السينغـال يتــــوّج لأول مــــرة في تاريخــه
الأجهـــزة الفنيـــة اعتمـــدت علـــى اللعب المبـــاشر والهجمــــات المرتــــدّة
أسدل الستار على كأس أمم افريقيا 2022 بحلوها ومرها، حيث أثارت طبعة الكاميرون جدلا واسعا حول مدى النجاح في عملية التنظيم التي لاقت انتقادات واسعة وحتى المستوى الفنّي كان بعيدا كل البعد عن المستوى الذي سجل في دورة مصر السابقة، وزاد التحكيم من مساوئ “الكان” الأخير بعد أن صنع بعض الحكام الجدل بسبب القرارات التحكيمية الغريبة ونفس الأمر انطبق على جاهزية البلد بالكامل لهذا الحدث القاري، وكان من الواضح أنّ الكاميرون غير جاهزة لاحتضان حدث كروي كبير مثل كأس أمم افريقيا بدليل أرضيات الملاعب التي كانت بعيدة عن التطلعات.
نجح المنتخب السنغالي في الظفر بكأس أمم افريقيا وخلافة الجزائر على عرش الكرة الافريقية، خلال الفترة المقبلة رغم أنّه بطل غير متوج بحكم صدارته المستحقة لترتيب المنتخبات الافريقية، الصادر عن “الفيفا” كل شهر، لكنه أثبت على أرضية الميدان جدارته بالتواجد على عرش الكرة الافريقية بفضل جيل مميز من اللاعبين ومدرب يعرف من أين تأكل الكتف.
أثارت دورة الكاميرون الجدل حتى قبل انطلاقتها بسبب رفض العديد من الأندية الأوروبية تسريح لاعبيها بحجة أنّ الدورة تجري في منتصف الموسم، ولعبت بعض الأطراف المتواجدة على مستوى “الفيفا” دورا مهما في الضغط على أكبر هيئة كروية في العالم من أجل تأجيل دورة الكاميرون بحجة عدم جاهزية الكاميرون لتنظيم حدث كروي كبير مثل كأس أمم إفريقيا.
تدخلت “الفيفا” بإيعاز من هذه “الأطراف” على أمل تأجيل الدورة لموعد لاحق بحجة أنّ الكاميرون غير جاهزة من أجل احتضان الحدث، لكن اللجنة المنظمة ورئيس الاتحاد الكاميروني للعبة صامويل ايتو لعبوا هم الآخرون على وتر أنّ الدورة في حدّ ذاتها مستهدفة، وهو ما جعلهم يكسبون التأييد من أجل تنظيم المنافسة رغم أنهم يدركون أنّ البلد غير جاهز تماما لاحتضان هذا الحدث الكروي الإفريقي الكبير.
المستوى الفني للدورة لم يكن كبيرا وجلّ المباريات لم تعرف الإثارة المنتظرة لعدة عوامل أهمها تأثير المناخ على قدرات اللاعبين فمن غير المعقول انتظار رؤية الفرجة و التشويق في مباراة تجري على الساعة الثانية ظهرا وتحت درجة حرارة تتجاوز 35 ورطوبة عالية وهو ما يجعل اللاعبين يقتصدون مجهوداتهم البدنية وهمهم الوحيد هو تسجيل الهدف المنتظر والركون إلى الدفاع. وبالتالي الحديث عن تأثير المناخ على المستوى الفني منطقي، وهو عامل مؤثر بكل المقاييس على قدرات اللاعبين.
الأجهزة الفنية تعاملت بحزم مع هذا الأمر، من خلال تغيير خطة اللعب والاعتماد على اللعب المباشر والهجمات المرتدة، وهذا لأنهم يدركون أنّ السيطرة في هذه الأجواء وعلى أرضيات من هذا النوع لا يمنح الأفضلية. و في الأخير من يسجل هو من ينجح في التقدم ويحقق الفارق، وهو ما حدث في العديد من المباريات التي عرفت نتائج عكسية لسير مبارياتها فتجد من يفوز هو المنتخب الذي كان يدافع ويعتمد على اللعب المباشر والهجمات المرتدة.
جودة المرافق الرياضية لها تأثير كبير على المستوى الفني، وهذا الأمر لا غبار عليه فاللاعب يتفاعل مع المحيط المباشر له وأرضية الميدان نالت قسطا وافرا من الانتقادات في دورة الكاميرون لدرجة أنّ اللجنة المنظمة قامت بإغلاق ملعب “جابوما” الذي احتضن مباريات المنتخب الوطني بعد نهاية دور المجموعات، رغم أنه كان مرشحا لاحتضان مباريات الأدوار الإقصائية.
