عرف الدكتور عمر هارون بجامعة المدية التراث بأنه «خلاصة ما تُخلفه الأجيال السالفة للأجيال اللاحقة، سواء كان ماديا أوغير مادي وتتعلق بما يتركه الأجداد من آثار ثابتة ظلت باقية، من منشآت دينية وجنائزية كالمعابد والمقابر والمساجد والجوامع، ومبان حربية ومدنية مثل الحصون والقصور، والقلاع والحمامات، والسدود والأبراج، والأسوار، إلى جانب الآثار المتنقلة والمتمثلة في الأدوات المستخدمة في غابر السنوات، كما يوجد التراث المعنوي هوالآخر يعتبر كنزا لا يقدر بثمن مما يترك الأجداد لأحفادهم، سواء تعلق الأمر بالفلكلور الشعبي الحكايات والخرافات .
تساءل الإعلامي هارون قائلا: هل نملك متاحف تستنطق تراثنا المادي والمعنوي فتصنع منتوجا يجلب الزوار ويحفزهم على اقتنائه؟ أم أنشأنا قاعات لعرض البقايا النادرة والثمينة التي خلفها أجدادنا على مرّ الحقب التاريخية؟.. هل نكتفي أن تكون متاحفنا منارات تاريخية للمحافظة على تراثنا المادي واللا مادي م نسعى لجعلها أقطابا حضارية وثقافية وسياحية تساهم إلى جانب دورها الرئيسي في حفظ التاريخي وترقيته إلى دفع الاقتصاد الوطني نحوالأمام؟.. هل استثمرنا في المدن التاريخية التي تعتبر متاحف مفتوحة على الطبيعة على غرار جميلة ورابيدون وأشير، أم فرطنا فيها؟ وأضاف مجيبا على تساؤلاته: «إن السياحة التاريخية هي من أهم الأنواع الجاذبة للسياح وللعملة الصعبة، فيكفي أن نقول أن تاج محل بالهند يجلب سنويا حوالي 2.5 ملون زائر، وأهرامات مصر تجلب حوالي 03 مليون سائح، مثلهم مثل قصر الحمراء بإسبانيا، في حين أن برج إيفل يحصي حوالي 07 مليون سائحا أما سور الصين العظيم فيزوره سنويا 09 ملايين سائح، إن كل هؤلاء الزوار يقصدون بالدرجة الأولى معالم التراث المادي الموجود في هذه المدن والمواقع، للسحر الذي تخفيه في تفاصيلها»، مؤكدا في هذا الصدد أن الحجم المهول من السواح قادر على تقديم مداخل كبيرة للدول التي تستغل هذا النوع من السياحة، خاصة أن أغلب هذه المعالم ليس في صالات العرض بل موجودة في الهواء الطلق وتكاد لا تكلف الحكومات شيء، فإن مرافقة هذا باستثمار في التراث اللامادي يخلق تكاملا قادرا على الرفع من عوائد هذه الدول، ولا يجب أن تكون الجزائر استثناء وهي تحصي عدد مهول من المواقع التراثية التي يصنف بعضها ضمن التراث الدولي».
إعادة النظر في طرق عرض وتقديم التراث
أوضح هاورن قائلا أنه «بمقارنة مرتادي المتاحف الوطنية المخصصة لعرض المنتجات التاريخية بالدول الغربية وما تدره من أموال، فإن ذلك يعتبر ضعيفا جدا حيت يصل العدد المسجل في أحسن الأحوال إلى النصف مليون زائر سنويا. وعلى اعتبار أن ما يوجد في متاحفنا للأسف هو منتجات نمطية غير مغرية للزوار، فنحن نعرض مختلف الحقبات التاريخية التي مرت بها الجزائر في شكل ستاتيكي غير تفاعلي وغير قادر على جلب اهتمام جيل جديد تمرس في زمن التواصل الاجتماعي وانغمس حدّ الثمالة في عالم التكنولوجيا.
الأمر، يضيف هارون قائلا: « يجعل القائمين على العرض المتحفي مجبرين على تغيير أنماط التعامل مع عرض المواد التاريخية في متاحفنا، لتتلاءم مع الأجيال الجديدة، هو أمر يحتاج أيضا إلى تكوين القائمين عليها، من خلال التأكيد على تنمية مهارات العاملين وقدراتهم التواصلية، مما يحولهم من مجرد عمال في قطاع إلى أدوات جلب وجذب للسياح والزائرين، مع توفير الموارد المادية اللازمة».
تحويل الجزائر إلى وجهة سياحية
أمر لا يحتاج الإرادة
اعتبر متحدثنا في سياق آخر، «أن السياحة الثقافة تمثل 40 بالمائة من رقم السياحة العالمية والسائح المثقف سخي بشدة مقارنة بباقي الأنواع الأخرى من السياح، وهذا ما يجعل السياحة تساهم بأكثر من 09 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي في تونس و10 بالمائة في المغرب في حين أنه لا يتجاوز 02 بالمائة في الجزائر. وإن يزورك سنويا ما بين 10 إلى 11 مليون سائح، كما يحدث مع تونس والمغرب أمر كفيل بإحداث ثورة في الاقتصاد الوطني، خاصة من ناحية رفع قيمة العملة الوطنية، وهو ما سيخلق تحسن مهول في الرفاهية العامة للجزائريين كون القدرة الشرائية ستتحسن بشكل مهول في فترة زمنية قصيرة.
وأشار هارون «أن تحويل الجزائر إلى وجهة سياحية أمر لا يحتاج لأكثر من الإرادة، لأن جبالنا وصحارينا متاحف مفتوحة قادرة على جلب الملايين من السياح، مختتما بأن الاعتزاز بالتراث المادي واللامادي أمر ضروري، فضلا على أن استغلال هذا الإرث والتعريف به واجب وضرورة لا يمكن التنصل منها بل يجب أن نقوم به تخليدا لمن سبقونا، لكون أنه واقع محتوم سيجعلنا دون أن نعي نستفيد ماديا ونبني اقتصادا قادرا على تغيير نمط الحياة في الجزائر والرقي به إلى أعلى المراتب».