اليونيسف تصــدر تقريرهـا حـول حالـة أطفال العـالم.. وتحـذّر:

آثــــار كوفيــد19 على صحة الأطفال العقلية ستتواصل لسنــوات

أسامة إفراح

 390 مليار دولار قيمة المساهمات الاقتصادية المهدورة سنويا بسبب اضطرابات اليافعين العقلية

أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» تقرير حالة أطفال العالم لعام 2021، الذي تطرّق بشكل رئيسى إلى تعزيز الصحة العقلية للأطفال وحمايتها ورعايتها. وحمل التقرير، وهو أكبر دراسة تُعدّها اليونيسف حول الصحة العقلية للأطفال واليافعين، معلوماتٍ وأرقاماً «مخيفة»، حيث أشار إلى أن الأطفال واليافعين «قد يشعرون بتأثير كوفيد19 على صحتهم وعافيتهم العقليتين لسنوات عديدة مقبلة». فيما تبلغ المساهمات الاقتصادية المهدورة بسبب اضطرابات الصحة العقلية بين اليافعين 390 مليار دولار سنوياً.

 حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، في تقريرها الرئيسي الذي أصدرته هذا الأسبوع، من أن الأطفال واليافعين قد يشعرون بتأثير كوفيد19 على صحتهم وعافيتهم العقليتين لسنوات عديدة مقبلة. ووفقاً لتقرير، فقد تحمّل الأطفال واليافعون، حتى قبل الجائحة، عبء اعتلالات الصحة العقلية في ظل غياب أي استثمارات كبيرة لمعالجتها.
أكبر دراسة حول صحة الأطفال العقلية
ونشرت اليونيسف تقريرها «حالة أطفال العالم لعام 2021؛ بالي مشغول: تعزيز الصحة العقلية للأطفال وحمايتها ورعايتها» (ON MY MIND : Promoting, protecting and caring for children’s mental health) الذي يعتبر أكبر دراسة تُعدّها المنظمة حول الصحة العقلية للأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية في القرن الحادي والعشرين.
وجاء التقرير، الذي اطلعنا على نسخة منه، باللغة الإنكَليزية، في 262 صفحة، وقسّم إلى ستّ فصول، إضافة إلى جداول إحصائية. وعلى سبيل المثال، قدّم الفصل الرابع من التقرير نظرة شاملة عمّا يعانيه العالم من اختلالات، على غرار الفقر، والتمييز، والأزمات الإنسانية، وتأثير جائحة كوفيد19 على الصحة العقلية، ومع إشارة خاصة إلى التكنولوجيا الرقمية وعلاقتها بالصحة العقلية. فيما تطرّق الفصلان الخامس والسادس، على التوالي، إلى ما يتمّ القيام به من مبادرات في هذا الصدد، وإلى الإطار المقترح للجانبين العملي والاتصالي فيما يتعلق بالصحة الذهنية لهذه الشريحة، حيث تدعو اليونيسف إلى الالتزام والتواصل والعمل لتعزيز الصحة العقلية الجيدة لجميع الأطفال، وحماية المعرضين منهم للخطر، ورعاية الأطفال الذين يواجهون أكبر التحديات. والالتزام هو تعزيز القيادة للاتفاق بين مجموعة متنوعة من الشركاء والجهات المعنية على أهداف واضحة وضمان الاستثمار في الحلول وفي البشر في مجموعة من القطاعات. أما التواصل فيعني كسر حاجز الصمت المحيط بالصحة العقلية، ومعالجة الوصم، وتحسين المعرفة بالصحة العقلية، وضمان الاستماع إلى آراء الأطفال واليافعين والأشخاص ذوي التجارب الحية.
فيما يعني العمل تقليل عوامل الخطر على الصحة العقلية وزيادة عوامل حمايتها في المجالات الرئيسية من حياة الأطفال، فضلاً عن الاستثمار وتطوير القوى العاملة من أجل دعم الأسر والوالدين والقائمين على الرعاية، وضمان دعم المدارس للصحة العقلية، وتقوية العديد من الأنظمة والقوى العاملة وتجهيزها لمواجهة التحديات المعقدة، وتحسين البيانات والبحث والأدلة.
أرقام مثيرة للقلق
