ونحن نكتب مقدمة مقالنا هذا، بلغنا خبر تتويج النص المسرحي «كفن البروكار» للكاتب الشاب محمد الأمين بن ربيع بالمرتبة الثانية في جائزة الهيئة العربية للمسرح، للنص المسرحي الموجه للكبار. ويأتي هذا التتويج بعد تتويج كل من الشابين يوسف بعلوج وكنزة مباركي، الأسبوع الماضي، في نفس المسابقة بنصين للأطفال.. نفس التفوّق شهدته مختلف الأجناس الأدبية، على يد جيل جديد يعالج ثيمات جديدة، ويتحدّث عن واقع مختلف بأدوات مختلفة، وينذر / يبشّر بتغيّر عميق في المشهد الكتابي / القرائي الجزائري.
لعلّ من نتائج هذا التألق الذي أشرنا إليه اعتراف أسماء أدبية كبيرة بمستوى التجارب الشابة، بل إن المسؤول الأول على وزارة الثقافة عز الدين ميهوبي، أشاد بأسماء صاعدة بعينها، وعمل على تشجيعها، كما أعطى الأولوية في النشر للأقلام المتألقة في مختلف الجوائز والمسابقات، التي كانت في أغلبها أقلاما شابة. فهل هو اعتراف على سبيل التشجيع أم أنه من بشائر تغير وتجدّد مشهدنا الأدبي؟
واسيني وبقطاش: مساندة وتشجيع
لنعد إلى رأي الأديب واسيني الأعرج، الذي لطالما أظهر علنا تشجيعه هذا الكاتب أو ذاك، وهو من بين الذين سبق لهم الترويج لأعمال كتاب أو باحثين شباب. وقد تطرّق واسيني، في آخر ندوة له على معرض صالون الجزائر الدولي للكتاب، عن إقبال الشباب على كتابة الرواية، وقال بصريح العبارة «إنها المرة الأولى في الجزائر التي نرى فيها إصدار قرابة 200 رواية أو أكثر في سنة واحدة»، وهو حسبه «دليل على وجود حركة ثقافية وروائية كبيرة».
وحينما يتحدث واسيني عن انبهاره بالكمّ، فإنه لا يتحدث بالضرورة عن القيمة الفنية، وإنما عن الحركة في حدّ ذاتها، التي اعتبرها «حركة إيجابية». وأضاف: «لقد قرأت بعض الروايات ووجدت أنها ذات مستوى محترم جدا، خاصة على المستوى العربي».
وللأديب مرزاق بقطاش رأي في الأمر كذلك.. وقد سألناه عن نظرته لما يقدّمه الجيل الصاعد من الكتاب، فعبّر عن سعادته بالجيل الشاب الذي يكتب باللغتين مع تركيز أكبر على اللغة العربية، «ما ألاحظه في هذا الجيل الجديد هو أنه متابع لما يدور في مجال الأدب في العالم، خاصة وأنه يتقن العديد من اللغات من العربية والفرنسية إلى لغات أخرى كالإنجليزية وغيرها، هم متابعون لمستجدات الأدب العالمي، وهذا أمر يسعدني كثيرا».
كما أكد بقطاش أنه يقرأ لعدد من الشباب، ورغم متاعبه البصرية حاليا إلا أنه يتابع الحركة الأدبية على المستوى الوطني، إلى جانب ما يقدمه كتاب جزائريون باللغة الفرنسية هنا وأيضا في فرنسا.
شنيتي: خطاب المجايلة اختفى
من جهته، اعتبر الإعلامي والكاتب يوسف شنيتي بأن السنين الأخيرة أبانت عن مشهد أدبي متجدّد في الجزائر، «مشهد لا يقصي أحدا رغم نوازع الغيرة الإبداعية بين الأجيال وهي فطرة في أهل القلم وصناع المعنى عبر التاريخ الثقافي.. مشهد حبل بأسماء جديدة في كافة الأجناس كالقصة والرواية والشعر وحتى النقد».
ورأى شنيتي بأن هذه الأسماء «ليست دخيلة ولا لقيطة، إنما أثبتت جدارتها من خلال الحضور الفاعل بالنشر والإصدار وبالتتويج في مختلف المحافل المحلية والعربية بجوائز مرموقة وباللغتين العربية والفرنسية»، مضيفا بأنه حضور ميزته كون كثير من هؤلاء الشباب «يكتبون باقتدار فني ويحفل متنهم السردي أو الشعري بالقيم التعبيرية والشعورية السامقة ناهيك عن القيم الفكرية.. أكثر من ذلك بدا المشهد تواصليا وبدون قطائع، وخف أو اختفى خطاب المجايلة المرضية التي تقصي الأوائل أو حتى خطاب الأبوة والاستعلاء كما كان في التسعينيات».
ولاحظ شنيتي بأننا نشهد اليوم «جزائر أخرى تولد من رحم الصراع القديم وتجاوز فيها الشباب عامل الادلجة السياسي واللغوي وحتى الديني»، وهو حسبه «مشهد جميل يقدم فيه كتاب مرموقون أسماء مبدعة وموهوبة تملك ناصية القول ودهشة البوح خاصة في الرواية والقصة القصيرة»، ومن ذلك ما فعله الروائي واسيني الأعرج مع أسماء معينة على سبيل الذكر فحسب وكذلك يفعل آخرون.
ويركز يوسف شنيتي على أهمية هذه العلاقة بين الأجيال، بعيدا عن العقد الأوديبية: «بقي فقط أن يتجاوز هؤلاء عقدهم الذاتية وعقدة الذي يقتل أباه لينتصر لأمه، لأن الساحة تسع الجميع والأهم هو هذا التواصل بين الأجيال من غير حسد أو استعلاء لأن لا أحد سينافس الآخر أو يزاحمه إلا ليرتقي الفن والتعبير خدمة للإنسان والضمير والمستفيد هو البلد ومستقبله»، يقول شنيتي، مضيفا: «كان أمين معلوف يحذر من القطائع الداخلية من خلال الهويات القاتلة فيما يشبه الاعتراف.. أما وقد تصالحنا مع هويتنا في التاريخ فإن الأولى أن يترجم ذلك إلى معمار سامق من الإبداع».