الجزائر مؤهّلة لتكون قوّة رائدة بفضل مواردها المتنوّعة
يتمتّع قطاع الصناعات التقليدية في الجزائر بمزايا عديدة، أهمها التراث الوطني الغني، والارتباط العميق للمنتجات بالجذور المحلية، إلى جانب تنوع المهارات والكفاءات، وإمكانية الاندماج في سوق العمل بتكاليف منخفضة. ويوضّح الخبير الاقتصادي سليماني عبد القادر لـ “الشعب” أنّ المدونة الجزائرية للصناعات التقليدية والحرف تشمل 332 نشاطاً، موزّعة على ثلاثة مجالات رئيسية: الصناعة التقليدية الفنية، وإنتاج المنتجات التقليدية، والخدمات المرتبطة بالحرف اليدوية.
يشغل القطاع حوالي 500,000 حرفي ومؤسسة صغيرة، مما يوفر أكثر من مليون ونصف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. ويرى الخبير سليماني عبد القادر أن “الجزائر تمتلك كافة المقومات، التي تؤهلها لتكون قوة رائدة في هذا المجال الحيوي، حيث تحظى بمساحات واسعة وثروة طبيعية غنية بالمواد الأولية الضرورية، إلى جانب توفرها على كفاءات بشرية ذات مستوى عال”.
من التّراث إلى التنمية الاقتصادية
ونوّه كذلك بدورها المحوري في تعزيز السياحة الداخلية والخارجية، إلى جانب مساهمتها في تنويع الصادرات خارج المحروقات، مما يضفي على هذا القطاع أهمية اقتصادية كبيرة لا يمكن إغفالها، وفق تعبيره.
واعتبر المحلل والخبير الاقتصادي سليماني عبد القادر أن “الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، تكتسب أهمية متزايدة في المناطق السياحية، مثل الصحراء ومنطقة القبائل والأوراس والشواطئ والمناطق الجبلية”.
واسترسل يقول أن “السياح يُظهرون اهتماما كبيرا بشراء المنتجات التقليدية الأصلية، المشهورة بجودتها، والمعروفة باسم “الأوريجينال”، والتي تُباع بالعملات الأجنبية”.
وأشار إلى أنّ “هذا النوع من الصناعات التقليدية المنتشرة في جميع أرجاء البلاد، ليست فقط ركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، بل تعد أيضا علامة موىوث ثقافي، يعكس غنى التراث الثقافي المميز للجزائر”.
تكثيف الجهود لحماية الهويّة الوطنية
وأشاد بالأهمية الكبيرة التي يضطلع بها القطاع في دعم الهوية الثقافية الوطنية وتعزيز جذورها، مع التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود الوطنية لحماية هذا الإرث الغني. وأشار إلى التحديات المتنامية التي تواجه الجزائر في صون تراثها الثقافي والحرفي، الذي يتعرض لمخاطر التشويه والإعتداء من مصادر خارجية، خصوصا من النظام المخزني، وفق تعبيره.
وشدّد في هذا السياق على “ضرورة صون التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية، وذلك من خلال حماية العلامات التجارية الجزائرية، والعمل على تسجيلها لدى المؤسسات الدولية كمنظمة اليونسكو”. وأوضح أنّ “اختيار المنتجات ذات علامة “صنع في الجزائر، لا يقتصر على كونه شعارا تجاريا، بل يمثل رمزا، يعبر عن الجودة والأصالة ويرتبط بتاريخ وثقافة التراث الجزائري المتنوع والغني”. كما ألح على”ضرورة تطوير آليات التوزيع المباشر للمنتجات الجزائرية عبر الإنترنت وتحسين اللوجستيات الحديثة، ممّا يسهل وصولها إلى المستهلكين حول العالم بكل سهولة ويسر”.
