بكلمات باردة جمود الجليد، وفي نبرة صوت هادئة سكون الليل والفراغ، قال الموهوب الفنان الشاب وليد خليفي، وصاحب الأنامل في حمل الريشة ورسم عواصف من الأحاسيس والعواطف، بمسحة ملونة مزركشة هندس فيها صورا جميلة، أحيانا قاتمة حزينة رغم الورد والألوان التي اختارها، وكأنه يلمح إلى مكنونات سكنت عمق بواطنه، يقول إن رسم الورد على الورق أو على السيراميك والزجاج والكتان، ونقش مجسمات ومنحوتات من طين أصيل، والتفنن في الإبداع في لوحات ساحرة، ليس دوما يعني أنك مسرور وفرح مبتهج، ولا حزين بشدة فاقد لطعم اللذة والنشوة، بل هي تعني أنك بين موج من العواطف تتلاعب بك، وتخرج إلى الشاطئ معبرة عن مزاج ونفسيات تتألم في فرح، لأن الفن في كل صوره هو مثل جزيئات الهواء، نتنفّسها لكي نحيا ونعيش ما بقي لنا من أمل، في أن يستمر فننا ولوحاتنا وأعمالنا التشكيلية، ولا تقبر بين دفاتر «كان في يوم ما لدينامنتوج فني وفنانون».
«الشعب» اقتربت أكثر من الفنان الشاب وليد خليفي، وعادت تنقل تشريحه لمشاهد تراجع وشبه اختفاء للفن التشكيلي في كل صوره ولوحاته، وما الأسباب التي جعلت من هذا الأمر يصبح يحسب على رؤوس أصابع اليد الواحدة.
يرى «وليد» نجل الفنان الراحل عمار خليفي من أقبية مدينة البليدة، أن الفن المشكل في الوانه وصوره وأنواعه، أصبح لا يطعم صاحبه، بل بات «معيرة»، وأحيانا نضطر الى وضعه في النار لنتدفأ وينام صغارنا في جو دافئ، فعمل فني يتطلب وقتا وألوانا وأدوات وريشة جيدة، وصبرا في الأيام قد تصل أحيانا وأنت ترسم لوحة الشهر والشهرين وأكثر، وطيلة تلك الأيام عليك أن تنفق على صغيرك الرضيع وزوجتك في مطبخها، وإلا فستصاب بالجوع والبرد، والحيلة حتى تتفادى تلك اللوحة البائسة، عليك بالبحث على عمل والحصول أحيانا على تكوين ترتزق من ورائه، ويعود عليك بدنانير ولو قليلة لشراء الحليب والزيت والصابون والحفاظات، لمن يستطيع لصغير قد تبلل، ويكفي ولن تقدر على أن تحمل لعبة لولدك أو فاكهة طرية كل يوم، فالمورد قليلا، ويضيف بانه اضطر الى دهن بيوت الجيران والزبائن حتى يوفر مصروفا لاسرته، وما زاد قليلا فهو يحوله الى ميزانية ورشته بقبو دار والديه، وهكذا هي يومياته مع إبداعاته وأسرته.
انتهازيّون يساومون أهل الفن في لوحاتهم
ولا يتوقف الفنان الشاب وليد عند الماديات ونقصها وآثرها في تراجع الأعمال الفنية التشكيلية في هذه الأيام المتأخرة، إذ يزيد بأن الأطراف والجهات التي يفترض أن تقدم لهم ولو الدعم المعنوي، وتحتضن لوحاتهم ومنتوجاهم الفنية وتشجعهم بمعارض هي تديرها وتسيرها، فذلك أيضا ضربا من المستحيل، فإن لم تجتهد وتقتني آثار معارف لك، وتصرف بعض المال لعرض أعمالك في صالونات لمؤسسات خاصة، على هامش احتفالية أو عرض موسع، فلا فرصة لك في الظهور، ولا حتى بيع عمل واحد، ويقول في أسف إن ما يؤرقه بل ويغضبه ويزيد في حسرته وأسفه، أن فيه بعض الأنواع البشرية من لا تتحرج وتتجرأ، وقامت بعرض مال ودنانير مثيرة على بعض الفنانين التشكيليين لابتياع كل ما تنتجه قريحتهم وموهبتهم وخبرتهم، ولكن شرط أن «لا يوقعوا» على تلك اللوحات أو المزهريات أو غيرها من عمل مبدع هم يتكفلون بالباقي، ويعرضون «أعمالهم» والتي أصبحت تحمل توقيعاتهم هم، وهو ما قال عنه ووصفه بأنه غش، ليزيد بأنه يعرف غشاشين مثل هؤلاء، وكيف يبرعون في المساومة والاحتيال، على صاحب العمل وعلى الزبون في حد ذاته، ويكسبون من تلك الأعمال المال الكثير ولا يستحيون.
الاهتمام حتى يعود الفن إلى سابق عهوده...
ويختم وليد خليفي بأن فيه متسع من الوقت للعودة بالزمن الذهبي، وربما أفضل، وقليل من الاهتمام وكثير من التشجيع حتى يستقيم الوضع ويتحسن، وإذا كان السابقون يقدمون أعمالا جميلة دون ان يسالوا دينارا ولا صدقة، رغم حاجتهم وفقرهم، لأنهم كانوا يرون بأن كل ذلك ينصهر في حبهم لوطنهم «الجزائر»، والتضحية واجب وفرض عين، فاليوم هم أيضا يرون بأن ما تركه الأولون هو أيضا ينبع من حبهم للجزائر، ورفضهم الغش مع تجار الذمم، يحتاج فقط الى دفع لطيف من جهات مسؤولة، وذلك ليس مستحيلا، عملا لإنقاذ الفن وحبهم المرهف لوطنهم، وإن لم تعجل تلك الجهات في نجدتهم من الحاجة والعمل الآخر، فإن هجرانهم وتطليقهم لكل ما هو إبداع سيقبر بين دفاتر الأيام ويختفي.