خـبراء متفائلــون ومنظمات مهنيــة تثمّن عـبر “الشعـب”:

نهايــة عهـد البيروقراطيـة والفســاد و”الطرابانـدو”

فايزة بلعريبي

زيـادة الأجـور ومعاشـات التقاعـد ومنحــة البطالـة.. سابقـة تاريخيـة

تحسين معيشـة المــواطنين ورفـع القــدرة الشرائيــة.. مكسب استثنــائي

تصحيـح الاختـلالات.. انفتــاح علـــى النظـام المـــالي العالمــي وتثمـين المكتسبــات  

مسدور: التقليـــص من السيولـة ومكافحة الجـرائم الماليــة لتطهـــير منــــاخ الأعمــــال

روبعي: كفــاءة الأنظمــة الماليـة داعــم للنمـو الاقتصادي المستــدام

بودربــة: المنظومـة الماليــة جاهزة اليــوم لمرافقـــة إستراتيجية الاقتصـاد المنتــج

حظيت المنظومة المالية الجزائرية، باعتبارها حجر الزاوية لكل بناء اقتصادي، باهتمام خاص من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمخضت عنه تغييرات جذرية وتعديلات طالت قوانين مالية ومصرفية، عمرّت لما يزيد عن عقدين من الزمن، يرفض المنطق الاقتصادي التجاوب معها لعدم مواكبتها للنظام المالي الدولي. التغيير كان جذريا وعلى قدر التكامل والتداخل القوّي بين مختلف المواد القانونية، كانت النتائج الميدانية مترجمة في أداء اقتصادي غير مسبوق من حيث المنحنى التصاعدي للأرقام وقيمة الخدمات المصرفية التي كانت دوما لصالح المتعامل الاقتصادي. كما ركزت الإصلاحات على تحصين آليات عمل الهيئات المالية ذات الأهمية الحساسة، على غرار البنك المركزي الذي استفاد من صلاحيات أوسع لتعزيز أدائه، خاصة ما تعلق بالتصدي للجرائم المالية.

 خاضت الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ خمس سنوات معركة بناء اقتصادي يعتمد على التحرّر والتنوّع، بدل الاتكالية على الاستيراد والريع النفطي، وقد أعدّت لذلك من العدّة التنظيمية والهيكلية، ما مكّن من تحقيق مؤشرات اقتصاد كلّي، جعلت الهيئات والمؤسسات المالية الدولية تعترف بصلابة الاقتصاد الجزائري اليوم. ومن أهم محطات الإصلاحات المعمقة التي عرفها المشهد الاقتصادي ببلادنا، تلك التي مسّت قطاع المالية بشكل يجعل منه نموذجا ماليا قادرا على مواكبة التطوّرات الاقتصادية العالمية. حيث تم الحرص على عصرنته، ودعمه بفروع بنكية متواجدة بالعديد من العواصم الإفريقية، وببنوك رقمية، وكان قد صدر بالجريدة الرسمية في هذا الصدد، نظام لبنك الجزائر يحدّد الشروط الخاصة للترخيص بتأسيس واعتماد وممارسة نشاط البنك الرقمي، كإجراء يشكّل قفزة رقمية نحو تحسين كفاءة الأنظمة المالية وتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية، مما يدعّم النمو الاقتصادي المستدام.  حيث يقدّم البنك الرقمي خدمات مصرفية رقمية عكس البنوك التقليدية، بالمقابل سيمكن استحداث البنوك الرقمية من المساهمة في توسيع التجارة الإلكترونية، تحويل ودفع الأموال عن بعد، وضمان خدمات مالية ومصرفية على مدار 24 ساعة، فضلا عن تحقيق الأمان المالي وشفافية المعاملات المصرفية وإمكانية منح قروض للمؤسسات الاقتصادية لتسهيل حركية رؤوس الأموال.

أدوات ماليــة عصريـــة في خدمة الاستثمـــــار..

