يتحدث السيد ماريك سكوليل سفير ورئيس مفوضية الاتحاد الأوربي بالجزائر عن مسار اتفاق الشراكة بين الجزائر و الإتحاد الأوربي، فيؤكد ضرورة تحديد أولوية القطاعات التي تطمح في تطويرها وتعميق إصلاحاتها وأبدى اهتمامه الكبير بتجربة الجزائر الأمنية الرائدة، ولم يخف رغبة الاتحاد الأوروبي في الاستفادة منها، معتبرا أن الجزائر شريك لديه الأفضلية، ويلعب دورا محوريا في استقرار المنطقة.
يسلط السفير وممثل الاتحاد الأوروبي بالجزائر الضوء على مستقبل الشراكة مع الجزائر في حوار خص به “الشعب الإقتصادي”.
الشعب: كيف يمكن تكريس اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي؟
-السفير ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي ماريك سكوليل: أعتبر أن الشراكة بين الإتحاد الأوروبي والجزائر قائمة ومكرسة بالنظر إلى وجود تقاليد مشتركة في مجال التعاون والنتائج المحققة في هذا الإطار طيلة 35 سنة كاملة من الشراكة بين الطرفين.
ودون شك فإن اتفاق الشراكة الذي جمعنا بالجزائر في الفترة الممتدة من 2002 و2005 يعكس الإرادة القائمة، وفي الوقت الراهن نتفاوض ونتحادث حول أولويات الجزائر التي تكمن في تحديد المجالات التي يمكن أن تعكف على تطويرها من خلال الاتفاق للمشاركة في سياسة دول الجوار، ومن ثم توسيع صادراتها ووارداتها باتجاه هذه الدول.
واتفاق الشراكة لا يعني منطقة التبادل الحر وحدها لأنه يتضمن عدة أبعاد من ضمنه البعد التجاري، كونه إتفاق إطار لا يقتصر على التبادل التجاري بقدر ما هو إتفاق عمل بين الشريكين، ولدينا في الاتحاد الأوروبي إتفاقات شراكة مع العشرات من الدول وهدفنا واحد لا يتغير مع طرف كوننا نركز في عملنا على المعايير التقنية والتعاون في المجال الاقتصادي.
ألا ترى أن واردات الجزائر مازالت مرتفعة مقارنة مع احتشام في حجم صادراتها خاصة باتجاه دول الاتحاد الأوروبي؟
حصة صادرات دول الاتحاد الأوروبي من الطاقة الجزائرية معتبرة لأنها لا تقل عن سقف 55 بالمائة، ومن جانب آخر ما تغير أن الجزائر رفعت من مستوى وارداتها بما يتطلبه اقتصادها الذي اتسع ويسير نحو النمو. والمناخ الذي يجمعنا يتسم بالتقارب المتبادل لأننا نتعاون في المجال الاقتصادي وأدائنا يحترم المعايير الضرورية في أي مسار شراكة، ويمكن أن نتقارب كذلك حتى سياسيا لأننا دول تقع في الضفة المتوسطية وتربطنا علاقات الجوار يجب أن نستغل ذلك بشكل جيد في إطار الشراكة القائمة.
وفرة في الموارد ونقص في التكنولوجيا
ما هي السبل التي يمكن من خلالها أن تفعل الجزائر مسار شراكتها مع دول الإتحاد الأوروبي خاصة من خلال الرفع من نجاعة اقتصادها؟
الجزائر لا تحتاج إلى موارد مالية أو ثروة بشرية، لأن لديها ما يكفيها من قدرات وإمكانيات، لكنها بحاجة ماسة إلى العصرنة وتحويل التكنولوجيا في عدة مجالات تقنية، وأذكر في هذا المقام وجود شق للتعاون في اتفاق الشراكة ينص على عدة مسائل تقنية قد تتعلق بالمنافسة والعدالة وأمور تقنية أخرى في جميع المجالات التزم بها الإتحاد الأوروبي في اتفاقه.