وفقاً لأحدث التقديرات المتوفرة، يعاني أكثر من 1 من كل 7 مراهقين من الفئة العمرية 10–19 سنة في العالم من إصابة باضطراب عقلي تم تشخيصه. كما يتوفى زهاء 46 ألف مراهق في العالم جراء الانتحار سنوياً (بمعدل مراهق كل 11 دقيقة) وهو يشكل واحداً من أكبر خمسة أسباب للوفاة في صفوف هذه الفئة العمرية. وتستند هذه التقديرات إلى بيانات من التقديرات الصحية العالمية لعام 2019، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وفي الوقت نفسه، ثمة فجوات واسعة ومستمرة بين الاحتياجات والتمويل في مجال الصحة العقلية. وقد وجد التقرير أن حوالي 2 بالمائة من الميزانيات الحكومية الصحية في العالم يُخصص للإنفاق على الصحة العقلية. (وتستند تقديرات انتشار اضطرابات الصحة العقلية التي تمّ تشخيصها إلى دراسة العبء العالمي للمرض لعام 2019 الصادرة عن معهد القياسات الصحية والتقييم الصحي).
ونقل بيان صحفي للمنظمة قول المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور: «لقد كانت الأشهر الـ 18 الماضية طويلة جداً لنا جميعاً ـ وخصوصاً الأطفال. فمع الإغلاقات العامة والقيود على الحركة بسبب الجائحة، أمضى الأطفال سنوات لا تُنسى من حياتهم بعيداً عن أسرهم وأصدقائهم وغرفهم الصفية وعن اللعب ـ وهذه جميعاً عناصر رئيسية من الطفولة بحد ذاتها. إن التأثير كبير، وما هو سوى غيض من فيض. فحتى قبل الجائحة، كان العديد من الأطفال يتحملون عبء قضايا الصحة العقلية التي لم يتم التصدي لها. ولا تُخصِّص الحكومات سوى استثمارات ضئيلة لمعالجة هذه الاحتياجات الحاسمة. ولا يولَى اهتمام كافٍ للعلاقة بين الصحة العقلية والنتائج المستقبلية للحياة».
أثر «كوفيد» ليس ببعيد..
وبالفعل، تسببتْ الجائحة بضرر كبير، فوقفاً لنتائج مبكرة من استقصاء عالمي أجرته اليونيسف و»معهد غالوب الدولي» شمل أطفالاً وراشدين في 21 بلداً ـ ويورد تقرير حالة أطفال العالم لعام 2021 استعراضا لهذا الاستقصاء ـ أفاد ما معدله 1 من كل 5 يافعين من الفئة العمرية 15 ـ 24 سنة ممن شاركوا في الاستقصاء بأنهم عادة ما يشعرون بالاكتئاب أو أن لديهم اهتماماً قليلاً بالقيام بأنشطة.
ونشير هنا إلى أن نتائج الاستقصاء بشأن شعور اليافعين بالاكتئاب واهتمامهم القليل بالقيام بأنشطة هي جزء من دراسة أكبر أجرتها اليونيسف و»معهد غالوب الدولي» لدراسة الفجوة بين الأجيال. وقد أُجريت مقابلات مع حوالي 20 ألف شخص عبر الهاتف في 21 بلداً في إطار «مشروع الطفولة المتغيّرة». وتستند جميع العيّنات إلى الاحتمالات وتُمثل الوضع على الصعيد الوطني لفئتين مميزتين في كل بلد: الأفراد من الفئة العمرية 15-24 سنة والأفراد الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة. وقد شملت المساحة التي غطتها الدراسة البلدان بأكملها، بما في ذلك المناطق الريفية، ويمثل إطار العينات جميع المدنيين من غير القاطنين في مؤسسات رعاية ضمن كل فئة عمرية ومن الذين يتمكنون من استخدام الهاتف. وينتظر أن تَنشُر اليونيسف النتائج الكاملة للمشروع في نوفمبر المقبل.
وتستمر وطأة جائحة كوفيد19 (التي تدخل سنتها الثالثة) على الصحة والعافية العقليتين للأطفال واليافعين. فوفقاً لأحدث البيانات المتوفرة لدى اليونيسف، تأثّر ما لا يقل عن 1 من كل 7 أطفال في العالم تأثراً مباشراً بالإغلاقات العامة، فيما عانى أكثر من 1.6 مليار طفل من قدرٍ ما من خسارة التعليم. وأدى تعطيل الروتين اليومي والتعليم والترفيه، إلى جانب الانشغال بشأن دخل الأسرة وصحتها، إلى دفع العديد من اليافعين إلى الشعور بالخوف، والغضب، وإلى الانشغال بشأن مستقبلهم.
على سبيل المثال، تناول تقرير حالة أطفال العالم استقصاءً جرى عبر شبكة الإنترنت في الصين في بدايات عام 2020، ويشير الاستقصاء إلى أن حوالي ثلث المجيبين أفادوا بأنهم يشعرون بالخوف أو القلق.
كلفة اجتماعية واقتصادية ثقيلة
