أسوار وحيطان نحت وصور فوقها فنانون مدمنون على الريشة والألوان، جداريات ولوحات مزجت أحيانا بين الطبيعة الواسعة، في مشاهدها للمروج والشجر والطيور والورد والياسمين وأحيانا فضلوا رسم رسائل لواقعنا المعيش، وخاصة تلك التي تستهدف الشباب ومواضيعه في الهجرة السرية والاغتراب والحلم الأمريكي والكندي، وما إلى ذلك من رسائل مباشرة وفي قلب هذه البهرجة تجد أيضا من فضلوا زوايا من شوارعنا وراحوا يطلقون العنان لمعزوفات في تشكيل بين القديم والمبدع الجديد.
يرى سليمان أحمد الفنان الصاعد في سماء الفن الهادئ والموروث، عن بلاد الأندلس وحضارة الأمويين المسلمين بإسبانيا وجنوب أوروبا، أن فن الشوارع في البليدة ليس بالموجود أو المنتشر مثلما هو عليه الحال في مناطق وأقاليم أخرى. وحسبه فإن فن الشوارع بالاصطلاح المتعارف عليها عالميا، يظهر في عاصمة المتيجيين ومدينة الورود، في سهرات يحييها شباب وأصدقاء موهوبون، في ليالي الصيف المليحة بالأخص، وفي ليالي رمضان وبين أسوار الاقامات الجامعية أو عند محيطها، يستقطبون جمهورا هو خاصتهم، من أبناء الحي والجيران والأصحاب والطلبة، وليس لهم في عروضهم نية في جمع المال أو تقديم عرض بمقابل مادي، بل هي متعة في هوايات شخصية، نمت مع شباب عشقوا الموسيقى في الغالب، وفضلوا في «خلوات» الإمتاع والتمتع لا غير، أما عن فن الشوارع المجسد في الرسم واللوحات، فهو أيضا قليل، بل بالكاد ينعدم ويظهر إلا في محاولات محسوبة، و ظهرت في رسم جداريات للورود والبساتين والساحات العامة، ويوميات البلديين تعبيرا عن خاصية «البليدة» وشهرتها بين ولايات الوطن، وما عدا هذين النوعين فالحديث عن فن الشوارع ليس له حضور في البليدة.
سفر بتأشيرة مفتوحة ومجانية...
وفي خضم هذا الفن الخاص والذي يحمل صفة العالمية، يرى أحمد سليمان أن فيه مواهب يجب أن تصقل، خاصة تلك التي لديها حس فني وصوت موسيقي، يمكن أن يكون في المستقبل مشروعا واعدا، وهو لا يخفي أن فيه من هذه المواهب من قد تجدها توظف تلك الموهبة الموسيقية في أخطاء، وهنا لا بد من التدخل وتقويم ما يلزم تقويمه وتصحيحه وتصويبه، بل إن من هذه المواهب من يلزم تأطيرها بالشكل المعرفي الفني الخالص، ثم الاستثمار فيها بالشكل الحسن، وهو يرى بأن «الهواية» في هذه المواهب لا تكفي وليس رأس مال يمكن أن ينتج ويثمر ويزيد، بل هنا تحتاج إلى التهذيب والتطوير والدراسة الوافية، خاصة إذا كان تلك الموهبة تحمل أخطاء وصاحبها لا يدرك، فالمختص من أهل الصناعية الفنية لديه النظرة الشاملة في تقويم ذلك، وحسبه فإنّ «فن الشوارع فرصة في إضافة رقم إلى المشهد الثقافي عموما، والفني الموسيقي أو في الرسم خاصة، وحسبه فالأمر بسيط وتحليله منطقي وموضوعي، فهو يبني فكرته على أن حامل ذلك الفن، تجده يسمع ويستعرض فنه، الحامل لهوية وخصوصية منطقة إلى ناحية أخرى، فمثلا يمكن لفنان الشوارع، أن يقدم أغنية أو معزوفة لمنطقة القبائل أو الطوارق أو العاصمي أو الوهراني أو السطايفي أو النايلي، وما إلى ذلك في اقليم بعيد عن تلك الألوان، وليس من هويته وفنه، فهو بعرضه ذلك يكون مثل سفير ذلك اللون بإقليم آخر، يختلف ثقافيا وفنيا عن مضامين تلك الرسائل الفنية، وهنا يقع التلاحم والتزاوج والتعريف بما لدى غيرنا من الجيران، فهو يعتبر مثل تلك العروض بمثابة الحقيبة التي يضعها المسافر في يده او على ظهره، حاملة لأغراضه ويتجول في فسيحة بسيطة، من بلد إلى بلد، بل إن فيه من يستعرض فنا عالميا غربيا او شرقيا، في إقليم مختلف تماما عن تلك العروض، وهنا زبدة الفن وعصارته ولذته. ويختم بالقول إن لكل مسافر جواز سفر، وتأشيرة يقطع به البحور والأجواء وجواز سفر فن الشوارع في تلك المقطوعات المبتكرة أو المعادة في ثوب جديد.