التزام بالاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد وقطع الطريق أمام جرائم المال
هيئـات دستورية رقابيـة مستقلــة لحمايــة المـال العام والشفافيـة لغـة المشتركـة
قطيعـة مـع الممارســات اللامسؤولــــة التـي استهدفــت الاقتصــاد الوطنـي
مجلــس المحاسبـة يلعب دورًا محوريًــا في ضمـان الشفافيــة في تسيـير الشـأن العـام
الأجهزة الأمنية.. جدار الصّد لكل محاولات النيل من مقدرات الشعب
لم يتوقف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ أول يوم تولى فيه رئاسة الجزائر، عن توجيه رسائل قوّية للمفسدين، متوعدًا بملاحقتهم دون هوادة، داخل الوطن وخارجه، في معركة مفتوحة لاستعادة هيبة الدولة وحماية المال العام، ولم تكن تلك الوعود مجرد شعارات ظرفية، وإنما كانت إرادة سياسية مترجمة فعلياً على أرض الواقع، عبر مسار إصلاحي غير مسبوق مسّ مختلف مفاصل الدولة.. إصلاحات ممنهجة، مسّت جميع مجالات الحياة العامة، وأسّست لتفاعل تشريعي صارم، يهدف إلى تجفيف منابع الفساد وقطع دابر التلاعب بالمال العام.
كان دستور 2020 أول حلقات التحوّل الجذري الذي أحدثه برنامج الرئيس، حيث حمل في مواده تعديلات جوهرية ضمنت استقلالية المؤسسات الرقابية والدستورية، ومنحتها صلاحيات فعلية لفرض سلطان القانون بعيدًا عن أي وصاية سياسية أو تدخل خارجي، ولم تكتف الجزائر بالمستوى الداخلي، بل وسّعت نطاق الحرب على الفساد إلى المستوى الدولي، من خلال المصادقة على المواثيق والاتفاقيات الأممية الخاصة بمحاربة الفساد، ما أتاح لها الانخراط الكامل ضمن المنظومة الدولية لملاحقة المتورطين في نهب المال العام، حتى خارج الحدود الوطنية. وهي الخطوة مكنت الدولة من استرجاع أموال منهوبة وملاحقة شخصيات مطلوبة لدى العدالة الجزائرية بتهم فساد ثقيلة.
وشدّد الخبير في الشؤون القانونية، موسى بودهان في اتصال مع “الشعب”، على أهمية الشفافية في تسيير الشأن العام وأخلقة الحياة العامة. كأداة تعتمدها جميع دول العالم لمحاربة الفساد وحماية المال العام. مؤكدا أن الجزائر ومن خلال مختلف الآليات الدستورية والمؤسساتية والميكانزيمات القانونية حرصت على حماية المال العام، كما حرصت على إدماجه في تسيير شؤونه من خلال تعزيز الديموقراطية التشاركية، وبناء مجتمع مدني حر ونشيط، إضافة إلى تطهير المحيط الإقليمي والإدارة المحلية.
ولقد أدركت الجزائر أهمية إدراج الشفافية ضمن المنظومة الإصلاحية التي أعلن من خلالها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، القطيعة مع الممارسات اللامسؤولة التي استهدفت الاقتصاد الوطني وطالت المؤسسات الوطنية، لتصبح المعيار رقم واحد لتفعيل الحكم الراشد. فقد كشف منذ برنامجه الانتخابي سنة 2019 عبر التزاماته 54 عن خطة حربه على الفساد والمفسدين، معتمدا في ذلك على منهج إصلاحي واضح المعالم، تجسّد في تكريس الديموقراطية والفصل الحقيقي بين السلطات وتعزيز الصلاحيات الرقابية للمؤسسات المخولة بمتابعة الفعل الإداري، من بينها البرلمان، المحكمة الدستورية، الهيئة المستقلة للانتخابات، السلطة العليا للوقاية من الفساد ومكافحته، واحترام التزامات الجزائر مع الاتفاقيات المبرمة مع مختلف الهيئات الدولية.
دســتور 2020.. نــواة الإصــلاح
وتفصيلا لما سبق، حرص موسى بودهان على الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية حرص على أن تكون ثورته الإصلاحية جذرية ومعمقة، مستهدفا أول ركيزة للبناء المؤسساتي، وكانت البداية – يواصل بودهان - من مراجعة الدستور باعتباره بوصلة تسيير شؤون البلاد وتأطيرها، مراجعة شاملة تتضمن شحنات كبيرة من الشفافية وأخلقة الحياة العامة، كأول خطوة تجسد التزاماته 54، تمت المصادقة عليها في نوفمبر 2020.
