تباينت آراء المواطنين حول الاستحقاقات المحلية المقبلة المصادفة لـ ٢٩ من نوفمبر الجاري في الوقت الذي تسارع الأحزاب السياسية الـ ٥٣ من بين ٥٧ حزبا الزمن لوضع الرتوشات الأخيرة لحملتها الانتخابية عبر عقد آخر اللقاءات مع اللجان الولائية المكلفة بالتحضير للانتخابات.
يجمع كل من احدثنا اليه أن الانتخابات المحلية هذه تختلف عن نظيراتها في كونها اتسمت بالبرودة وعدم الحركية واللامبالاة ما جعلها تتميز باللاحدث، مرجعين ذلك إلى ضعف برامج الأحزاب والمرشحين وكثرة الانشقاقات التي أفقدت مصداقيتهم لدى المواطنين وكشفت عيوبها ومدى هشاشتها.
هي آراء لمواطنين من مختلف الأعمار والمستويات رصدتها «الشعب» في جولتها الاستطلاعية بالعاصمة عشية انتخابات المجالس الشعبية الولائية والبلدية حيث اختلفت بين مشارك وعازف عن المشاركة وهي معادلة تأرجحت بين مصرّ على أداء الواجب الانتخابي وهم المسنون في حين سجلنا تأكيدا لدى الشباب لاسيما منهم الطلبة بالعزوف وكأنه صراع بين جيلين جيل متمسك بالواجب وجيل مكرس للقطيعة.
تمسك بأداء الواجب الانتخابي
وفي هذا الإطار، أكد لنا كل من عمي «أمحند» و«عبد النور» متقاعدان إلتقيناهما في شارع «ميسونيي» أنهما عازمان على المشاركة في الانتخابات المقبلة والإدلاء بصوتيهما كاشفين عن هوية الحزب الذي حاز على ثقتهما والمتمثل في حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية «الأرسيدي»، غير أنهما أبديا تأسفهما لعزوف الشباب عن المشاركة.
وأرجع عمي «عبد النور» عدم مشاركة هذه الفئة الحيوية إلى المشاكل التي تتخبط فيها لاسيما الجامعيين كالبطالة ما ولّد لديهم شعور بأنهم غير معنيين بالانتخابات في ظل غياب التكفل بقضاياهم المهنية والاجتماعية واعتبارها توابل انتخابية فقط.
وهو ما أكدت عليه الحاجة «يمينة» هي الأخرى حيث ربطت مشاركتها بتوفير مناصب عمل لابنيها الجامعيين حيث يعمل أحدهما بنّاء والآخر «حمّال» لدى تاجر جملة بالحميز هذان الأخيران أنهكتهما مشاكل الحياة حسب والدتهما، ولم تشفع لهما حتى شهاداتيهما العليا.
شباب يعتبرها لا حدث
وفيما يتعلق برأي الشباب، فقد بات موقفهم من أي استحقاق انتخابي معروفا إلا أننا أصرّينا على أخذه ومناقشته معهم، فكانت البداية بالطلبة حيث تؤكد أمينة متخرجة ـ مؤخرا ـ في تخصص البيولوجيا وصديقتها زينب أنهما غير مكترثتين بما يجري في الساحة السياسية من أحداث ولا المواعيد، مشيرتين إلى أنهنا لم ينتخبا في حياتهما ولا يمتلكان حتى بطاقة انتخاب.
وأرجعت أمينة لا مبالاتها إلى عدم اقتناعها بأي برنامج وعدم إيمانها بحدوث اي تغيير لان الأحزاب لا تتقن سوى الكلام وإطلاق الوعود التي لم تتجسد لحد الساعة على ارض الواقع، مشيرة إلى أنها ستشارك مستقبلا وستدلي بصوتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة لأنها حاسمة وتؤثر في تقرير مصير البلاد، لا سيما في حال ترشح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لأنه الوحيد الذي حاز على ثقتها.
نفس المنطق والموقف خاطبنا به جمال وهو طالب ماستير تخصص علاقات دولية انه ليس معنيا أبدا بهذه الانتخابات لأنها لا تعبر ـ حسبه ـ عن المستوى الحقيقي للنخبة التي تتوفر عليها الجزائر، مشيرا الى ان الاحزاب لحد الساعة لازالت تركض وراء الكرسي ولا تدرك انه ليس لها أي شرعية رغم التزوير ورغم الانضواء تحت مظلة التكتل او حتى في القوائم الحرة كلها لا تمتلك برنامجا فعالا وإنما تستنسخ برامجها من أحزاب أخرى أو تستوردها من دول اخرى وهو ما جعلها بعيدة كل البعد عن الواقع الجزائري.
من جانبه أوضح يوسف صاحب الـ ٢٨ ربيعا، موظف، عن موقفه بصراحة مستدلا بقوله ـ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ)، مشيرا الى كل المرشحين كذابين وأن ولا واحد منهم يحوز ثقته بما فيها الأحزاب الإسلامية، التي قال عنها : «إنها غرقت في التكالب على الكراسي».
الاستحقاقات للتخلص من الشرعية الثورية
وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه أحلام ذات ٣٣ سنة ـ بائعة بأحد المتاجر بساحة أول ماي ـ التي لم تنتخب يوما ولن تنتخب لأنها لا تؤمن بحدوث أي تغيير في ظل استمرار المشهد السياسي الحالي ونفس الوجوه والأحزاب والتصور.
وفي المقابل، يرى كمال ذو ٣٦ عاما ـ الذي يعمل كإسكافي ـ أن الاستحقاقات المقبلة لا تمثل له شيئا، إلا أنه أعرب عن أمله في إحداث تغيير من خلال تفطن الأحزاب إلى اعتماد كفاءات جامعية بدل الاصطياد من هنا وهناك أو الاعتماد على الشرعية الثورية، فالمستوى العلمي له دور كبير في إقناع المواطنين، لاسيما في إقناع الشباب، فإتاحة فرصة لأقرانهم الجامعيين في احتلال مواقع في المجالس الولائية والبلدية كفيل بحثهم على الذهاب لصندوق الاقتراع وتغيير نظرتهم.
وأشار كمال في هذا السياق، الى أنه لا يمكن الاستمرار في منح مقاعد المجالس لمجاهد أو لابن شهيد فقط بالاعتماد على الشرعية الثورية، فهذه الفكرة تجاوزها الزمن، فقد حان الوقت لاتاحة الفرصة للشباب لولوج عالم السياسة لأنهم الأقدر على قيادة قاطرة المستقبل مع احترامنا للجيل السابق فهو قاد حرب التحرير وعلى الشباب قيادة معركة التنمية.