والاتحاد الأوروبي مستعد أن يتقاسم ويتبادل تجاربه المتعددة مع الجزائر في ظل الإمكانيات المتوفرة لتحويل التقنيات المكرسة المسطرة من خلال الأهداف، وهذا سينعكس بطبيعة الحال كذلك على تقارب في المجال السياسي وعلى صعيد الأسواق.
واتفاق الشراكة يتفعل أكثر من خلال تعميق الاصلاحات، وعلى الطرف الجزائري تحديد أولوياته بدقة والقطاعات التي تتطلب أن تشملها الاصلاحات وتحتاج إلى تطوير وتأهيل أكبر ويشرع في ذلك، حتى تستفيد بشكل جيد من مسار الشراكة، لأن الإتحاد الأوروبي له اتفاقات شراكة مع العشرات من الدول وإرادته واحدة مستعد العمل مع الجميع لأن التقارب عن طريق الشراكة الاقتصادية سيسفر عن تقارب في جميع المجالات الأخرى.
هل لدى الاتحاد الأوروبي استعداد لمرافقة دول المغرب العربي في بناء تنظيمهم الإقليمي للاستفادة من التجربة الأوربية باعتبارها نموذجا واقعيا؟
•نشجع اندماج دول المغرب العربي وعلى استعداد لتقديم كل الدعم بهدف التكامل الإقليمي للمغرب العربي ومرافقته، ولدى الاتحاد الأوروبي علاقات ثنائية مع الدول الثلاثة ويتعلق الأمر بالجزائر وتونس والمغرب الذي يعرف مساره تقدما بينما مع ليبيا الوضع معقد نوعا ما، وشرعنا في العمل مع موريتانيا، وذلك راجع إلى تاريخ كل دولة وإرثها الماضي، ولا أخفي عليك أن هناك تأخر يجب تداركه من طرف هذه الدول.
والإتحاد الأوروبي في شراكته ينطلق من المجال الاقتصادي والخدمات على غرار المنظومة المصرفية، وتوجد إمكانية تطوير علاقاتنا مع هذه الدول خاصة على الصعيد الجهوي، ويمكن أن نبدأ من النشاط الاقتصادي والطاقة والخدمات، وليس صعبا أن تثمر علاقات التعاون والشراكة وتتطور على الصعيد الجهوي في عدة مجالات أذكر منها النقل والنظافة والتجارة والحماية المدنية والتربية والتشغيل.
ويبقى الأمر بأيدي الدول المعنية حتى تقرر ما هي الأمور التي تحرص على تطويرها لنقدم خبرتنا هل قطاع التربية أو العدالة..أو
للجزائر مؤسسة عسكرية احترافية
بالنظر إلى ما تتوفر عليه الجزائر كيف ترون حظوظها لتتحول إلى قوة اقتصادية إقليمية؟
•للجزائر جميع المقومات لتبرز كقوة اقتصادية جهوية بالنظر إلى مواردها المالية والبشرية المعتبرة رغم وجود بعض المعوقات، ومن بين ما يميزها خاصة أمنيا، توفرها على مؤسسة عسكرية قوية احترافية، لا يمكن لأي كان، أن يثير تساؤولا بشأنها.
وفوق هذا وذاك الجزائر لديها كفاءات خارج الوطن يمكن استغلال ذلك، وما يجب تسليط الضوء عليه وجود صعوبة في الوقت الراهن في انفتاح الاقتصاد الجزائري الذي مازال بشكل نسبي محدودا بسبب مخلفات الإرث التاريخي، وثقل القطاع العمومي لأنه يستحيل أن نؤسس لاقتصاد ناجع بالاقتصار على الاقتصاد العمومي الذي قد تظهر فيه مشاكل البيروقراطية.