من الممكن أن تؤدي اضطرابات الصحة العقلية، التي يجري تشخيصها، إلى أضرار كبيرة على صحة الأطفال واليافعين وتعليمهم، والنتائج التي يحققونها في الحياة، وقدرتهم على كسب الدخل، ومن بين هذه الاضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط، والقلق، وطيف التوحد، والاضطراب الثنائي القطب، واضطرابات السلوك، والاكتئاب، واضطرابات الأكل، والإعاقات الذهنية، والفصام.
وفيما يتعذر حساب حجم التأثير على حياة الأطفال، فقد خلص تحليل جديد أجرته كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ويستشهد به تقرير اليونيسف، إلى أن المساهمة المهدورة في الاقتصادات والناجمة عن الاضطرابات العقلية التي تؤدي إلى الإعاقة أو الوفاة بين اليافعين تُقدَّر بـ 390 مليار دولار سنوياً.
ما يجب القيام به
من جهة أخرى، يشير التقرير إلى أن «مزيجاً من العوامل المتصلة بالجينات والخبرات والبيئة تعمل منذ الأيام المبكرة في الحياة على تشكيل الصحة العقلية للأطفال وتؤثر عليها على امتداد حياتهم»، ومن بين هذه العوامل، يمكن أن نذكر: التنشئة، والتعليم المدرسي، ونوعية العلاقات، والتعرّض للعنف أو الإساءات، والتمييز، والفقر، والأزمات الإنسانية، والطوارئ الصحية على غرار جائحة كوفيد19.
وأضاف التقرير أنه من شأن عوامل الحماية، مثل وجود مقدمي الرعاية المحبّين، والبيئات المدرسية الآمنة، والعلاقات الإيجابية مع الأقران، أن تساعد على الحد من خطر حدوث الاضطرابات العقلية. بالمقابل، حذّر ذات التقرير من عوائق كبيرة (على غرار نقص التمويل) تمنع العديد من الأطفال من التمتع بصحة عقلية إيجابية أو الحصول على ما يحتاجونه من دعم.
من أجل ذلك، دعا تقرير اليونيسف الحكومات والشركاء من القطاعين العام والخاص إلى «الالتزام بتعزيز الصحة العقلية لجميع الأطفال واليافعين ومقدمي الرعاية، وأن يتواصلوا ويتصرفوا بشأنها، وإلى حماية المحتاجين للمساعدة، ورعاية الأشد ضعفاً بينهم»، وهو ما يمكن تفصيله في النقاط التالية:
أولا، الاستثمار العاجل في الصحة العقلية للأطفال والمراهقين في جميع القطاعات، وليس فقط في قطاع الصحة، لدعم النهج القائم على المجتمع بأكمله في مجالات الوقاية والتعزيز والرعاية.
ثانيا، إدماج وتوسيع التدخلات القائمة على الأدلة على امتداد قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية ــ بما في ذلك برامج تنشئة الأطفال التي تشجّع الرعاية الحانية والمستجيبة ــ ودعم الصحة العقلية للوالدين ومقدمي الرعاية؛ وضمان أن المدارس تدعم الصحة العقلية من خلال الخدمات الجيدة والعلاقات الإيجابية.
ثالثا، كسر الصمت المحيط بالأمراض العقلية من خلال التصدي للوصم وتعزيز فهم أفضل للصحة العقلية والتعامل بجدية مع تجارب الأطفال واليافعين.
واعتبر المديرة التنفيذية لليونيسف، هنرييتا فور، أن «الصحة العقلية هي جزء من الصحة البدنية ــ وليس بوسعنا أن نستمر في اعتبارها غير ذلك. فقد شهدنا منذ مدة طويلة، وفي البلدان الغنية والفقيرة على حدٍ سواء، قدراً قليلاً من الفهم وقدراً قليلاً من الاستثمار في العناصر الحاسمة التي تعمل على زيادة إمكانات كل طفل إلى الحد الأقصى. ويجب أن نغيّر هذا الوضع».
في الأخير، يجدر التركيز على دعوة اليونيسف إلى «كسر الحواجز» وفهم الصحة العقلية، حيث «يمكن قياس مستوى عجزنا عن معالجة قضايا الصحة العقلية بمدى استعداد المجتمعات للتحدث عنها أو فهمها. فالخوف من الكلمات القاسية والضحك وسوء المعاملة التي تؤكد وصمة العار المحيطة بالصحة العقلية تجعل من الصعب على الأطفال والمراهقين والقائمين على الرعاية التعبير عن مشاعرهم».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024