ترأس الاتحاد الدولي للسباحة لخمس عهدات

مصطفـى العرفـاوي يفتح قلبه لــــ «الشعب ويكانـد»

حوار: نبيلة بوقرين

 أسطورة الرياضة الجزائرية بالنظر لما قدمه قبل وبعد الاستقلال، ساهم في مرحلة بناء القطاع رفقة ثلة من رفاقه بالرغم من الظروف الصعبة وقلة الإمكانيات، إلا أن الإرادة والتحدي جعلهم يصنعون ما كان مستحيلا وقالوا كلمتهم في سبيل إعلاء راية الوطن وأسماع صوت الجزائر بين الأمم في أكبر المحافل الرياضية..  مصطفى العرفاوي وبتواضع كبير يروي لنا سيرته الذاتية وتفاصيل حياته المهنية والرياضية والخاصة منها في حوار خاص، بهذا العدد من «الشعب ويكاند»، سجل ثري لا تكفي الكلمات والأسطر لتلخيصه في كلمات، لأن الرجل موسوعة حقيقية حيث ساهم في تأسيس اتحاديات إفريقية ودولية وتمكن من قيادة الاتحاد الدولي للسباحة خمس عهدات متتالية .. وبعد انسحابه قررت الجمعية العامة ترسيمه كرئيس شرفي مدى الحياة، ومازال حاضرا لتقديم الدعم للرياضة والجيل الحالي.

-  «الشعب ويكاند»: في البداية، حدثنا عن طفولتك، كيف كانت وأين قضيتها؟
 مصطفى العرفاوي: عشت طفولتي ككل الجزائريين، لأننا كنا في حقبة الاستعمار، ولدت بحي بولوغين بالعاصمة سنة 1932 ولما كان عمري سنتين توفي والدي، وتكفلت أمي بتربيتنا رفقة كل من شقيقي وشقيقتي، وساعدها في المأمورية جدي وجدتي، لأنها كانت صغيرة في تلك الفترة لم تتجاوز  25 سنة إلا أنها كرست شبابها من أجلنا ورافقتنا وساندتنا في كل خطواتنا، حيث تلقيت تعليمي في جانبين، لأنني درست في المدرسة الفرنسية «قروي» و في نفس الوقت تعلمت أبجديات اللغة العربية، لأن أخوالي كانوا مترجمين وطلبوا مني أن أدرس في المدرسة العربية، وبالرغم من أنني اضطررت إلى التراجع في درجة التعليم لأنني كنت في الثانوي وأعدت السنة الأولى كل ذلك من أجل أن أكون من بين الـ 40 متمدرسا الذين يتم اختيارهم ضمن قائمة كبيرة شملت حوالي 300 مترشح لامتحان نيل الشهادة، التي ترشحني لكي أكون سواء مترجم أو محامي، إضافة إلى تعلمنا لعلوم الفقه والدين للحفاظ على الهوية الوطنية ولم أندم يوما على خوض تلك التجربة، لأنه في تلك الفترة كان المستوى عال سواء لدى الفرنسيين أو في المدراس العربية والفقهية، كما تمكنت من النجاح في امتحان البكالوريا، بعد سبع سنوات من الدراسة وكان النجاح 100 بالمائة من جانب العناصر التي كانت تتلقى تعليمها بالعربية، لكننا توقفنا بسبب إضراب الطلبة، لأننا كنا في مرحلة الثورة التحريرية والواجب الوطني فوق كل اعتبار، لأنه كل واحد كان يدافع عن القضية بطريقته وهكذا كانت طفولتي.
- ماذا عن ممارسة الرياضة وبداياتك في هذا المجال؟
 صحيح في نفس الوقت الذي كنت أدرس فيه كنت أمارس الرياضة، لأنني كنت قريبا من نادي مولودية الجزائر الذي انطلقت معه حيث كان لديه عديد الفروع ولهذا مارست الجمباز، كرة السلة هذه الأخيرة كنت بارعا فيها، وكان المدرب الكبير رحمه الله محمود عبدون هو من علمني أسس الرياضة وأنها أخلاق قبل أن تكون منافسة كنت حينها في سن الـ 16 عاما، وعملت بطريقة جدية لأن في تلك الفترة كانت الأمور صارمة وكان معنا أناس أكفاء علمونا القواعد الصحيحة، ومن جهة أخرى وبما أن الظروف كانت صعبة من الناحية الاجتماعية بسبب ويلات الاستعمار بحثت عن عمل واشتغلت كمقتصد في مستشفى حسين داي كان ذلك عام 1961، وبعدها طلب مني محمود عبدون أن أكوّن رابطة الجزائر للسباحة، وقال لي بصريح العبارة «دبر راسك لازم ديرلي رابطة السباحة في الجزائر»، لأنني كنت أمارس كرة الماء في تلك الفترة قبل أن يتوقف الفرع بسبب مضايقات الفرنسيين، وبالفعل بعد الاستقلال مباشرة قمنا بتكوين رابطة الجزائر للسباحة بالرغم من صعوبة المأمورية وبعدها رابطة وهران ثم رابطة قسنطينة .. الأمر الذي سمح لنا بتأسيس الاتحاد الجزائري للسباحة.
