لا تكاد تخلو عواصم العالم من الفنانين المبدعين الذين ينشطون شوارعها وساحاتها، منهم المحترفون الذين يكسبون قوت يومهم من أعمالهم الفنية، ومنهم الهواة الذين يجدون في الشارع فرصة للتعبير عن مكنوناتهم والتدرب على مواجهة الجمهور بشكل مباشر..رسامون، مغنون، عازفون، لاعبو خفّة وخدع سحرية، شعراء، مسرحيون، وغيرهم من الفنانين اختاروا الشارع مسرحا لأعمالهم. الجزائر العاصمة وغيرها من المدن الجزائرية لا تختلف عن هذه العواصم العالمية، وتشهد تناميا لافتا لهذا النوع من الفن، الذي خصّصنا له عدد هذا الأسبوع من «الملف الثقافي».محمد دحة..فنّان شاب اختار التحرر من قاعات العروض واللجوء إلى الساحات العمومية لإبراز مواهبه الفنية في مجال الرقص والموسيقى والغناء، وتقديم عروض فنية على الهواء الطلق إحياءً لفن الشارع، ليكون بذلك أبرز فنان في الجزائر، والذي جعل من شوارعها فضاء مفتوحا على الموسيقى من جهة، ومتنفسا لمواهبه الفنية من جهة أخرى.
بالرغم من العراقيل التي اعترضت طريقه، إلا أنه يواصل بحزم ابن مدينة واد السوف مسيرته التي يراها لا تختلف عن الفنون التي تقدم في الأماكن المغلقة، فهو شاب عاشق للفن، يداعب اليوم قيثارته بكل احترافية، ويطلق العنان لحنجرته لتصدح بأغاني متنوعة، ويكون له جمهورا ذواقا لفنه ومواهبه.
عانيت في مجتمع يجهل ثقافة «فن الشّارع»
يقول محمد دحة المعروف بـ «محمد فيتا» في حديث لـ «الشعب»، أنّ بداياته انطلقت ما بين 2002 ـ 2004 مع رقص «الهيب هوب»، وهي بالنسبة له ثقافة مغايرة تتطلب عروضا في الساحات العمومية، وفي سنة 2009 توجّه إلى الغناء ليقدّم أول ألبوم له بعنوان «أولاد الصحراء»، ثم ثاني ألبوم في 2010 بعنوان «صنع في الجزائر».
وقال بأنّه عمل في عديد المرات مع وزارة الثقافة ومع راقصي «الهيب هوب» في الجزائر، حيث كانوا ينظّمون حفلات في مختلف شوارع الجزائر، مضيفا أنه بين 2012 ـ 2013 أصبح يشتغل أكثر على موسيقى «الهيب هوب» والراب، إلا أن عزفه على آلة القيثار بدأت سنة 2015، حيث طور من إمكانياته الفنية على العزف وانطلق ايضا في الغناء، إلى غاية 2016، أين بدأت تطارده بعض العراقيل، لا سيما مع الشرطة والتي كانت تعتقله في كل مرة كان يقدم فيها أغاني للمارة بشوارع الجزائر.
وأكّد الفنان محمد دحة بأنّه كانت توجه له في كل مرة اتهامات مختلفة، على غرار إزعاج المارة، لا سيما بالطرق التي تشهد مرور شخصيات، قائلا بأن مسيرته الفنية انطلقت بباب الزوار، مرورا بالسوريكال وأرديس..وصولا إلى ساحة أودان ومحطة الميترو، وهناك ـ يضيف ـ طلبوا مني التحقق من هويتي ليؤكّدوا لي أن ما أقوم به ممنوع، وفي المرة الثانية اتّهمت بالتسول بطريقة احترافية، مع أنه لا يوجد هناك قانون يمنع الغناء في الشارع، كما وجّهوا لي تهمة استغلال مكان عمومي بدون رخصة.
على المسؤولين الاهتمام أكثر بهذا الفن
محمد دحة قال بأنّه وواجهته صعوبة في الحصول عليها، ولذلك عاد إلى الغناء في الشارع بدون رخصة، كما تلقى العديد من الصعوبات من قبل مجتمعه أيضا، والذين كانوا في بداية الأمر يستغربون عروضه الفنية في الشارع، حيث تعرض لاعتداءات لفظية أحيانا وجسدية أحيانا أخرى، أين كانوا يلقون عليه أي شيء يتواجد بأيدهم كجريدة أو قارورة ماء.
ورغم العراقيل التي واجهته، قرّر دحة مواصلة مسيرته، مشيرا إلى أنه بعد جهود حثيثة تحصّل على رخصة للغناء في الساحات العمومية، وهو حاليا يتواجد بولاية بجاية، حيث يواصل فنه بكل حرية دون أي قيود أو عراقيل، أين وجد جمهورا ـ حسبه ـ يحترم هذا الفن وفنانيه، وأضاف بأن نضاله لأجل مواهبه جعل الكثيرون يقتنعون بأنه فن كغيره من الفنون، فقط يمارس بعيدا عن قاعات العروض ويقدم في الساحات العمومية.
محمد دحة قال بأنه يحلم بتكوين فرقة موسيقية لإنعاش فن الشارع، وهو يقدم اليوم أغاني في مختلف الطبوع والتي تلقى إعجاب المارة، كما يقدم أغاني باللغة الفرنسية والانجليزية والقبائلية لكبار الفنانين، ويوجّه «فيتا» رسالة للمعنيّين للاهتمام أكثر بهذا الفن، قائلا: «الفنان هو ضوء المجتمع، أنا لا أطلب شيئا بل أتركوني أعمل ولا تقيّدوا حريتي لأمارس هواياتي الفنية، وإعادة الاعتبار لهذا الفن المعترف به دوليا».