وفي السياق اغتنم رئيس المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، منير روبعي فرصة الاتصال مع “الشعب”، ليثمن الإصلاحات المالية التي بلغت مرحلة متقدّمة، مستندا إلى ما صرّح به وزير المالية بوالزرد أمام البرلمان، مؤكدا أن ذات المنظمة تعتبر هذا التطوّر خطوة إستراتيجية في مسار بناء اقتصاد وطني قوّي ومتوازن، قائم على الشفافية، والنجاعة، وجاذبية الاستثمار. تتمثل أبرز محطات هذه الإصلاحات، وأضاف روبعي: في تحديث وصدور قانون النقد والصرف، والذي من شأنه أن يفتح المجال أمام أدوات مالية حديثة، ويعزّز استقلالية البنك المركزي، ويواكب التحوّلات الاقتصادية الوطنية والدولية. هذا التعديل -بحسبه- يحمل في طيّاته ديناميكية جديدة لتطوير القطاع المصرفي، وتشجيع التمويل الإنتاجي، وتحسين رقابة السوق النقدية، الأمر الذي بات حتميا نظرا للأهمية الكبيرة التي يكتسيها النظام المصرفي والدور الذي يلعبه في تمويل الاقتصاد الوطني عبر تنويع وتعزيز المنتجات المالية.
وأشار روبعي إلى أن عصرنة النظام المصرفي ورقمنته ستسمح بتحقيق الشمول المالي وزيادة نسبة الادخار إضافة إلى امتصاص السيولة المتواجدة خارج النظام المصرفي.
وبالمقابل، ستمكن عملية العصرنة - التي تسابق وزارة المالية الزمن من أجل تعميمها على مستوى جميع مديرياتها والمؤسسات المصرفية التابعة لها، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون - من توفير خدمات الدفع الالكتروني أو الخدمات “عن بعد”، وهو ما نهدف من خلاله - يقول روبعي - إلى زيادة تدفق رؤوس الأموال المتواجدة بالخارج ومضاعفة الاستثمارات الأجنبية ببلادنا. مؤكدا أنه وفي نفس الوقت الذي تتسارع خلاله وتيرة رقمنة المنظومة المصرفية، تعرف الصيرفة الإسلامية رواجا وتطوّرا كبيرا بالنظر إلى الزيادة المعتبرة التي سجلتها المعاملات المصرفية وفق هذا النوع الصيرفي الذي استقطب عددا كبيرا من المواطنين.

عدالـة جبائيـة وتراجــع في العراقيــل

بالمقابل، سلّط روبعي الضوء على جملة أخرى من الإصلاحات شملت زوايا هيكلية مُهمة في التركيبة الاقتصادية الوطنية، ولا يمكن التغاضي عن ذكرها، شملت قانون الاستثمار الجديد، الذي يسعى إلى تبسيط الإجراءات، وضمان استقرار النصوص القانونية لجذب المستثمرين، وقانون الصفقات العمومية، الذي عرف تغييرات تهدف إلى تعزيز الشفافية ومحاربة المحاباة والفساد. إضافة إلى القانون الجبائي، الذي عرف خطوات نحو العدالة الجبائية وتحفيز المؤسسات المنتجة، خاصّة الصغيرة والمتوسطة منها.
كما أكد روبعي أن المنظمة الوطنية للتنمية الاقتصادية، تتابع باهتمام جهود الدولة في رقمنة الإدارة الجبائية والمالية، وهي خطوة أساسية لمحاربة الإقتصاد الموازي وتحسين التحصيل الضريبي. مضيفا أن هذه الإصلاحات بدأت تترك آثارا إيجابية على أداء المنظومة الاقتصادية، حيث لوحظت بوادر تحسّن في مناخ الأعمال، وتراجعا نسبيا في العراقيل البيروقراطية، وزيادة في تسجيل المؤسسات الناشئة، بالإضافة إلى ارتفاع نسبي في الاستثمارات الأجنبية.
في هذا الصدد، أكد أن النجاح الكامل لهذه الإصلاحات يقتضي تسريع وتيرتها، وضمان تفعيلها على أرض الواقع، خصوصا من خلال إشراك كل الفاعلين الاقتصاديين منظمات رجال الأعمال، الكفاءات الوطنية، والجمعيات الاقتصادية في صياغة وتقييم السياسات العمومية. كما شدّد على ضرورة التركيز على التكامل بين الإصلاحات المالية والنقدية والإصلاحات الهيكلية الأخرى، مثل إصلاح سوق العمل، إصلاح العقار الصناعي، وتشجيع المحتوى المحلّي، وهي مفاتيح أساسية لتنمية الاقتصاد الوطني بشكل مستدام. وختم روبعي بتثمين التزام الحكومة بالمسار الإصلاحي، ودعوتها إلى مواصلة هذا النهج الذي أسس له رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون منذ 2020، بشجاعة وثقة وتعزيز الحوار الإقتصادي الجاد، وتحقيق الإنسجام بين السياسات المالية والنقدية، بما يخدم أهداف التنمية ويحقق تطلعات المواطن الجزائري.

