13 أفريل 1958..ذكرى تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني

شبـاب طــمــوح حـمل قـــضيــة وطـن

نبيلة بوقرين

 مهمّـة رياضـية  لاسـترجاع الحـرية

تعتبر الرّياضة من بين الأساليب التي اعتمدت عليها قيادة جبهة التحرير الوطني لدعم القضية الجزائرية في الخارج إبّان الثورة المجيدة، ولبلوغ الهدف المتمثل في تحرير الوطن وقبل أشهر قليلة فقط عن تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الذي كان بتاريخ 19 سبتمبر 1958، بدأت هياكلها تبرز للوجود. وحتى تكتمل الصورة كان من الضروري وجود تنظيم رياضي يحمل الرسالة التي تحمل أغراضا سياسية متخفية وراء الرياضة لتفادي مُضايقات المُستعمر الغاشم.
وبالفعل جاء ميلاد فريق جبهة التحرير الوطني، الذي كان يتكون من شباب طموح مثّلوا الثورة الجزائرية وحملوا على عاتقهم مهمة التعريف بها، من خلال تقديم الدّعم لنشر أهداف قضية شعب سُلبت منه أبسط شروط الحياة.

ظهرت فكرة تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم بداية سنة 1955، إلاّ أنّ التنظيم ظلّ ينتظر لعدة سنوات، ولما اجتمعت كل العوامل المساعدة على بداية العمل الميداني من خلال ظهور الفريق في 13 أفريل 1958، لأنّهم كانوا يدركون أهمية الرياضة في لفت نظر الشعوب في مختلف دول العالم، وبعد تنقلاتهم وجولاتهم أكسبتهم الخبرة والتجربة جعلتهم يشرعون في العمل على تجسيد تلك الفكرة على أرض الواقع، والأمر يتعلق بكل من محمد بومزراق، عبد العزيز بن تيفور، محمد معوش، لعريبي وأسماء أخرى قدّمت ما عليها للنّجاح في هذه المهمة.
خبرة وذكاء المؤسّسين
لم تكن المأمورية سهلة بالنظر للأوضاع التي كانت سائدة في تلك الفترة، ولهذا كان من الضروري العمل في سرية تامة وتفادي أي خطأ قد يُفشل المهمة، وظلّت الأمور تجري في سرّية تامة إلى غاية البداية الفعلية لهذا المولود الجديد الذي سيكون له صدى إعلاميا وسياسيا كبيرا فيما بعد على كل الأصعدة، وكان بمثابة ضربة مُوجعة لفرنسا التي كانت تعمل من أجل إفشال الثورة التحريرية، وتمنع امتدادها من خلال قمع كل التنظيمات التابعة لجبهة التحرير الوطني، إلاّ أن الخبرة والذكاء وبُعد النظر بالنسبة للأشخاص الذين تمّ تكليفهم بهذه المهمة الصعبة والدقيقة كان أقوى بكثير من رقابة الفرنسيين، ونجحوا في تأسيس الفريق الذي سيمحل على عاتقه قضية وطن بأكمله.
البداية كانت من خلال التقرُّب من اللاّعبين الشباب المحترفين بالأندية الفرنسية، حيث عمل كل من بومزراق ورفاقه على كسب ود وثقة مجموعة من أبرز الأسماء الذين كانوا يملكون شعبية كبيرة، في صورة كل من رشيد مخلوفي الذي ساهم في تتويج منتخب فرنسا العسكري بكأس العالم، إضافة لمصطفى زيتوني الذي كان معنيا بمونديال السويد رفقة مخلوفي سنة 1958، محمد معوش وآخرين من خلال اللقاءات الدورية في عطلة نهاية الأسبوع حتى لا يلفتوا انتباه المسيّرين على رأس الأندية التي كانوا يلعبون لها.
فك الحصار الإعلامي..
بعدها جاء الدور على تأمين الطرق من أجل هروب اللاّعبين بعدما أبدوا قبولهم للفكرة، ووافقوا على تلبية نداء الوطن والجبهة على حساب الامتيازات التي كانوا يحظون بها في نواديهم، ما يعني أنهم سيُحدثون ضجّة إعلامية لفك الحصار الذي كانت تفرضه السلطات الفرنسية في هذا الجانب، إلاّ أن اختفاء 10 أسماء لامعة في الدوري الفرنسي في ليلة واحدة كان بمثابة صفعة حقيقية للفرنسيين في كل المستويات، ونجاح واسع النطاق لجبهة التحرير الوطني في الجزائر وبفرنسا وتونس في آن واحد.
تعبيد الطّريق نحو تونس
الخروج من فرنسا باتجاه تونس كان عن طريق الحدود الإيطالية والسويسرية، وقبيل يومين فقط عن المواجهة الودية التي كانت ستجمع بين المنتخب الفرنسي بنظيره السويسري بتاريخ 16 أفريل من سنة 1958، والدليل واضح في عدم هضم الأمر بالنسبة للسلطات الفرنسية التي لجأت للاتحاد الدولي لإفشال المخطط من أجل فرض عقوبات على كل الدول التي تواجه فريق جبهة التحرير الوطني، والتي كانت ستصل لدرجة الحرمان من المشاركة في المونديال الذي بقي على انطلاقه شهرين فقط.
الوصول إلى تونس لم يكن بالأمر السّهل بالنظر للانتشار الواسع لخبر هروب اللاعبين الجزائريين من أنديتهم، ما جعل شرطة الحدود تقوم بتكثيف الرقابة لإعادتهم، لكن الأمور كانت مُخطّطة بكل ذكاء ووضعت التّرتيبات اللاّزمة لكل الأحوال من طرف القائمين على فكرة تأسيس هذا الفريق، من خلال الاستعانة بأصدقائهم من مختلف الجنسيات وفي كل الأماكن بالنظر لتحرّكاتهم المدروسة، ولحظة وصول زملاء مخلوفي إلى تونس، استقبلوا استقبالا مميّزا، وسخرت امكانات كبيرة تحت تصرف الفريق الجزائري.
