مهرجان سنوي كبير يعود تاريخه إلى 3 آلاف عام

مهرجان “السبيبة“ .. أفراح الجنوب الكبير

يحتفل الطوارق في الصحراء الجزائرية بمهرجان السبيبة السنوي الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 3 آلاف عام، في أجواء سرور يخيّم عليها الرقص والغناء التقليديان.
يثير الاحتفال - الذي يستمر 10 أيام ويتزامن مع ذكرى عاشوراء - الحماسة في ولاية جانت حيث تتواصل الاستعدادات على قدم وساق لمدة أسبوع.
ويحاكي هذا الاحتفال المدرج منذ العام 2014 في قائمة التراث الثقافي لليونسكو.
وتعود أصول المهرجان إلى زمن بعيد، ويقول المختار بن عومر - وهو مُلبِّس من قصر أزلواز- إن الشهور القمرية في المنطقة تبدأ بالمحرم، والعاشر منه يطلق عليه «السبيبة»، وتعود الاحتفالات بالسبيبة إلى قصة إغراق فرعون «فقد حاول الناس - مثل بقية شعوب الأرض - التعبير عن فرحهم بهلاك الطاغية، فكان الرقص بالسيف طريقتهم للتعبير في هذا الوادي».
وتبدو الفرحة في وجوه الناس منذ أول يوم من محرم، وستلاحظها في الأسواق، حيث يعرض التجار أجمل ما لديهم من الملابس والحليّ الفضية التي يصنعها الطوارق منذ قديم الزمن، وتتمثل تجهيزات السبيبة في «الآلشو، أغادس، تينيفانت» وتلاحظ أنواع الجلود المختلفة والملابس المثقلة بالتمائم الضاربة في القدم.
تقاليد قديمة
يقوم المُلَبِّس بلفِّ عمامة خاصة بالعيد على رأس أحد الشبان الذين يشاركون في احتفالات السبيبة لأول مرة، ويشرح له: هذا هو لباس «تكميست»، إنه لا يشبه أي لباس أسود آخر، عليك الدخول لاحتفالات السبيبة أول مرة بـ»التنفار»؟ يجب القيام بطقوسها بإتقان، ستدخل متأخرا قليلا ساحة السبيبة، حاملا سيفك باليمين والمنديل باليسرى، واتَّجِه نحو النسوة اللاتي يصفقن ليضبطن إيقاع رقصك، هنّ يغنّين وأنت تستعرض مهاراتك في الرقص أمامهن، وتلوِّح بمنديلك.
ويكون لباس السبيبة ثلاث قطع من القماش الأسود، ويحرص الصغار على تفصيل لباس جديد، أما الكبار فقد يصلحون لباسهم القديم فحسب، إذا لم يكن باليا، ويقبلون على سَنّ سيوفهم وتلميعها.
وفي المهرجان، تغني النساء اللواتي يزيّن أنفسهن بوشوم الحناء ويضعن حليّا فضية ثقيلة على وقع طبول تقليدية لإثارة أجواء المنافسة التي سيخوضها الرجال، وللمرأة أهمية كبيرة يوم السبيبة، فهي التي تقرع طبل «الإمينيني» إيذانا ببدء الاحتفالات.
وأكثر الأغاني مدائح، ويُستقبل بها الفرسان في حلقات نصف دائرية، وكأنهم عائدون من الحرب منتصرين، ولكل حيّ أشعاره وأغانيه، يردّ بها على الحي الآخر، فيمدحون فرسانهم ويهجون الآخرين.
سباق أخوي وانتصار للتراث
بمجرد حضور الجميع تنطلق عملية «التنفار»، وهو استعراض المشاركين، فتدخل الفرقتان الساحةَ، كلٌ من جهته ويبدأون بالدوران مرتين إلى ثلاثة، ثم تعود كل فرقة إلى موضعها.
في المرحلة الثانية تُتبادل الأماكن بين الفريقين، فيتحرك راقصو أزلواز وقارعات الطبول إلى مكان فريق قصر الميهان، ويتحرّك أولئك أيضا مع نسائهم إلى موقع جماعة إزلواز فيرقصون قليلا، ثم يخرج الفرسان لاستعراض «تيكمسيت».
يبدأ الاستعراض من حوالي الساعة التاسعة حتى الحادية عشرة صباحا، بعد ذلك تُخرِج كل فرقة دراريعَ «تيمسكوراتين»، ويصطفون كلٌّ على جهته، وهنالك لجنة تحكيم تحسب كم تخرج كل فرقة من الدراريع والقبعات، وتحصي أيهم أكثر عددا وحضورا.
الشوط الثاني خاص باستعراض السيوف، إذ تصطف الفرقتان على شكل صفوف، وتتقابلان على شكل ثنائيات، ثم يقوم كل طرف بضرب سيف الآخر بشكل موزون ومتناسق، ويكون هذا الاستعراض على شكل دائري.
تأخذ الفرق استراحة لأداء صلاة الظهر، ثم ينزلون إلى الوادي ثانية بعد صلاة العصر، ثم تبدأ فترة استعراضية أخرى، برقصات هادئة ومتزنة من الشباب على إيقاع قرع الطبول، وعند المساء قبيل المغرب يعلن عن الفائز في هذه المنافسات.
هنالك لجنة تحكيم محايدة، لا تتبع للميهان ولا أزلواز، ويأتي حكمها بناء على ما أحصته من أعداد دراريع «تيماسكوراتين» و»لإلشان» و»التيكومبا»، وما سمعته من الأشعار وأغاني النساء، ولا مجال للخصام أو المجادلة، ولا يجرؤ أحد على التقليل من احترام الآخر، ويتقبل المغلوب هزيمته بروح رياضية، ثم يعودون إخوة كما كانوا. فهي حرب بغير دماء، والفوز الحقيقي هو الحفاظ على العادات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024