ولقد تطرق دستور 2020 في ديباجاته إلى العلاقة التي تربط الجزائر بمختلف الهيئات القانونية الدولية، وما تنص عليه من اتفاقيات ومعاهدات، لا سيما تلك المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، تأكيدا على محاربة الفساد ومحاصرة بؤره داخليا وخارجيا، لاستئصاله نهائيا، في هذا الإطار، ثمّن بودهان ما ورد في ذات الديباجة في الشق المتعلق بالتعبير صراحة عن تمسك الجزائر بالعمل على الوقاية من الفساد ومكافحته وفقا للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها.
الشعـب فاعــل أساسي..
وبما أن محاربة الفساد مسؤولية جماعية لا تقع على عاتق الدولة وحدها، بل يشارك فيها جميع مكونات المجتمع، أشار بودهان إلى المادة 9 من الدستور، التي تنص في فقرتها الأخيرة صراحة على حرية اختيار الشعب لمؤسساته، باعتبارها أداة لحماية الاقتصاد الوطني من مختلف أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة، أو التعسف، أو الاستحواذ، أو التهريب.
وفي السياق ذاته، تنص المادة 10 على التزام الدولة بتفعيل دور المجتمع المدني في تسيير الشؤون العمومية. ويشدّد المتحدث على ضرورة أن يكون هذا الإشراك فعليًا وميدانيًا، لا شكليًا أو صوريًا، كما أشار إلى المادة 16، التي تؤسس للفصل بين السلطات وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنص صراحة على منح الشعب حق الرقابة العمومية، بما يعزز الديمقراطية التشاركية، أما المادة 25، فتؤكد بصرامة على ضرورة إخضاع كل من يستغل النفوذ أو يسيء استخدام السلطة لأحكام القانون، في إطار سد منافذ الفساد وتجفيف منابعه.
الاستقلاليــة الرقابيـة أوّل المعايـــير..
وأكد الخبير القانوني موسى بودهان أن مراجعة الدستور لم تكن خطوة معزولة، بل مثلت حجر الأساس لإطلاق إصلاحات عميقة تهدف إلى ترسيخ الشفافية، وتعزيز الرقابة المؤسساتية، وتجفيف منابع الفساد من داخل بنية الدولة ذاتها. وأشار إلى أن المواد الدستورية الممتدة من 199 إلى 204 كرّست آليات رقابية جديدة، وفعّلت مؤسسات قائمة، مانحة إياها استقلالية واضحة وصلاحيات موسّعة لممارسة دورها في الرقابة والمساءلة.
وفي هذا الإطار، سلط بودهان الضوء على مجلس المحاسبة الذي وصفه بأنه يلعب دورًا محوريًا في ضمان الشفافية في تسيير الشأن العام، وتكريس مبادئ الحكامة الرشيدة، ومكافحة الفساد، وأخلقة الحياة العامة. وبيّن أن المجلس يتمتع باستقلالية تامة ولا يخضع لوصاية أي جهة، حيث يضطلع بمهامه بالتنسيق مع السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وأضاف أن ضمان استقلالية هذا الجهاز الدستوري تجسّد في تحديد عهدة رئيس مجلس المحاسبة، المعيَّن من طرف رئيس الجمهورية، بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، ما يحدّ من إمكانية التأثير السياسي على عمله ويوفر له الحياد المؤسسي الضروري لأداء مهامه.
كما أشار بودهان إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات باعتبارها أحد أبرز مكاسب الإصلاح الدستوري، مشددًا على أن القانون العضوي 01/21، المتعلق بنظام الانتخابات والمعدل والمتمم، يُعدّ إطارًا قانونيًا واضحًا لإبعاد المال عن السياسة ومنع تغوّله في الحياة العامة. وأوضح أن هذا القانون يتضمن نصوصًا صريحة تفرض حظرًا مطلقًا على التواطؤ المالي داخل الفعل السياسي، ويعاقب المخالفين بأحكام جزائية وردت بوضوح في الباب الثامن، المخصص للجرائم الانتخابية والعقوبات المرتبطة بها.
واعتبر المتحدث أن استقلالية هذه الهيئة تتجلى في الشروط التي يفرضها القانون على أعضائها، وفي مقدمتها عدم انتمائهم لأي حزب سياسي أو تكتل، بما في ذلك رئيسها الذي يُعيَّن من طرف رئيس الجمهورية لعهدة واحدة غير قابلة للتجديد. وهو ما يمنح الهيئة مصداقية إضافية في الإشراف على العمليات الانتخابية وتنظيف الفضاء السياسي من المال الفاسد.
وفي سياق متصل، لفت بودهان إلى أن المحكمة الدستورية تُعدّ حجر الزاوية في منظومة الرقابة العليا، مؤكداً أنها تضطلع بدور أساسي في مكافحة الفساد، وحماية الحقوق والحريات، وفرض سلطان القانون. كما اعتبرها الضامن الأول لدستورية القوانين وشرعية مؤسسات الدولة، مشيرًا إلى أنها تنسق مهامها مع باقي الهيئات المستقلة لتعزيز الشفافية، وردع كل أشكال الانحراف في تسيير الشأن العام.
