حينما يصبح الخصام بين الأهل عبئا ثقيلا على الأبناء

الخلافات العائلية..وباء تتوارثه الأجيال

 لم يعد غريبا أن نصادف قصصا لشباب يكتشفون لاحقا أنهم «أبناء عم» وربما بعد سنوات من الدراسة الجامعية. فهذه المشاهد، تجسّد واقعا مؤلما تعيشه عدد من العائلات، حيث تصبح «القطيعة» بين الأقارب، الإرث الذي يحمله الأبناء مع مرور الزمن.
تتكرّر على المسامع قصص عن علاقات شبه منقطعة بين أفراد العائلة الواحدة، وأشقاء تربوا معا، وجيران تربطهم عشرة عمر، وأصدقاء جمعتهم علاقة متينة لسنوات طويلة. وتعد أصعبها حينما تنشأ القطيعة بين أفراد العائلة الواحدة، فتتحول خلافات قد تكون بسيطة في ظاهرها إلى صراعات تمزق الروابط الأسرية، فما ينشأ بين الآباء والأمهات، ينتقل بالتوارث إلى الأبناء، بالتالي قطيعة قد تدوم مدى الحياة.
يؤكّد المختصّون أن أهم ما يميز مجتمعاتنا هو قوة التكافل الاجتماعي، ومتانة العلاقات، وحرص أفرادها على التواصل الدائم. وتعد الأسرة الممتدة، بكل ما تحمله من روابط قوية بين الأجداد والأخوة والأخوات والأعمام والعمات وأبنائهم، أحد أهم عوامل القوة الاجتماعية التي تعزز الروابط بكافة أشكالها.
وحثّ ديننا الحنيف على أهمية صلة الرحم، وضرورة استمرار هذه العلاقات في جميع الظروف، وتعزيز الترابط والألفة والمحبة بما يضمن استمرار التواصل بين الأبناء والأحفاد في المستقبل.
والقدوة الحسنة والممارسة العملية هي أفضل أشكال التربية، والعلاقة الجيدة مع الأهل ينعكس أثرها إيجابيا على حياة الأبناء اجتماعيا ونفسيا. ومن المهم ألا تبنى العلاقات الأسرية على المنفعة المادية أو المصالح المؤقتة، بل على أسس راسخة من المحبة والتكافل والتعاون، لأن الأصل فيها أنها علاقات دائمة لا تنقطع وهي تورث للأبناء والأحفاد.
ويشدّد الخبراء على أهمية التواصل في جميع الأوقات، خلال الأعياد والمناسبات الاجتماعية مثل الزواج والولادة والنجاح، وتلك المواقف التي تحتاج لمواساة ووقفة حقيقية تخفف من حزن الآخر، بما يعزز الروابط الأسرية. وفي مثل هذه المناسبات الأصل أن تكون العائلة مجتمعة معا وهي التي تستقبل الضيوف والأصدقاء والجيران والأقارب، وهذا مظهر من مظاهر التعاون والمحبة، ويعطي رسالة إيجابية للأبناء والأحفاد وهو شكل من أشكال التكافل المعنوي.
«قطيعة عائلية»..أبرزها
 ترتكز تربية الأبناء على قواعد يضعها الوالدان، ويتعلمها الأبناء من خلال الملاحظة والتقليد. فالأطفال يتأثّرون بما يسمعونه من والديهم وما يشاهدونه من طريقة تعاملهم مع الآخرين. كما أن الطفل الذي ينشأ في بيئة تفتقر إلى العلاقات الاجتماعية، سيواجه صعوبات في التواصل مع الآخرين في مختلف مراحل حياته.
إنّ الأهل هم من يعلّمون الأبناء كل ما يتعلق بالروابط الاجتماعية مع محيط الأقارب، ويبقى الطفل في دائرة علاقات والديه مع الآخرين، ويشكل الطفل شخصيته من خلال العلاقات الاجتماعية، وهنا قد يظهر أثر أي مشكلة على تكوين الأبناء مع المحيط، وعندما يتم حرمان الطفل من بعض العلاقات أو توجيهه بطريقة سلبية، فإن هذا التأثير قد يلازمه طوال حياته.
ويثبت علم النفس دور الجد، على سبيل المثال، في تنشئة وتربية الأبناء، وخاصة فيما يتعلق في دوره في إكسابهم الحكمة وبعض المهارات الحياتية من خلال خبرته في الحياة، وفي حال حرمنا الطفل من هذه الخبرات وكان التواصل غير صحي، سيتأثر بذلك طوال عمره.
ومن التأثيرات التي قد تظهر على الطفل الذي يعيش في وسط «قطيعة عائلية»، فإنه يبدأ بمقارنة نفسه مع أقرانه من الأطفال الذين يحظون بعلاقات عائلية ممتدة وجيدة، وهذه قد يسبب له الشعور بالخلل في الأسرة ويؤثر في بناء شخصيته ومهاراته ووضعه النفسي.
ومن خلال واقع المجتمع، فإن كثيرا من الخلافات التي أدت إلى القطعية كانت لأسباب سطحية وغالبا ما تكون بسبب كلمة أو موقف يساء تفسيره أو تحريف لكلام شخص، أو لخلاف بين أطفال داخل العائلة، ومهما كان السبب فإن التسامح والتجاوز عن الأخطاء وإدراك أهمية العلاقة بين الأخوة والأخوات مسؤولية كل شخص في العائلة بتمتين هذه العلاقات والمحافظة على استمراريتها، واستشعار أثر الخلافات على الجميع خصوصا الأبناء والأحفاد؛ لأنه يغرس في نفوسهم الكره والحقد والبغضاء مما يؤدي إلى القطيعة.
ويشدّد المختصّون على أن التعامل مع الآخر، وخصوصا الأهل والأرحام بحاجة إلى قدر كبير من التسامح وتجاوز الزلات والأخطاء والبعد عن سوء الظن، وكل ما يمكن أن يثير الخلافات ويشحن النفوس كنقل الكلام والنقد اللاذع وكثرة العتب والمقارنات بين الأشخاص والتوقعات المبالغ فيها، ولا تكون العلاقة معهم علاقة «تبادلية» فقط.
تجاوز الزلات
 ومع انتشار منصات التواصل، يمكن البقاء على اتصال مع الجميع حتى وإن كانوا خارج الوطن وهذا له صور متعددة منها الصوت والصورة والمجموعة وغيرها، بحيث لا يكون هذا التواصل بديلا عن اللقاء الشخصي والزيارة كلما كان ذلك ممكنا، حيث يوضّح سرحان أنه من المهم البعد عن أسباب الخلاف وتضخيمها مهما كانت، وأن يبادر الجميع بالتواصل وتجاوز المشكلات أولا بأول. فالعلاقة بين الأهل هي علاقة أبدية وليست مؤقتة ولا أي سبب يمكن أن يؤدي إلى قطعها.
من واجب الوالدين أن يورثا أبناءهما المحبة والتكافل والتعاون، لا أسباب الخصام والقطيعة. فالعلاقة بين الأشقاء والأهل هي الدائرة الأولى والأهم في حياة الفرد، لا تعوضها أبدا علاقات الصداقة والمعارف، مهما كانت قوية. ومن المسيء أن يشعر الأبناء والأحفاد أن علاقاتهم الافتراضية هي البديل عن علاقاتهم مع العائلة، أو أهم منها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024