كما كان هروب العناصر التي تنشط في فرنسا بمثابة دافع كبير للاعبين المحليين من أجل تقديم الدعم لزملائهم، بما أنّ الأسماء المحترفة تركت كل شيء ولبّت النداء لدعم القضية الوطنية، وكانوا سفراء حقيقيين لقضية وطن مسلوبة حريته بالقوة والعنف. وبالفعل توسّعت القائمة حتى وصلت 32 لاعبا سنة 1960، صالوا وجالوا في عدد كبير من الدول العربية والأجنبية الصديقة، ووجدوا كل الترحاب والدعم من طرف المسؤولين والزعماء لدرجة أنّهم كانوا يزورونهم في أماكن إقامتهم.
الواجب الوطني فوق كل شيء آخر، هذا ما أكده أبرز صُنّاع أمجاد فريق جبهة التحرير الوطني، وكانوا من بين المؤسّسين في صورة كل من عبد الحميد زوبة، محمد معوش، محمد سوكان ورشيد مخلوفي الذين كشفوا عن كل تفاصيل المغامرات التي عاشوها منذ ميلاد الفريق إلى غاية نيل الإستقلال، كان ذلك من خلال نزولهم ضيوفا في وقت سابق بجريدة «الشعب»، حيث لم يبخلوا علينا بأي معلومة لكي يعرف الجيل الصاعد أهمية العمل الذي قاموا به لإعطاء دفع للقضية وعدالة الثورة المجيدة.
إعلاء الراية الوطنية وإسماع دوي النشيد الجزائري في أكبر المحافل كان الحدث الأبرز وأهم خطوة للفريق، ما جعله يُعطي صورة جميلة ورائعة عن شعب سُلبت منه حريته من خلال الأخلاق العالية التي كانوا يتحلون بها، لدرجة أدهشت كل المتتبعين للقاءات التي لعبوها، حيث كانوا مثالا في الأداة التي تفتح الطريق أمام السياسيين، وفي مجموعة ضمّت 32 لاعبا.
عبد الحميد زوبة: «لم أتردّد في تلبية نداء الوطن»
بتأثُّر شديد يروي لنا نجم فريق جبهة التحرير الوطني عبد الحميد زوبة حياته منذ الولادة وإلى غاية إلتحاقه برُفقاء الدّرب بتونس لدعم القضية الوطنية من أجل نيل الحق المشروع المتمثل في الاستقلال وطرد المستعمر الغاشم، وقال في هذا الشأن «أنا من مواليد بولوغين بتاريخ 2 أفريل 1934، وجذورنا من ذراع الميزان، لكنني نشأت وترعرت في العاصمة، من عائلة بسيطة جدا كنا نعاني من الفقر على غرار أغلب الجزائريين بسبب الظروف الإجتماعية الصعبة التي كانت في تلك الفترة».
واصل أحد أبرز نجوم فريق جبهة التحرير الوطني قائلا: «الاستعمار الفرنسي مارس أبشع أنواع الظلم والإستبداد في حق الجزائريين، ولم نكن نقدر على المُطالبة بحقوقنا لأن فرنسا كانت تملك جيشا قويا ما جعلنا نرضخ للأمر، ولما جاء نداء الجبهة لتمثيل القضية الوطنية لم أتردد في ذلك وقبلت مباشرة المهمة وتركت كل شيء خلفي، لأننا عشنا ويلات الإستعمار وكنا على دراية بما يحدث للشعب الأعزل من ظلم وإستبداد ما جعلنا نتجه نحو تونس معقل تشكيل هذا الفريق رفقة مجموعة من الشباب».
محمد معوش: الحنكة وبُعد النّظر
محمد معوش روى لنا في تصريح سابق لـ «الشعب» قائلا «جاءت فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم خلال مشاركة مجموعة من الطلبة الجزائريين في تظاهرة رياضية في عاصمة الإتحاد السوفياتي آنذاك بموسكو سنة 1958، حيث كان محمد بومزراق من بين الوفد الجزائري المتواجد في هذا الموعد الذي لاحظ تأثير الرياضة حينها على الرأي العام، خصوصا في ظل وجود عدد كبير من اللاّعبين الجزائريين في صفوف مختلف الأندية، بالرغم من قناعة بومزراق بهذه الفكرة إلاّ أنه بقي مُتحفّظا على الموضوع، واحتفظ بالفكرة في رأسه من أجل ضمان السرية، وبعدها اتصل ببن تيفور الذي كان يلعب لنادي موناكو الفرنسي، وهذا الأخير تحمّس كثيرا للفكرة».
بدأ العمل الجاد من خلال الشروع في تجسيد الفكرة على أرض الواقع من خلال توجيه الدعوات للاعبين الذين كانت تراهم الجبهة الأنسب من أجل القيام بهذه المهمة التي تكمن في تمثيلها كرويا في مختلف دول العالم حسب معوش «كان حينها سنّي لا يتجاوز الـ 22 سنة، كنت لاعبا محترفا بنادي رامس الفرنسي عندما إتصل بنّا مسؤولو الجبهة سنة 1958 وبما أنني كنت أغادر كل نهاية أسبوع من أجل الترفيه عن نفسي، و في إحدى المرات إلتقيت مع بومزراق الذي كنت أعرفه من قبل، وبعدما تبادلنا أطراف الحديث قال لي إنه على موعد مع مختار عريبي فذهبت معه وجلسنا مع بعض..لكنه لم يحدّثي عن أمر الفريق واكتفى بطرح سؤال حول موعد خروجي من الثكنة، وبعدها كان لنا لقاء ثان مع الدكتور مولاي في جانفي 1958، كشف لي خلالها أن هدفه الأساسي من هذه الفكرة إحداث ما يشبه الزلزال داخل فرنسا من خلال تقديم الدّعم للثورة التحريرية بطريقة تساهم في لفت أنظار العالم، هكذا بدأت الفكرة تتجسد فعليا على أرض الواقع، ونجح الفريق في إسماع صوت الثورة التحريرية».