مواثيـق لضبـط أخلاقيـــات المهـن..
حرص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ تولي الحكم، على ترسيخ دولة القانون وتثبيت شرعية أدائها، من خلال تأطيرها بمنظومة قانونية محفزة على التنمية، وضامنة للمصلحة العليا للبلاد.
وفي هذا الإطار، يؤكد بودهان أن رئيس الجمهورية نجح في تجديد الإطار الأخلاقي للحكم، من خلال إرساء مدونات خاصة بأخلاقيات المهنة ومواثيقها، خاصة في المناصب العليا بمختلف قطاعات الدولة.
ومن بين أبرز الخطوات التي تعكس هذا التوجه، أشار بودهان إلى ما تحقق في قطاع الإعلام، بعد صدور القانون العضوي المنظم للصحافة المكتوبة والإلكترونية، وآخر متعلق بالإعلام السمعي البصري، حيث تم التأكيد على ضرورة احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة.
كما صدرت مدونة لأخلاقيات المهنة في قطاع الصحة، وأخرى في قطاع التربية، إلى جانب مدونات مماثلة في قطاعات حيوية أخرى، تُحدد نطاق الصلاحيات والمسؤوليات، وتؤسس لمنظومة سلوك وظيفي تحكمها الشفافية والانضباط.
العدالـة والمالية.. نــقـاط انطـلاق
وبالعودة إلى الحديث عن المال العام، ومختلف القرارات الجريئة التي اتخذها رئيس الجمهورية من أجل الحفاظ على أموال الشعب واسترجاع تلك المنهوبة، في هذا الصدد فتح بودهان قوسا، ليثمّن وفاء رئيس الجمهورية بوعده باسترجاع الأموال المنهوبة، مستدلا بعدد المصانع التي تمت مصادرتها وتأميمها وضمها رسميا إلى مختلف الدوائر الوزارية على غرار مصالح وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني التي استرجعت 23 مصنعا، كما تم ضم 4 فنادق مصادرة إلى مصالح وزارة السياحة، و4 محطات بنزين مصادرة إلى المؤسسة العمومية “نفطال”، إضافة إلى الأموال المسترجعة من البيع بالمزاد العلني لممتلكات الأفراد المتورطين في قضايا فساد أوشكت على التسبب في انهيار الاقتصاد الوطني، تم ضخها بالخزينة العمومية.
العدالة بدورها، يقول بودهان، تشكل حلقة قوّية لبسط سلطان القانون لردع التجاوزات، واستقلاليتها شرط للإصلاح الشامل للعدالة بهدف تحديثها وضمان استقلاليتها، من خلال اعتماد عدة إجراءات، على غرار العدالة الإلكترونية، مراجعة أساليب عمل الهيئات القضائية وفرض عدالة التعامل بين الجميع. ولا تقتصر الرقمنة على قطاع العدالة فحسب، بل أصرّ رئيس الجمهورية من خلال استحداثه للمحافظة السامية للرقمنة على تعميم استعمالاتها في تسيير الحياة العامة من أجل احصائيات شفافة ودقيقة.
الأجهــزة الأمنيـة .. عُيـون ساهـــرة
وفي خضم المشهد الإصلاحي الذي يؤسس حقيقة لجزائر جديدة، وما حققته من إنجازات في تطهير ما لوثته الأيادي الآثمة التي أجرمت في حق المال العام وعبثت به، لا يمكن أبدا التغاضي أو التنكر لمجهودات الجيش الوطني الشعبي من خلال مديرياته الأمنية، حيث نوّه موسى بودهان، بالدور القوّي والاحترافية العالية التي أظهرتها أجهزة الجيش الوطني الشعبي في محاربة الفساد.
من جهة أخرى، أشاد بودهان بدور وسائل الإعلام في كشف الفساد وتسليط الضوء على مختلف القضايا التي تمس بممتلكات الدولة والشعب. كما نوّه بالدور الذي تلعبه المساجد كنواة للإصلاح المجتمع ومنابر للنهي عن المنكر، وما أشنعها من منكرات تلك الجرائم التي ترتكب في حق الاقتصاد الوطني. فدور الإمام لا يقلّ عن دور الإعلامي، ومثلهما القاضي والإطار السامي، والمواطن البسيط، والمجتمع المدني...تفاعل أخلاقي ومسؤولية مشتركة يتقاسمها الجميع وتصّب ضمن مسعى رئيس الجمهورية في بناء جزائر منتصرة، أموالها وحدودها تحرسها أيدي أمينة.