التحوّل الرقمــي شرط للمواكبــــة..

بدوره اعتبر نائب رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل الوطنية، محمد منصف بودربة، تعديل قانون النقد والصرف، في خطوة طال انتظارها تجاوزت العقدين من الزمن. فبعد 20 سنة، حيث عرف المشهد المالي بالجزائر الإفراج عن القانون النقدي والمصرفي الجديد 2023، استجابة لعدّة أهداف ذات الطابع القانوني والتكيّف مع المقاربة الإقتصادية الجديدة، التي شكلّت المحاور الرئيسة لالتزامات رئيس الجمهورية، والتي سطرت على رأس أولوياتها تطهير مناخ الاستثمار الذي لن يتحقق إلا بإصلاح المنظومة المالية، وفق ما أدلى به محدّثنا، وتسريع الخدمات المصرفية وتحسينها، إلى جانب توسيع الشمول المالي وتحسين أدوات الدفع الالكتروني، مما يعزّز التمويلات لفائدة الاقتصاد الوطني، وإلزام البنوك بوضع قواعد داخلية للحوكمة.
وثمّن بودربة مسعى الجزائر لمواكبة التطوّر الذي تعرفه المنظومة المصرفية العالمية، متأثرة بالغزو التكنولوجي الذي يعيشه العالم، حيث وجدت المؤسسات المالية العالمية نفسها أمام حتمية التحوّل من المعاملات المصرفية الكلاسيكية إلى المعاملات الرقمية. وأضاف في السّياق، أن الجزائر على غرار باقي دول العالم وبحكم ارتباطها بالنظام المالي العالمي، اتخذت جميع التدابير الإستراتيجية والتنظيمية من أجل تحقيق التحوّل الرقمي على مستوى مؤسساتها المالية ووسط المحيط الإجتماعي والاقتصادي لمواطنيها، بدءا بإدراج عدّة إجراءات ضمن قانون النقد والصرف الجديد، أهمها الدينار الرقمي وتحصين المنظومة المصرفية من التلاعبات غير المشروعة، والحد من السيولة النقدية لتحديد مسار الأموال بدّقة، وصولا إلى استكمال الإطار القانوني لاستحداث بنك رقمي.
وخلص بودربة إلى أن جملة الإصلاحات التي عرفتها المنظومة المالية، على غرار جميع القطاعات التي شملتها الإصلاحات، في ثورة مقاطعة للممارسات البيروقراطية ومصحّحة لاختلالات المنظومة الاقتصادية القديمة، تتمحور جميعها حول الظروف المعيشية للمواطن وتحسين القدرة الشرائية. فالانتعاش والأريحية المالية التي تعرفها اليوم المنظومة المالية، تقف وراءها إرادة سياسية صادقة، بدءا من الرفع من رواتب الموظفين ومعاشات التقاعد وإقرار منحة البطالة وعدم فرض ضرائب جديدة، كالتزام قطعه رئيس الجمهورية برفع نسبة الأجور بما لا يقل عن 47%، حيث قامت الحكومة -تابع ذات المتحدث- بمراجعة الجدول لحساب الضريبة على الدخل الإجمالي سنة 2021، التي لم تتم مراجعتها منذ 13 سنة، بالإضافة إلى إعفاء ذوي الأجور التي تقل عن 30 ألف دج، وذلك بهدف تحسين القدرة الشرائية وبالتالي منع ارتفاع نسبة التضخم، الذي بقيت الجزائر في منأى عنه بفضل التدابير الإحترازية التي اتخذها الجزائر، أهمها الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.وأكد بودربة أن الإصلاحات الاقتصادية التي باشر بها رئيس الجمهورية منذ بداية سنة 2020، قد مكنّت من تحقيق 267 كقيمة ناتج محلي خام سنة 2024، مع توقعات بوصوله إلى حجم 400 مليار دولار نهاية سنة 2026، كان للمنظومة المالية دورها في ذلك من خلال توفيرها لبدائل تمويلية مكنّت من بعث استثمارات وتحقيق أرقام أعمال وقيمة إنتاج، مكنّت الجزائر من تسجيل معدلات نمو مهمة في السنوات الأخيرة حيث بلغ معدّل النموّ لسنة 2024، 4.2%.