المدرب الوطني ينتصر من جديد
خلف المدرب السنغالي اليو سيسي المدرب الجزائري جمال بلماضي بعد أن توّج بلقب كأس أمم افريقيا مع منتخب السنغال، وهنا أثبت المدرب الوطني من جديد جدارته وقدرته الكبيرة على صنع الفارق مع المنتحبات الافريقية، رغم أن العديد منها يلجأ إلى الخبرة الأجنبية في التدريب، لكن في النهاية الانتصار كان للمدرب الوطني.
منتخب السنغال توّج باللقب بقيادة سيسي الذي واجه في النهائي البرتغالي كيروش الذي قاد المنتخب المصري إلى النهائي والمفارقة أنه الأجنبي الثاني على التوالي، الذي يخسر نهائي كأس الأمم مع “الفراعنة” بعد الارجنتيني كوبر الذي قادهم لنهائي دورة 2017 وخسره أمام الكاميرون.
يبدو أنّ قدر المنتخب المصري تذوّق طعم التتويج القاري مع المدرب الوطني بقيادة الجوهري في 1998 وحسن شحاتة الذي كان وراء الثلاثية التاريخية في 2006-2008-2010، حيث فشل المنتخب المصري في الفوز باللقب القاري رغم أنه وصل إلى النهائي مرتين مع الارجنتيني كوبر في 2017 والبرتغالي كيروش في دورة الكاميرون الأخيرة.
يبقى الجدل قائما حول جدارة المدرب المحلي عن الأجنبي في تدريب المنتخبات الوطنية والأمر يبقى مرتبطا بطبيعة البلد وتوفر الكفاءات المحلية فيه من عدمه، فهناك بلدان افريقية لا تمتلك تقاليد وتاريخ كبير على المستوى القاري في المسابقات الخاصة بالمنتخبات أو الاندية وهو الأمر الذي يجعلها مجبرة على اللجوء للخبرة الأجنبية في هذا المجال من أجل تحقيق مكاسب وإنجازات على المستوى المنافسات القارية للأندية والمنتخبات، لكن في حالة مصر والسنغال فالأمر مختلف لأنهما دولتان لهما تاريخ كبير على مستوى الكرة الافريقية وتوفر الكفاءات قد يكون حلا في الفترة المقبلة، فيما يخص حالة مصر بعد الاخفاق في التتويج باللقب القاري مع مدربان أجنبيان في 2017 و 2022.
العقم الهجومي و الشح التهديفي
لم تكن دورة الكاميرون مميزة من الناحية الهجومية بل غلب عليها الطابع الدفاعي، بدليل أنّ العديد من المباريات في الدور الأول انتهت بفارق هدف واحد فقط وخلال الأدوار الاقصائية احتكم البعض إلى ركلات الجزاء بسبب انتهاء المباريات بالتعادل السلبي، وهذه العوامل تؤكد أن الدورة عرفت تراجعا كبيرا على مستوى التهديف والطابع الدفاعي كان سلاح جل المنتخبات.
الفرجة كانت غائبة خلال دورة الكاميرون، خاصة خلال الدور الأول بما أن المواجهات الاقصائية تعرف تشويقا وإثارة كبيرين بسبب رغبة كل طرف في تحقيق التأهل بأي طريقة إلى الدور المقبل، بينما في الدور الأول الأمور كان من المفترض أن تكون مفتوحة والمغامرة موجودة بين المدربين ولكن العكس هو الذي حدث.
لا يوجد تفسير منطقي لما حدث خلال دورة الكاميرون بخصوص الشح الهجومي، رغم أنّ المناخ هو المتهم الأول بسبب البرمجة السيئة للمباريات وغياب المرافق الضرورية من أجل الاسترجاع بالنسبة للاعبين بدليل الصورة التي أساءت كثيرا للدورة وهي رؤية لاعبي المنتخب المصري داخل جراديل المياه البلاستيكية من أجل الاسترجاع.
عرفت الدورة مشاركة أبرز نجوم الكرة العالمية إلا أنّ نجمهم خفت كثيرا ولم يظهر إلا في مراحل معينة في صورة رياض محرز وساديو ماني إضافة إلى ثالث أفضل لاعب في العالم محمد صلاح صاحب الغزارة التهديفية مع ليفربول، إلا أنه لم يكن مقنعا من هذا الجانب مع المنتخب المصري.
