي قال فيها وفي هذا الاطار، نريد من قرائنا اكتشاف التاريخ، الأخلاق، رجال الدين، العادات، التقاليد الاجتماعية لسكان العاصمة وهذه الدعوة لا تتماشى مع الأساطير التي تصنّف في خانة الخيال إلا أن هذا لم يمنع من اعتباره لبنة ثرية في مسار التوثيق لتاريخ القصبة التي تحتفل بيومها الوطني.


رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024