قـوانين لتحصـــين المـــال العـام..

أما الخبير في المالية، البروفيسور فارس مسدور، فقد تطرّق إلى الهدف الرئيسي من وراء الإصلاحات المعمّقة التي مسّت المنظومة المالية في الجزائر، المتمثل في التصدّي لجرائم تبييض الأموال التي استنزفت الاقتصاد الوطني، لعقود طويلة من الزمن، ومحاصرتها بآليات وبنود تشريعية تكافح الجرائم المالية وتحوّل دون استمرارها، كوجه آخر من المعاملات البنكية، طالما شكّل خطرا على المال العام وهاجسا لدى السلطات العمومية، يتمثل في الجرائم المتعلقة بتبييض الأموال، حيث حذّر فارس مسدور، من مثل هذه التجاوزات كونها تلوث المؤسسات المصرفية والبنكية باعتبارها صمّام أمان للمال العام وأموال المواطنين، مؤكدا أن تبييض الأموال قد ارتبط تاريخيا ومنذ زمن طويل بالنظام المصرفي، ما يضع البنوك في مواجهة لهذه الجريمة، تفرض عليها تطوير إستراتيجيتها وفقا لمنظومة إلكترونية مؤمنّة، قادرة على التصدّي للتنامي المستمر للأنشطة غير الشرعية وغير القانونية. فاليوم، تابع مسدور، تقع على عاتق البنوك مسؤولية اعتماد بطاقات الائتمان وأجهزة الصرف الآلي “ATM”، والبطاقات الذكية التي تتيح للعملاء سحب الأموال دون حاجز المكان، كأساليب حديثة فرضها التحوّل الرقمي، مؤكدا على ضرورة توخّي الحذّر للاستعمالات غير المشروعة لها، أين يصبح التحوّل الرقمي سلاحا ذو حدين. ومن الإيجابيات التي جاءت بها إصلاحات المنظومة المالية، تطرّق مسدور إلى توسيع دائرة الإحصاء والتحصيل الجبائيين وتحسين مناخ الاستثمار. كما توقّف فارس مسدور عند محور الرقمنة وعصرنة المنظومة المصرفية من خلال تعميم آليات الدفع الالكتروني وبتطرقّه إلى مسألة الدفع الالكتروني، كرهان تعمل السلطات العمومية على تعميمه خلال آجال قياسية، شدّد مسدور على أهمية نشر ثقافة المعاملات الإلكترونية وسط جميع شرائح المجتمع، وما تمثله من معيار مهم للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وضرورة توسيع دائرة الدفع الإلكتروني من أجل تحقيق أهداف الشمول المالي من خلال تطوير المنشآت الأساسية لدعم التكنولوجيا المالية وإشراك أوسع للشبكة البريدية، والتعديل بعصرنة الأنظمة الإلكترونية للحد من السيولة النقدية وتشجيع التجارة الإلكترونية وأدوات تطويرها، بما فيها القوانين المتعلقة بتأطيرها وتنظيمها، والتحفيزات الجبائية المرافقة للتجارة الخارجية عبر الدفع الالكتروني

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025