- ما هي مراحل تكوين الاتحاديات الرياضية بعد الاستقلال؟
 لم تكن المأمورية سهلة، لأن الجزائر كانت قد استقلت حديثا والإمكانيات كانت قليلة جدا، لكننا رفعنا التحدي وعملنا كل ما في وسعنا لكي ننجح في تكوين اتحاديات رياضية لتمثيلنا في المحافل الدولية، ولهذا بعدما طلب مني عبدون تكوين رابطة الجزائر للسباحة في البداية ترددت وقلت له أنا كنت أمارس كرة السلة وكرة الماء كيف يمكنني أن أكون رابطة السباحة، لكنه أصر علي وبالفعل قمنا بتأسيس الرابطة رفقة كل من عمر جعدون، فريد لعروبي، مصطفى فخارجي، مدني، بعدها تنقلت إلى وهران، كما تنقلت أيضا إلى قسنطينة التي ترأس رابطتها لعجمامي، وشرعنا في تشجيع المنخرطين لتكوين الأندية وأقمنا أول بطولة وطنية، وبعدها قال لي عبدون انه حان الوقت لكي يكون لدينا اتحاد جزائري للسباحة كان ذلك سنة 1963، حيث طلب مني الترشح للانتخابات رفقة فريد لروبي وجرت فعالياتها في بيت مصطفى اغولمين حيث جرت الجمعية العامة وتم انتخابي رئيسا من طرف الأعضاء، الأمر الذي يشرفني كثيرا وهكذا كانت الانطلاقة.
- كيف كانت أوّل مشاركة جزائرية ضمن الألعاب الأولمبية بطوكيو 1964؟
 قبل ذلك كان علينا أن نكوّن اتحاديات في كل الرياضات، لأنه في نفس الفترة التي تكون فيها الاتحاد الجزائري للسباحة كانت هناك هيئات أخرى في كل من كرة القدم التي أشرف عليها الدكتور المرحوم محمد معوش، في كرة السلة قادها شريفي علي، بلحاج في الملاكمة، مجبري في الدراجات، السي عبد الحميد رئيسا لاتحاد الدراجات، بن عاشور ترأس هيئة الجيدو، اتحادية كرة اليد أشرف عليها بن بلقاسم والكرة الطائرة الدكتور قدور بوركايب، مصطفى اغولمين في ألعاب القوى وبعدها أصبح بإمكاننا تأسيس اللجنة الأولمبية الجزائرية وشرعنا في الإعداد لمراسيم الجمعية العامة الانتخابية التي كانت في منزل اغولمين، وهو بطل رياضي سابق، وطلب مني الترشح، لكن بالنظر لوجود أسماء كبيرة، بما ان الهدف في تلك الفترة كان يكمن في ضرورة إعلاء الراية الوطنية في الألعاب الأولمبية بطوكيو ركزنا على كيفية التواجد ضمن الوفود المشاركة في دورة طوكيو 1964، لأن الوقت كان متأخرا كثيرا للانضمام إلى عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، لكن علمنا بوجود جمعية عامة بالنمسا وقررنا التنقل والسعي لبلوغ الرهان رغم صعوبة المأمورية وبالفعل كنت أنا والدكتور معوش محمد رحمه الله وتحدثنا مع المسيرين اليابانيين وبما انهم كانوا من بين أصدقاء الجزائر ساعدونا في الانضمام إلى اللجنة الدولية، وهنا كانت مهمة أخرى حيث شرعنا في البحث عن الرياضيين الذين يمثلون الجزائر وكان هناك يماني لزهاري في اختصاص الجمباز الذي أعطى موافقته مباشرة ودون تردد بتمثيل الراية الوطنية، وكان الوفد الجزائري ضمن المشاركين في هذا الحدث الرياضي الكبير بثلاث عناصر فقط، وتمكنا من رفع علم الجزائر بعد سنتين من الاستقلال أمام كل الدول بعدما وجدنا استقبالا رائعا من طرف اليابانيين كان حينها بن حبيلس سفيرا للجزائر هناك.
