ترفض الظّلـم وترافع لأجل حرية الشّعوب.. الدكتـور حكيم بوغرارة يكتـب لـ “الشعـب”:

الجزائــر المنتصرة.. مرجعيّـة التّحرّر العليـــا

بقلم: الدكتور حكيم بوغرارة

تعتبر الجزائر مرجعا للتحرر بالنظر لما أحدثته ثورتها ضد الاستعمار من صدى عالمي في العصر الحديث، فبات تاريخها وثورتها يدرس في عديد الجامعات والمعاهد العالمية والإقليمية للاستفادة من المناهج والقيم والمرجعيات، التي جعلت الجزائر تقهر أعتى القوى الاستعمارية وحلف الناتو معها.

 وما زاد من الاستلهام من الثورة الجزائرية والاهتمام بها أكثر هو مواصلة الجزائر بعد الاستقلال مباشرة وعلى قلة مواردها المالية والاقتصادية بعد 5 جويلية 1962، وصعوباتها الاجتماعية بالنزر للتركة الاستعمارية الثقيلة، إلا أن أول القرارت التي اتخذتها إنشاء مكتب دعم حركات التحرر في مختلف دول العالم، حيث شغل قيادته المجاهد الراحل جلول ملايكة (1928 - 2015)، وقام بعمل كبير من خلال العمل على توفير الدعم اللوجستي والمالي والبشري لمختلف حركات التحرر عبر بقاع العالم.
وبقدر ما كانت الجزائر سببا في استقلال كثير من الدول بعد أن عجز الاستعمار الفرنسي ومعه الناتو في قمع وكسر عزيمة الجزائريين في طريقهم للاستقلال والحرية، فنالت عديد الدول الإفريقية التي كانت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الاستقلال في 1960، وهو ما جعل العالم اليوم يمنح الجزائر وسام قلعة الثوار، أو قبلة الثوار. الجزائر التي استلهم منها نيلسون مانديلا الذي زار معسكرات ثوار الجزائر في 1960 على الحدود، ورمز النضال في غانا “نيكروما”، و«باتريس لومومبا” الكونغولي، و«سنكارا”  البوركينابي والكثير من الأحرار في افريقيا، ووظفوا صمود ومقاومة وثورة الجزائر في رفع تحديات أوطانهم، وكذا القارة الإفريقية التي اكتشفت أن استقلالها كان شكليا في الكثير من المجالات، فأعلنت تلك الشخصيات وكثير منها حرب استكمال الاستقلال بدعم من الجزائر التي لم تتوقف يوما في التحسيس والتوعية بضرورة القضاء على جذور الاستعمار بعد القضاء على الاستعمار، وما زالت القضية متواصلة إلى يومنا هذا من خلال تمكّن الجزائر والكثير من الأحرار من طرد بقايا الاستعمار، الذي خرج من عديد أقطار إفريقيا وهو يجر أذيال الهزيمة والخيبة، وانكشفت مخططاته التدميرية للاقتصاد والاستقرار السياسي والاجتماعي والثقافي الإفريقي والعربي انتقاما من رغبة الشعوب في التحرر، واسترجاع السيادة والاستقلال على القرار.
وكان للجزائر دور بارز في سبعينيات القرن المضي في تخليص جزر الرأس الأخضر، أنغولا، موزمبيق، غينيا، ساوموتومي، وبرانسيب من الاستعمار البرتغالي، واحتضنت مختلف حركات التحرر وقادتها في إحدى أعقد وأنجح عمليات استكمال تحرير القارة الإفريقية من الاستعمار، وعرفت نهاية الستينات كذلك استقبال حركة الفهود السود الأمريكية التي كانت تناضل الميز العنصري والاضطهاد في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، متحدية الأنظمة الامبريالية والضغوطات فقط من أجل مبدأ دعم المظلومين، والتنديد بكل السلوكيات التي لا تتماشى والفطرة البشرية.

لا استقــــلال بــــدون فلسطــــين..

