أكدت الأستاذة والباحثة غزلان هاشمي في حديث لـ»الشعب» أن مهمة المعجم تتمثل في الحفاظ على الذاكرة اللغوية من الاغتيال اللغوي الذي تمارسه مؤسسات رسمية عالمية، في سبيل اختراق الهوية والكينونة والوجود، مضيفة أن تشجيع العامية وممارسة التهجين اللغوي في النصوص والمؤسسات والخطابات الرسمية، أدى إلى حصر اللغة العربية وتضييق الخناق عليها، وطالبت بضرورة إنشاء مجامع متخصّصة تهتم بتدارس المواضعات اللغوية، وبذل جهود كبيرة من قبل المؤسسات الرسمية ابتداء من المدرسة..
أشارت غزلان هاشمي أستاذة بجامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس، ورئيسة تحرير مجلة «جيل الدراسات الأدبية والفكرية الدولية المحكمة»، إلى «أن معجم اللغة العربية له أهمية كبيرة في محاولة الحفاظ على اللغة من الضياع والفساد، من خلال ضبط استعمالاتها وتقريب معانيها إلى المتلقي العادي في حال استشكالها بسبب تداولها في زمن ماضي بعيد، مؤكدة بأن المعجم منوط به مهمة الحفاظ على الأمن اللغوي في ظلّ صراع القوى غير المتكافئة أو في ظل التلاطم المؤدي إلى تراجع الفعالية الثقافية واللغوية أمام مركزية حضورية أحادية الشكل والمنحى». وقالت غزلان هاشمي بأن «مهمة المعجم إذن تتمثل في الحفاظ على الذاكرة اللغوية من الاغتيال اللغوي الذي تمارسه مؤسسات رسمية عالمية، في سبيل اختراق الهوية والكينونة والوجود ...، مضيفة بأنه حتى وإن كان الاعتماد عليه غير كاف لمثل هذه المهمة إلا أنه يخفّف من التهجين اللغوي وما يفترضه من حمولات إيديولوجية خطيرة مغايرة تماما للمسار الهوياتي».
اللغة العربية تراجعت اليوم بسبب الاختراق الغيري
وفي نظر غزلان، فإن اللغة العربية اليوم تراجعت بفعل عوامل عديدة من بينها الاختراق الغيري، ومحاولة فرض نموذج أحادي يدعي الاستيعاب من أجل الوصول إلى العالمية، مشيرة إلى أن تشجيع العامية إضافة إلى ممارسة التهجين اللغوي في النصوص والمؤسسات والخطابات الرسمية، أدى إلى حصر اللغة العربية وتضييق الخناق عليها. واعتبرت المتحدثة أن «العقل الاستعاري يسير وفق رؤية انبهارية واحدة، إذ تجد في كل غيرية رمزا للتحرّر والتطور والسمو، بينما تجد في الذات رمزا للتخلف والضعف والتراجع، وهذا في إطار جلد الذات الذي تحتمله المشاريع التغريبية الهادفة إلى انتهاك الهوية والذات واللغة، مؤكدة بأنه اليوم ظهرت نصوصا انتشرت بين النخبة استعملت الانتهاك بدعوى التعبير عن الثورة على النسق اللغوي، كونه معبرا عن ممارسة سلطوية أدت إلى استمرار سنين من الاستبداد الثقافي والاجتماعي واللغوي، قائلة بأنه لهذا السبب لا يمكننا الحديث عن الإبقاء على اللغة العربية بمرجعياتها وحمولاتها في خطاب النخبة»..
الفضاء الرقمي لا يعتمد الانتقاء
وعن مدى إمكانية الاعتماد على الفضاء الرقمي لنشر وتعميم المفردات العربية عالميا، أبرزت المتحدثة بأن الفضاء الرقمي فضاء تبادلي يُسهم في تنويع المعارف وفي رفع مستويات التلقي بفضل المتاحات الثقافية واللغوية المتعددة، قائلة بأنه لا يمكن إنكار دوره الكبير في نشر اللغة العربية وتعميمها وتسهيل تداولها من خلال منابر تواصلية وعلمية الكترونية مختلفة قد تصل إلى درجة الاحتراف والتخصص.
وطالبت الباحثة غزلان هاشمي بضرورة أخذ الحيطة من هذا الفضاء كونه لا يعتمد الانتقاء، إذ الجميع ينشر فيه على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية، لذلك لا يمكن اعتباره كافيا ـ حسبها ـ فهولا يستطيع لوحده الصمود في وجه التوالدات الاستعارية أو التصدي لمحاولات الخرق المتتالية، وبذلك لابد من جهود كبيرة من قبل المؤسسات الرسمية ابتداء من المدرسة.. غزلان هاشمي، قالت بأنه لا يمكنها أن تضيف جديدا للمقترحات التي تعرض في مختلف المؤتمرات والمنابر العلمية، لكن ما تود التأكيد عليه هو ضرورة إنشاء مجامع متخصصة تهتم بتدارس المواضعات اللغوية حول ظواهر إنسانية جديدة، على اعتبار أن معظم المصطلحات تحمل حمولات إيديولوجية خطيرة تتحيز إلى المحضن الثقافي الذي ولدت فيه، وهذا ما يُسهم في بناء شخصية عربية مستلبة مستعارة، مؤكدة بأن الانتقاء اليوم صار ضرورة ملحة في ظل التحديات القادمة، وهومالا تستطيع القيام به إلا مؤسسات متخصصة ورفيعة المستوى..
الابتعاد عن تداولها جعلها تنحصر في بطون الكتب والمراجع
وعن التحديات التي ما تزال تواجه اليوم اللغة العربية بصفة عامة، أكدت الأستاذة على عاملي الاغتراب والتشظي، مشيرة إلى أن نفور الأفراد منها والابتعاد عن تداولها جعلها تنحصر في بطون الكتب وفي المراجع الأكاديمية المتخصصة وفي مدرجات الجامعة، ناهيك عن التطور التكنولوجي الكبير، وما صاحبه من استعمال لغة هجينة تبتعد عن الرصانة وتعبر عن أزمة على مستوى الهوية وعن التشظي على مستوى الذات.
كما أنه مع استسهال النشر ـ تقول المتحدثة ـ بسبب هذه الفضاءات والذي أسهم في ظهور مقالات كثيرة لم تخضع للرقابة اللغوية والعلمية، مما جعلها تشيع الكثير من الأخطاء.. إضافة إلى ظهور الكثير من النصوص الأدبية التي اعتمدت الخرق والانتهاك بدعوى الانفتاح أو الاحتفاء بالعوالم المتعدّدة أو التعبير عن التمرد على النسق اللغوي والثقافي..