في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، تبرز الصناعات التقليدية كأحد العوامل الأساسية التي تسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية على مستوى الولايات الداخلية ولاية الجلفة، التي تتميز بجمالها الطبيعي وتاريخها العريق، تسجل إنجازات بارزة في هذا المجال من خلال استحداث 3556 مؤسسة مصغرة وتوفير 2156 منصب شغل في غضون ثلاث سنوات فقط. الصناعات التقليدية هنا ليست مجرد حرف قديمة، بل أصبحت اليوم محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي في المنطقة.
بحسب البيانات الرسمية، يقدّر عدد الحرفيين المسجلين في ولاية الجلفة بأكثر من 11262 حرفي نشط، منهم 8044 يختصون في مجال النسيج والخياطة التقليدية، كما تمارس 3615 عائلة صناعة النسيج الوبري، أغلبها في الجلفة ومسعد، ما جعل الولاية تتصدر وطنيا في هذا الفن التراثي، حسب تصريح مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف بالولاية، الربيع حمريط.
من الحرفة إلى المقاولة
أصبحت الحرف التقليدية في الجلفة رافدا حيويا للمؤسسات المصغرة، وذلك بفضل برامج الدعم مثل “أونجام” و«أناد”، فقد استفاد 3556 حرفي من إنشاء مؤسسات مصغرة، مما ساهم في توفير 2156 منصب شغل خلال ثلاث سنوات. هذا التوجه جعل من الحرفي رائد أعمال يمتلك مشروعا إنتاجيا ومصدر دخل مستدام.
هويّة من وبر تتحوّل إلى علامة تجارية
البرنوس الوبري الذي يمثل أحد أبرز رموز الهوية المحلية، تحول إلى مشروع اقتصادي استراتيجي. وقد عملت غرفة الصناعة التقليدية بالجلفة على تسجيله كعلامة جغرافية محمية، وتمّ إطلاق “العلامة الجماعية” الخاصة به بهدف حماية أصالة المنتوج وتعزيز مكانته في الأسواق. وقد خصّص له صالون وطني في نسخته السابعة خلال شهر ديسمبر الماضي، بعد انقطاع دام سبع سنوات، بمشاركة 53 عارضا من 15 ولاية. وقد شهد هذا الحدث عرض البرنوس بحسب المناطق الجزائرية، والترويج للهوية التجارية الجديدة التي تمكن من تسويقه محليا ودوليا، ما يفتح آفاقا للتصدير والمنافسة العالمية.
نوافذ للتّرويج وفتح أسواق جديدة
تعتبر المعارض المحلية والوطنية منصات مهمة لتعزيز الهوية الحرفية والتجارية لولاية الجلفة. فقد فازت الولاية بالجائزة الوطنية الأولى في مجال الجلود خلال سنة 2023 بفضل الحرفي حميدة الشيخ فتحي، الذي ابتكر تصاميم جديدة في الحقائب الجلدية، وتم تكريمه من طرف وزير السياحة والصناعة التقليدية. هذه المعارض تسمح للحرفيين بتوقيع عقود تجارية واكتساب خبرات جديدة، وتساعد على بناء شبكة علاقات مع موزعين ومستوردين من داخل وخارج الوطن.
استدامة قطاع الصناعات التقليدية رهينة بتأهيل الحرفيين ومرافقتهم تقنيا وتسويقيا. وقد أنشأت غرفة الصناعة التقليدية بالجلفة مدرسة لتكوين وتحسين مستوى الحرفيين، حيث استفاد 642 شخصا من دورات تكوينية، بالإضافة إلى تأهيل 3295 شابا وشابة عن طريق لجنة التأهيل والتكوين التابعة للغرفة، بينهم عدد كبير من النساء والشباب، من دورات تكوينية متخصصة رفعت من جودة المنتجات وقيمتها التسويقية. كما تنظم ورشات رقمية لمساعدة الحرفيين في إنشاء متاجر إلكترونية وتسويق منتجاتهم عبر المنصات الرقمية، وهو ما يمثل نقلة نوعية نحو التموقع في السوق الحديثة وتوسيع رقعة الزبائن.
نحو تنمية اقتصادية مستدامة
يرى مدير غرفة الصناعة التقليدية بالجلفة، الربيع حمريط، أنّ القطاع يمتلك مقومات حقيقية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، شريطة استمرار جهود التأهيل والتكوين، وتسهيل التمويل، وتحسين آليات التسويق، بالإضافة إلى ربط الصناعة التقليدية بالسياحة الثقافية والبيئية. فالصناعات التقليدية حسب قوله “هي اقتصاد بديل يستثمر في الإنسان وفي الهوية، ويوفّر فرصا استثمارية بتكلفة منخفضة وعوائد مرتفعة”.