محمد سوكان: اللاّعب الهادئ والطّموح
ولد محمد سوكان في 12 أكتوبر 1931، بدأ ممارسة كرة القدم في سن مبكّر لا يتجاوز الـ 14 سنة لأنها كانت هوايته التي يُحبُّها كثيرا على غرار كل عشّاق الساحرة المستديرة في العالم، وبالنظر للمهارات العالية التي كان يتمتّع بها سمحت له بالإنضمام إلى فريق كبير ومعروف يدعى «لوهافر» الذي فجّر فيه طاقاته، ما جعل المسؤولين في جبهة التحرير الوطني يوجّهون له الدعوة من أجل الإنضمام لفريق جبهة التحرير الوطني للمشاركة في المباريات التي خاضتها المجموعة في عدة دول، وبما أن سوكان كان يتمتع بروح وطنية عالية لبى نداء الوطن والتحق بالرفاق في تونس شهر جويلية 1958.
يعتبر محمد سوكان من بين أبرز اللاعبين الذين صنعوا أمجاد الكرة الجزائرية إبان الحقبة الإستعمارية بعدما لبّى نداء المسؤولين في جبهة التحرير والتحق بالفريق، لم يكن إلتحاقه بتونس المعقل الذي تجمع فيه كل اللاعبين بالهيّن حيث واجه صعوبات كثيرة في طريقه ما جعله يصل رفقة الدفعة الثانية إلى جانب كل من إسماعيل إبرير المسؤول المكلف من طرف مسؤولي الجبهة ولاعب في نفس الوقت، حسبما أكّده عمي محمد سكان في قوله «أنا من مواليد 12 أكتوبر 1931، كنت أحب كثيرا لعب كرة القدم لكن الظروف لم تكن سهلة لأننا كنا تحت وطاة الإستعمار الفرنسي، وبعدما كنت أمارسها كهواية على غرار كل الأطفال باللّعب في الشارع تمكنت من تحقيق حلمي عندما كان عمري لا يتجاوز الـ 14 سنة، لتأتي بعدها فرصة العمر من خلال الإنضمام لنادي لوهافر الفرنسي الذي كان معروفا بعدما أعجب القائمين عليه بأدائي فوق الميدان».
واصل سوكان قائلا «تلقيتُ خبر استدعائي لفريق جبهة التحرير عن طريق حمزة محمد وعلي الذي كان مسؤولا بمرسيليا، حيث نزل خبر هروبنا كالصاعقة على الفرنسيين لأنهم لم يهضموا ذلك، لكن الأهم من ذلك أنه وبالرغم من الصعوبات والعراقيل إلاّ أننا تمكنا من الوصول إلى تونس، والشروع في المهمة التي كانت تنتظرنا والمتمثلة في التعريف بالقضية الوطنية».