- ما هي أهم الخطوات في مسيرتك الرياضية؟
 البداية من خلال الاتحاد المغاربي للسباحة حيث كان يتكون من الجزائر، تونس، ليبيا والمغرب وقمنا بإجراء أول بطولة مغاربية بتونس سنة 1964، كما عملنا فيما بعد على تكوين الاتحاد الأفريقي للسباحة وكان ذلك بداكار السنغالية، تكلمت حينها مع المسيرين الأفارقة، لكن الأمور كانت صعبة بسبب تواجد 7 دول فقط التي كانت تملك اتحاديات في هذه الرياضة، من بينها مصر، السنغال، الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، وانتظرنا إلى غاية 1970 وأعددنا القانون الأساسي، أين قمنا بعدها بتأسيس الاتحاد الأفريقي للسباحة بـ 10 اتحاديات فقط بعد مجهودات كبيرة سبقتها أحداث عديدة من بينها تأسيس جمعية الاتحاديات الرياضية الأفريقية التي كانت تشرف على كل الألعاب الأفريقية من الناحية التقنية، حيث كان أول رئيس الاتحاد الأفريقي للسباحة من مصر، لأنهم سبقونا من ناحية الخبرة وأنا كنت نائبا له لكن بما انه لم يعط الإضافة اللازمة طلب مني أن أترشح لرئاسة الاتحاد كنت حينها في المجلس الأعلى للرياضة رفقة عيسى حياتو الذي اعتلى فيما بعد الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وبالفعل تم انتخابي منذ عام 1974 إلى غاية 2012، أين قررت الانسحاب، كما ترشحت سنة 1972 لكي أكون في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للسباحة في الانتخابات التي جرت بميونيخ الألمانية وفي سنة 1976 كنت نائب الرئيس خلال الانتخابات التي جرت بمونريال الكندية، لأنه في السابق الجمعيات الانتخابية كانت تجري في فترة الألعاب الأولمبية، في تلك الفترة كان القانون الأساسي يحدد عهدة واحدة فقط، وفي سنة 1988 طلب مني الترشح للرئاسة وكان في المنافسة هولندي وكان واثقا من أنه سيفوز، لكن بمساعدة الرئيس الذي انتهت عهدته، وهو أمريكي ومحامي أراد التفرغ لمهام أخرى، ألح علي أن أخلفه، وبالفعل ومساندة كل دول المتوسط وعدد كبير من أعضاء الجمعية العامة صعدت لكرسي الرئاسة في مدريد بـ 38 صوتا مقابل 30 لمنافسي، ولما انتهت العهدة طلب مني التجديد وقاموا بتعديل القانون الأساسي، وبعدها بقيت لـ 5 عهدات متتالية قررت بعدها الانسحاب وترك المجال لرئيس آخر كي يقوم بالمهمة، لكن أعضاء الجمعية العامة نصبوني كرئيس شرفي مدى الحياة، وأنا اعتبر الاستثناء لأنني أتواجد ضمن المكتب التنفيذي لمدة 50 سنة، إضافة إلى قيادتي للجنة الأولمبية الجزائرية .. وللإشارة ساعدني كثيرا وزير الشباب والرياضة آنذاك كمال بوشامة، لكي لا أضيّع منصبي في العمل الذي يعتبر مستقبل أبنائي.
- وماذا عن العلاقة مع أفراد العائلة بالنظر لارتباطاتك الكثيرة؟
 الحمد لله تمكنت من التوفيق بين عملي والعائلة وعملت على تلقين أبنائي القيم والأخلاق وإتقان العمل مثلما تعلمت أنا عندما كنت صغيرا ولم أندم على أي خطوة أقدمت عليها، والحمد الله كنت وسأظل في خدمة وطني والرياضة الجزائرية وأنا في الخدمة أيضا إن أراد رؤساء الاتحاديات الحاليين تقديم المساعدة لهم من ناحية العلاقات لتسهيل مهمة عقد اتفاقيات تعاون لإقامة تربصات في الخارج، لأننا بكل واقعية الرياضة الجزائرية تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة بالمقارنة مع الماضي بالرغم من وجود الإمكانات البشرية والمادية التي لم تكن في متناولنا من قبل، وكل ذلك راجع إلى غياب سياسة رياضية قوية واستراتيجية عمل مبنية على أهداف واضحة، بدليل أننا في زمن العشرية السوداء حققنا ميداليات أولمبية وحاليا نعجز عن ذلك، ما يعني أنه جاء الوقت للعودة للتكوين على مستوى الشبان ومرافقة الرياضيين حتى لا نضيع المزيد من الأجيال، ولهذا يجب أن تكون عملية تنقيب واستثمار في المواهب الشابة، وتبقى الإرادة والعزيمة والتمسك بالأخلاق وتعاليم ديننا الذي يحثنا على الجد والمثابرة وإتقان العمل في الطليعة، وهذا ما قمت بتعليمه لأبنائي، ومن جهة أخرى نحن مقبلون على تنظيم الألعاب المتوسطية بوهران الصيف 2022، أتمنى أن توفق الجزائر في إنجاح الحدث رغم العراقيل بسبب مخلفات الجائحة الصحية، إلا انه يجب ان نجعل منها محطة للعودة بقوة إلى سكة الانتصارات وأتمنى التوفيق لكل أبناء الجزائر.
- ما هي هواياتك خارج رياضة السباحة؟
 مارست عديد أنواع الرياضة كرة السلة، كرة الماء والسباحة والجمباز ولم أتوقف يوما عن ممارسة الرياضة، لأنها مفيدة لصحة الإنسان بعيدا عن النتائج والتتويجات، كما أننيأاتابع نظاما غذائيا صحيا حيث أحب كثيرا الخضروات والمأكولات التقليدية على غرار الكسكسي بالجلبانة، في الحلويات أحب المقروط والصامصة، وأنا جد هادئ وأحب فعل الخير والمساهمة في مساعدة الآخرين عندما يكون في مقدوري، وأطلب من كل الذين سيقرؤون الحوار «افعلوا الخير وتحلوا بالأخلاق ولا تيأسوا واجتهدوا وثابروا لبلوغ الأهداف».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024