تألق ماني مع السنغال انطلق من الأدوار الاقصائية، حيث كان فعالا من الناحية الهجومية وصنع وسجل أهدافا حاسمة سمحت لمنتخب بلاده بالتأهل إلى النهائي والتتويج باللقب، عكس محمد صلاح الذي سجل هدفين فقط ولم يكن في المستوى وكان من الواضح أنّ الخطة الدفاعية التي انتهجها البرتغالي كيروش لم تخدمه كثيرا وجعلته معزولا طيلة الدورة.
التحكيم في قفص الاتهام
من أهم النقاط السلبية في دورة الكاميرون هي الانتقادات الكبيرة التي وجهت إلى التحكيم الافريقي الذي لم يكن في المستوى وارتكب العديد من الأخطاء التي أثرت في نتائج المباريات، وهو ما جعله من النقاط السلبية التي ساهمت في إفشال الدورة وأدى إلى تراجع المستوى.
لم تنجح لجنة التحكيم على مستوى “الكاف” في اختيار أفضل الحكام من أجل إدارة مباريات كأس أمم افريقيا وما عدا الجزائري مصطفى غربال والجنوب افريقي غوميز والاثيوبي تيسيما، كان التحكيم غائبا عن الدورة من حيث جودة المستوى، حيث ارتكب العديد من الحكام أخطاءا بدائية كانت مؤثرة على المستوى الفني وساهمت في تأهل منتخبات على حساب أخرى.
أبرز نقطة يمكن التكلم عنها هو القرار التاريخي الذي اتخذه الحكم زيكازوي عندما أنهى مباراة تونس ومالي في دور المجموعات قبل نهاية الوقت الأصلي، وكانت حجته فيما بعد أنه تأثر من الناحية الصحية بحكم أن المواجهة لعبت على الساعة الثانية ظهر،ا وهو عانى من حالة جفاف على مستوى الجسم جعلته بدون قصد ينهي المباراة قبل نهايتها.
في هذه النقطة القانون واضح، حيث يستطيع الحكم أن لا يكمل المباراة في حال أحسّ بأيّ عارض صحي بأن يقوم بإخطار الحكم الرابع الذي يكمل المباراة مكانه، لكن لا يتخذ قرارا بإنهاء المباراة قبل موعد نهايتها بحجة أنه تأثر صحيا، حيث ارتكب خطأ فادحا سيبقى وصمة عار في جبينه مدى الحياة.
من الأخطاء الأخرى التي أثرت على سير المباريات هو الخطأ الذي ارتكبه حكم مباراة تونس وبوركينافاسو في ربع النهائي، عندما احتسب هدفا لمنتخب بوركينافاسو رغم أن المهاجم لمس الكرة بيده قبل التسديد نحو المرمى، إلا أن الحكم رفض الاحتكام إلى تقنية “الفار” من أجل التأكد من صحة الهدف، وقرر إكمال المواجهة بشكل عادي ليساهم بذلك في تأهل منتخب بوركينافاسو إلى نصف النهائي.
أحداث ملعب أوليمبي
أدى سوء التنظيم لدورة الكاميرون إلى سقوط أرواح، حيث عرفت مباراة الكاميرون في ملعب “أوليمبي” سقوط 8 قتلى بسبب التدافع بالنظر إلى سوء التنظيم الذي عرفته عملية الدخول إلى المباراة، وهو الأمر الذي جعل “الكاف” تطالب السلطات الكاميرونية بضرورة إجراء تحقيق معمّق من أجل معرفة هوية المتسبب الرئيسي فيما حدث.
لم تتأخر السلطات الكاميرونية في اتخاذ إجراءات استعجالية بعد حادثة التدافع، منها إغلاق ملعب “أوليمبي” مؤقتا وإعفائه من مباريات ربع النهائي إضافة إلى إجراء تحقيق داخلي حول من اتخذ قرار فتح كل أبواب الملعب، وهو الأمر الذي أدى إلى التدافع التي تسبب في وفاة 8 أشخاص كانوا يريدون مشاهدة المباراة.
وزير الرياضة الكاميروني لم يتردد في القول أنّ من اتخذ قرار فتح الأبواب كان قصده بريئا ولم تكن له نية التسبب في وفاة الأشخاص وإنّما همه الوحيد كان السماح لأكبر عدد من المناصرين الدخول من أجل دعم المنتخب الكاميرون خلال المباراة، ولكنه لم يكن يعلم أنه سيتسبب في وفاة 8 أشخاص وإصابة العديد من المناصرين الذين تم نقلهم إلى المستشفى.