رشيد مخلوفي..أبرز الأسماء
يُعتبر رشيد مخلوفي من بين أبرز الأسماء التي صنعت خطوات فريق جبهة التحرير الوطني بالنظر للدور الرائد الذي قدمه منذ الوهلة الأولى لتلقي نداء الوطن. من مواليد 12 أوت 1936 بمدينة سطيف، إلتحق برفقائه في تونس ضمن الفوج الأول رفقة كل من كرمالي، بن بيتور، عريبي وأسماء أخرى كانت السباقة في تنفيذ الواجب الوطني حسبما كشفه قائلا «قرّر المسؤولون في جبهة التحرير الوطني تكوين فريق في كرة القدم من خلال الإعتماد على الإمكانات التي يتمتع بها اللاعبين الجزائريين الذين ينشطون في الدوريات الفرنسية، جاء ذلك بهدف دعم القضية وإسماع صوت الثورة في كل بقاع العالم تشكل الفريق بشكل رسمي بتاريخ 13 أفريل 1958».
أكّد مخلوفي أن التنقل من فرنسا إلى تونس لم يكن سهلا بالنظر للصعوبات التي واجهتهم من طرف السلطات الفرنسية بعدما اكتشفت الأمر في قوله «قام المسؤولون في الجبهة بالتحضير لكل شيء بداية من ظهور الفكرة وصولا إلى تجسيدها على أرض الواقع في ظل سرية كبيرة ودقة عالية لتفادي أي تسرب للمعلومات خشية من إفشال هذا المخطط، الذي يعد من بين الآليات لدعم القضية الجزائرية وإعطاء دفع للثورة في كل أرجاء العالم لكي يعرف الجميع بوجود الجزائر وشعب يعاني من ويلات الإستعمار الفرنسي، والحمد لله تمكنا من رفع الراية الوطنية في عديد المواعيد والتظاهرات الرياضيات، وعرف العالم كله الوضع الذي تعيشه الجزائر بسبب المستعمر».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024