أكّد قادة الجزائر في بداية الثورة أن استقلال الجزائر لن يستكمل إلا باستقلال فلسطين، وهو مبدأ وموقف جزائري رسمي وشعبي، وهو ما يعكس تبني الجزائر لمبدأ الحرية والتحرر إفريقيا وعربيا وعالميا، فالمرجعيات الجزائرية الدينية والحضارية، ومن باب تجريبها للاستعمار لا تتوانى أو تتأخر في تبني قضايا التحرر حتى لو كانت بعيدة جغرافيا وحضاريا وعقائديا مثلما حدث مع تيمور الشرقية والصين وفيتنام.
وتعتبر فلسطين استثناءً في دبلوماسية الجزائر، حيث تتعامل الجزائر مع الفلسطينيين دون قيود أو شروط في توفير ما تحتاجه القضية الفلسطينية، وهذا ليس مقتصرا على العصر الحديث فالتاريخ يسجل أن صلاح الدين الأيوبي في القرن 12 طلب الدعم من الجزائر لمواجهة وصد الحملات الصليبية على فلسطين، وأرسلت الجزائر جيشا تحت قيادة أو شعيب الغوثي، وأبلى البلاء الحسن وكان خير سند في مواجهة النيل من المقدسات الإسلامية، وهو ما جعل الفلسطينيون يمنحون باب المغاربة كوقف لمجهودات الجزائريين والأحرار في تحرير القدس، وحتى ذراع أبو شعيب الغوثي التي بترت في القدس تدفن هناك، كما أن قادة الثورة الجزائرية أصدروا شعارا ما زال يتم تداوله إلى غاية اليوم “لا استقلال للجزائر دون استقلال فلسطين”، وهو دليل بأن المقدسات الإسلامية وفلسطين على وجه الخصوص، ستبقى القضية المحورية للجزائر، وهو ما أثبته التاريخ بداية من دعم الجزائر  للحروب العربية ضد الكيان الصهيوني (1967 - 1973)، وتوفيرها للدعم اللوجستي والعسكري والبشري، الأمر الذي جلب لها الكثير من الأعداء والمتآمرين انتقاما من مواقفها ودعمها، وتعرضت الجزائر حتى للخيانة من الكثير من ضعاف النفوس بسبب انتقادها ورفضها للخيانات والاستسلام، والخنوع لأعداء الأمة.
ومن مجازر صبرا وشتيلا في لبنان، وطرد المقاومة الفلسطينية والتضييق عليها في عديد الأقطار العربية بسبب ضغوطات الغرب وبعض الدول العربية، احتضنت الجزائر كتائب المقاومة بعد 1986 ردّا على الغدر الذي تعرض له الفلسطينيين.
وتحدّت الجزائر الجميع في نوفمبر 1988 باحتضان كل الفلسطينيين من أجل إعلان قيام دولتهم الفلسطينية من أرض الجزائر، في مشاهد مزلزلة قضت مضاجع الصهاينة ومن شايعهم، وهو ما جلب الكثير من الأعداء والمتربصين بالجزائر، التي تم اعتبارها عدوة الامبريالية والتي يصل بها الأمر إلى رهن مصالحها مقابل أن تنال الشعوب حريتها واستقلالها.
وخاضت الجزائر عبر المنابر الإقليمية والدولية حروبا غير مباشرة مع الكيان الصهيوني دبلوماسيا من خلال فضح جرائمه ومخططاته، فطردته في العديد من المرات من الاتحاد الإفريقي، وعرته أمام العالم في الأمم المتحدة خاصة في الفترة التي كانت فيها الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن (جانفي 2024 - ديمسبر 2025)، حيث تزامن انتخاب الجزائر مع عملية طوفان الأقصى التي انطلقت في 7 أكتوبر 2023، وكان دور الجزائر مفصليا في لعب دور الناطق الرسمي باسم فلسطين، وقيادة حملة دولية لكسب الدعم والتضامن، وساهمت الجزائر في إقناع عديد العواصم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار إسبانيا ومالطا والنرويج وإيرلندا وحتى السويد سابقا، وكانت السند في الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
وما زالت الجزائر متمسّكة عبر خطاباتها ومشاريع القرارات التي طرحتها للمصادقة في مجلس الأمن، كما ساهمت في تشكيل الرأي العام العالمي عبر المسيرات التي أسقطت السرديات الصهيونية والغربية، وجعلت القضية الفلسطينية على رأس أولويات العالم.

مع حق تقريــر المصــــير بالصّحـراء الغربيــة

من القضايا التّحرّرية التي ما زالت الجزائر تضعها على رأس الأولويات، القضية الصحراوية والتصدي للمخططات العالمية المتشابكة التي تستهدف عرقلة تطبيق حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، فمنذ 1975 تاريخ التآمر على الصحراء الغربية ومحاولة النظام المخزني بإيعاز من الصهاينة والفرنسيين الاستيلاء على الصحراء الغربية بالقوة، أعلنت الجزائر مساندتها ودعمها للإخوة الصحراويين، في مسعى استرجاع بلادهم واستقلالهم وسيادتهم دبلوماسيا وإنسانيا.
وخاضت الجزائر مع الإخوة الصحراويين مسارات مهمة إلى غاية وقف إطلاق النار الذي كان في 1991، وإطلاق ما يسمى مخطط بيكر، الذي تم التوقيع من خلاله على وقف إطلاق النار، والتحضير لعملية تنظيم استفتاء تقرير المصير.
ولكن، التحولات اللاأخلاقية التي عرفتها العلاقات الدولية بعد انهيار المعسكر الشرقي، تم التلاعب بالقضية الصحراوية وحاولوا قتلها بالوقت من خلال التنصل من الالتزامات الأممية، ومحاولة تبديل القرارات الأممية بمشاريع ومخططات تنحاز للطروحات المغربية وأوهامها، فظهر أوهام “الحكم” الذاتي” و«الموائد المستديرة”، ومحاولة إقحام الجزائر وموريتانيا من أجل البحث عن أوراق لإطالة أمد الصراع، وتييئس الصحراويين من الوصول للاستقلال وكسر شوكة وعنجهية النظام المخزني، الذي تنازل للصهاينة عن سيادة أراضيه من أجل فقط حشد الدعم لمشاريعه الوهمية.
وتمكّن الدعم الجزائري في المنابر الدولية من كسب كثير من الأصدقاء والمتضامنين مع القضية الصحراوية، آخرهم مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جو بولتون، الذي كتب مقالات مزلزلة للخيانة العالية للقضية الصحراوية، وهو ما سيكون ورقة قوية لتمكين الصحراويين من مواصلة النضال وكسب الحقوق، خاصة بعد عودتهم للكفاح المسلح في نوفمبر 2021، ما جعل المغاربة يعانون الولايات ويتكتمون عن خسائرهم بالنظر لرفض الشعب المغربي وحتى الجيش المغربي الانخراط في حروب يثيرها المخزن فقط للبقاء في مناصب النهب والخيانة.
إنّ الجزائر التي تمكّنت من زرع القيم والمثل الإنسانية من خلال ثورتها جعلت من التحرر ودعم الشعوب المستضعفة غاية سامية لا تحيد عنها، الأمر الذي جلب لها الكثير من المتآمرين والأعداء، ولكنها قالت في العديد من المرات لن يوقفنا شيء في طريق التحرير والإنسانية.
 أستاذ الإعلام والإتصال بجامعة المدية / إعلامي سابق بجريدة “الشعب”

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025