مشروع البطاقة الإلكترونية
من ناحية أخرى، أكد المحلل الاقتصادي سليماني عبد القادر أن “القطاع يشهد تقدما نحو التحديث”، مستدلا بمشروع البطاقة الرقمية الإلكترونية للحرفيين الذي يتم بالتعاون مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية، بهدف الاستفادة من البيانات المتوفرة في بطاقة التعريف الوطنية. وأضاف أن “الجزائر توفر مزايا، مثل بطاقات المقاول الذاتي وبطاقات الحرفي، التي تسهم في دعم الحرفيين للحصول على تمويل وقروض بنكية”.
ومع ذلك، أوضح أنّ “التحديات المتمثلة في نقص التسهيلات المصرفية والدعم المالي، تعرقل تمكين الحرفيين والشركات الصغيرة من التوسع إلى آفاق اقتصادية أوسع”. وأكّد أنّ “مواجهة هذه التحديات، يتطلب وضع استراتيجية وطنية شاملة، مع توفير آليات تمويل مبتكرة تعتمد على تعبئة الموارد المالية عبر المؤسسات البنكية والصناديق العامة، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات للمؤسسات الصغيرة والعائلات المنتجة لاعتماد التكنولوجيا الحديثة”.
وصرّح المحدث بأن “تعزيز قيمة المنتجات الحرفية وتطويرها، يحتاج إلى دعم شامل ومستدام للحرفيين، عبر توفير الظروف الملائمة التي تُمكّن من تحقيق تحول جوهري، يعتمد على استثمار الموارد المحلية وإحياء التراث الثقافي الثرّي الذي تمتاز به الجزائر”.
كما أكّد على “ضرورة دعم العائلات المنتجة”، مشيرا إلى “الاهتمام الكبير” الذي يوليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لهذه الفئة، وخصوصا في المناطق الصحراوية، الهضاب العليا، الجبال، فضلا عن القرى والمداشر”. وأوضح محدثنا أن “تعزيز قيمة المنتجات الحرفية وتطويرها، يتطلب دعما مستمرا وشاملا للحرفيين، من خلال توفير الظروف المناسبة، التي تضمن تحقيق نقلة نوعية، تعتمد على الموارد المحلية والإرث الثقافي الذي تزخر به بلادنا”.
ودعا إلى “تكاثف جهود مختلف الوزارات، مثل وزارات الثقافة، السياحة، المالية، التعليم العالي، والتكوين المهني، بهدف تطوير آليات مشتركة، تمكن الشباب والطلبة والمتدربين من الانخراط في مجال الإنتاج على نطاق واسع”. وأضاف موضحا: “نعيش في عصر السرعة وثورة تقنية بارزة، يقودها الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من المهم استغلال التراث الثقافي والتاريخي للجزائر بأسلوب مبتكر وفعّال”.
وركّز في هذا الشأن على “ضرورة تطوير الصناعات التقليدية وتحديثها، وذلك من خلال إدماج تقنيات الميكنة واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتحقيق الانتقال من الإنتاج المحدود إلى الإنتاج المكثف.
وأوصى الخبير الاقتصادي سليماني بتشجيع الشركات الناشئة على الاستثمار في مجالات التسويق الإلكتروني واعتماد التكنولوجيا الحديثة لتعزيز الإقتصاد الرقمي.
وأشار إلى أنّ “الغرف التقليدية والغرف السياحية، تلعب دورا أساسيا في تحقيق هذا الهدف، إلى جانب الدبلوماسية الاقتصادية التي تتجسد من خلال جهود السفارات والقنصليات ومجالس الأعمال الجزائرية في الخارج”. وأبرز أيضا “الدور الذي تضطلع به الجالية الجزائرية في الخارج، باعتبارها جسرا يربط الجزائر بالعالم ثقافيا واقتصاديا”، مؤكدا على “مساهماتها في تقديم صورة إيجابية ومشرقة لهذا الإرث العريق”.
ويعتقد المحلل والخبير الاقتصادي سليماني عبد القادر، أنّ “هذا النهج يساهم في تعزيز وتنشيط الصناعات التقليدية، كقطاع اقتصادي وثقافي يسهم في خلق الثروة وتحقيق التنمية المستدامة، فضلا عن دعم جهود الدولة، الرامية لحماية التراث بشقيه المادي واللامادي، وضمان استمراره ونقله إلى الأجيال القادمة”.