تطرقت الشعب مع كل من الناقد الدكتور عبد الحميد هيمة والأديب فيصل الأحمر إلى تقييم موضوعي لتجربة الكتابات الشبابية بسلبياتها وإيجابياتها، مع الإشارة إلى سبل دعم المواهب الشابة بعيدا عن أضواء مواقع التواصل الاجتماعي وانتهازية بعض دور النشر وتأثير ذلك في نفسية المبدع الشاب.
أوضح الناقد الدكتور عبد الحميد هيمة في حديث لـ»الشعب»، أن مرحلة الشباب تعدّ من أهم المراحل في تشكيل وعي المبدع بالكتابة الإبداعية وعلى هذه المرحلة يتحدّد مستقبل الكاتب والمبدع وتبرز شخصيته الأدبية حتى أن أجمل العطاءات تكون في هذه المرحلة ولعلّ من أهم ميزات مرحلة الشباب أنها مرحلة القوة والانطلاق والتمرد على القديم وعليها يتأسس مستقبل المبدع ومدى قدرته على الإضافة وإغناء التجربة الإبداعية، ولكن ما يؤسف له حقا حسبما ذكر محدثنا هو أن «نقدنا كثيرا ما يهمل كتابات الشباب»، وبشكل خاص النقد الأكاديمي الذي يركّز على التجارب الكبيرة وقلّما يلتفت إلى المبدعين الشباب بحجة عدم اكتمال التجربة.
واعتبر الدكتور هيمة، أن لهذا السبب ظلت الأسماء الكبيرة هي الأسماء المهيمنة على ساحة الفن والإبداع، كما دعا كل الباحثين والنقاد أن يتحمّلوا مسؤولياتهم ويهتموا بالشباب لمواجهة هذه الرداءة التي أخذت تستشري في الساحة الأدبية وتحديدا ظاهرة استسهال الكتابة الأدبية والجرأة على الأدب، مشيرا إلى أن معارض الكتاب أصبحت كالأسواق، فكل من هبّ ودبّ يحسب أنه شاعر ـ كما ذكر- وتطبع أعماله دون أي رقيب وتقام له جلسات التوقيع، ولذلك فإن هذا الأدب تواجهه تحديات كبيرة منها، عدم امتلاك بعض المبدعين للمرجعية التراثية وعدم تحكمهم الجيد من ناصية اللغة ولذلك اتجه الكثير من المبدعين إلى ضرب اللغة العربية وكسر قواعدها من خلال توظيف اللغة العامية، ناهيك عن سيطرة الغرور على بعض هذه التجارب ووقوعها في عقدة النرجسية المفرطة التي تفسد الأدب وتقتل الإبداع، بالإضافة إلى التضحية بالرهان الفني لصالح الرهانات المادية والتجارية والسعي نحو الشهرة فكلّ من يملك النقود يستطيع أن يطبع ما يشاء لأن أكثر دور النشر لا تمتلك لجان قراءة متخصصة وكانت النتيجة إغراق السوق بالأعمال الرديئة والضعيفة والمستعجلة التي تنتشر بشكل كبير، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تتيح لأي شخص أن ينشر أعماله بكل يسر وفي وقت وجيز وهذا يشكل أمامنا تحديا كبيرا لمواجهة هذه الكتابات الضعيفة وتوجيه الكتاب الشباب إلى الالتزام بالقيم الفنية والجمالية ودعوة النقاد لتحمّل مسؤولياتهم في مرافقة هؤلاء الكتّاب وتوجيههم الوجهة الصحيحة التي تخدم الإبداع وتطور الممارسة الأدبية.
إنشاء منابر نقدية للتعريف بالكُتّاب الجدد من متطلبات المشهد الثقافي
من جهته أكد الأديب فيصل الأحمر لـ»الشعب»، أنه «عندما نتحدث عن الإبداع والمبدعين، لا يمكننا إلا أن نرحّب بالحديث، فإذا كان حديثنا عن الشباب منهم تحديدا فإن الترحيب يصبح ضرورة تاريخية، لأن الأخذ بيد الشباب عند الأمم التي تفهم معنى الحياة، وترفع تحديات المستقبل وتحمل الهموم الحضارية هونوع ناجع جدا من الهندسة الجيدة للمستقبل».
وأوضح محدثنا أنه لطالما تطرّق في غير مكان وأكثر من مرة إلى أن الشباب قد فرضوا أنفسهم بطريقة سحبت بسرعة البساط من تحت الأقدام الكسولة للكبار، وأن ذلك تمّ بسلام وبسرعة، فقد صمّموا أفراحهم، وخلقوا طبقة هامة من القراء المتابعين الأوفياء، فالجيل الأدبي الجديد في الجزائر يتعامل مع الوسط الأدبي التقليدي بشكل سلس وخال من التشنج في محاولات ناجحة لخلق جبهات «مقاومة ناعمة» وفعّالة جدا.
مضيفا، «صدفة، أصبح لكتّاب دون الثلاثين موعدهم مع قراء يعدون بالآلاف؛ شيء لم يكن ممكنا لغير أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج وقلة مفرنسة قليلة ممن هم على صلة بجهات معينة تيسر لهم تنظيم صفوف القراء وتنظم لهم شؤونا يقضي الآخرون سنوات طويلة في ترتيبها وقلما تأتي على أكمل وجه.
نحن نعرف أن تكوين كثير من هؤلاء ضعيف جدا-يقول فيصل الأحمر-، وأن قراءهم ليسوا بالقوة الذهنية اللازمة لتنبيه الكاتب مباشرة ولأول مرة، فالعلاقة مع القراء هي علاقة مجاملة وحب غير محدود غير مشروط وقراء مواقع التواصل الاجتماعي لا يعوّل عليهم كثيرا في هذه الجوانب التقنية التي غالبا ما يرتبط بها صاحب المشروع الكتابي».
وهنا أشار إلى أن ما يراه مهما، هو ضرورة اعتناء المؤسسات الثقافية الرسمية ـ كوزارة الثقافة بحكم تقديمها لنفسها كراعية للنشاط الثقافي عموما والأدبي بشكل رئيسي، رعاية تملك الوزارة لأجل تحريكها وتفعيلها استعدادات مالية ضخمة، مؤكدا على أن الشيء الأكثر ضغطا في الوقت الحالي هو ضرورة إنشاء مجلات ومنابر إعلامية تشيع داخل هذا الفضاء المبني رأسا على المجاملة وتعاطي الماركيتينغ الأدبي دون أي اعتبار نقدي، ودون أي حضور لفكرة النقد أو مراجعة النفس.
لهذا، فالأكثر ضغطا حاليا لتدارك الأمر هو إنشاء منابر نقدية تعرّف بالكتّاب الجدد الذين نشأوا في الظلمات الحالكة لليل الجزائر، كما تبقى النقطة الهامة لتدارك وضع ينبئ بالكارثة، هو إحاطة الناشرين بسياج من القوانين والمذكرات الداخلية التي ترتب الشركاء وتنظم طريقة عملهم بعيدا عن التسيب الحاصل والاعتباطية التي لا تحمد عقباها.