كيف تتصورون سبل توصل الجزائر إلى إحداث الإقلاع الاقتصادي الذي تنشده؟
- في البداية كما قلت يجب تحديد القطاعات التي تعتزم تطويرها وما هي الأمور التي يجب أن تفعل، حتى ينفتح الاقتصاد الجزائري بصورة أكبر، من هنا يتسنى للاقتصاد الجزائري الاندماج جهويا على اعتبار أن المسؤول والاقتصادي الجزائري على وعي وفي ظل تنوع الأسواق، ولا يجب أن يتوقف الأمر عند الخطاب السياسي.
ماذا عن الشق الأمني هل يوجد مشروع تعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي؟
- اتضح أن الشق الأمني بالغ الأهمية ويعد من الأولويات في المنطقة، يجب التحادث حوله، لكن الأولوية كذلك في الاقتصاد بالنظر إلى تحديات التشغيل التي تواجهها جميع البلدان، وهنا يجب إثارة سؤال جوهري.. ما هو مستقبل التشغيل للبلدان؟..والأمر يتطلب نمو اقتصادي وهذا لا يتجسد عن طريق المحروقات من أجل استحداث مناصب الشغل، ولأنه ليس الدولة من تستحدث مناصب الشغل بل المسؤولية تسند على عاتق المؤسسة الإنتاجية.
وعلى الصعيد الأمني أعود إلى تصريح وزير الخارجية الجزائري لعمامرة الذي قال أن الجزائر مصدر للخبرة الأمنية لأنني أتفق معه في ذلك، ولأننا جد مهتمين للعمل والتعاون مع الجزائر في هذا الاطار، لتوفرها على مؤسسات أمنية ناجعة، وتحذونا إرادة في الوقت الراهن لتعزيز التعاون في المجال الأمني، وربما سيكون ذلك عن طريق إبرام اتفاقيات مع الجزائر.
بخصوص الهجرة نحو دول الاتحاد الأوروبي وفي ظل ما يطلق عليه بـ«الربيع العربي»، هل سطرتم سياسة جديدة أم بحوزتكم مشروع إعادة النظرة في تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا على وجه الخصوص؟ -دون شك نود تسهيل حركة الأشخاص لكن في إطار منظم، لأن الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي لها الحق في مراقبة حركة الأشخاص التي تتدفق عليها من الدول على غرار الجزائر لأنها من دول المنطقة. وتتطلب جديتنا في خلق الفضاء الأورومتوسطي تسهيل تنقل الرسميين ورجال الأعمال والفنانين والطلبة وما إلى غير ذلك، والإرادة قائمة بالنظر إلى وجود سلسلة من التنظيمات لتنقل الأشخاص عبر 20 بلد تابع للاتحاد الأوروبي ضمن فضاء “شنغل” والذي يعد الإطار الجيد للشركاء.
وفي ظل الانتظار المحسوس للاستفادة منه، يتطلب ذلك إبرام اتفاقات، لأنه للجزائر أن توقع اتفاقياتها مع كل دولة على حدى، وإذا رغبت أن توقع اتفاقا مباشر، ومنح ضمانات حتى يكون تحرك الأشخاص وإقامتهم منتظمة.
ما هو مستقبل الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي؟
الجزائر تعد أكبر سوق، وكثافتها السكانية لا تقل عن 37 مليون نسمة، والجزائر تلعب دورا مهما في استقرار المنطقة ونعتبرها شريكا يحظى بالعديد من الامتيازات وله مكانته الخاصة، في ظل إرادتها السياسية واتصالها مع العالم الخارجي تترجمها الزيارات العديدة للمسؤولين لعدة دول لها، وتحذونا إرادة قوية وبحرارة شديدة للتعاون مع الجزائر وتقاسم خبرة الاتحاد الأوروبي مع هذا البلد الجار في منطقة البحر المتوسط، وأتوقع أن يجمعنا مستقبلا استراتجيا واعدا من حيث تفعيل التعاون وتقوية الشراكة.
وفي ظل الإرادة السياسية المشتركة بين الطرفين تبقى ضرورة العمل على أرض الواقع حتى يتفعل المسار وتثمر الشراكة.