قائد ترسّخت صورته في مخيلة الأعداء قبل الأصدقاء، لما قدّمه من جهد وتضحيات خدمة لقضية شعبه الذي يعاني الويلات تحت سلطة احتلال لا يرحم؛ إنه الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، الذي نقف عند مآثره وإنجازاته من خلال هذا الحديث الذي أجرته «الشعب» مع الخبير الاستراتيجي والأمني الدكتور حكيم غريب.
- «الشعب»: ودّع الصحراويون رئيسهم، ما تقولونه في هذه المناسبة الأليمة؟
الدكتور حكيم غريب: لقد كان الرئيس الراحل محمد بن عبد العزيز إبنا من أبناء الشعب الصحراوي المناضل. فالرجل كان جزءا لا يتجزأ من كفاح شعبه ضد الاحتلال المغربي، وقائدا طبعت صورته في مخيلة الأعداء قبل الأصدقاء لما قدّمه خدمة لقضية بلاده العادلة، وسعيا للاستقلال التام ولتحرير الأراضي الصحراوية المحتلة من سلطة نظام المخزن. صحيح أن القدر لم يترك الفرصة لهذا القائد العظيم حتى يقطف ثمار كفاحه على الأرض، لكن العزاء الوحيد أنّه استطاع، على مدار عقود طويلة، أن يبني الإنسان الصحراوي المسلح بالروح الوطنية والمشبّع بالوعي السياسي وبعدالة قضيته..
هذا القائد المشهود له بطول الصبر والتحلي بروح المسؤولية، استطاع بذكائه السياسي والعسكري أن يجعل القضية الصحراوية تصل إلى سن الرشد والنضوج، وتعبر كل المراحل الصعبة وتوصل صوتها إلى أعلى مستويات اتخاذ القرار على المستوى الدولي، الإقليمي والإفريقي. وفي الحقيقة إن وفاة رئيس الجمهورية العربية الصحراوية محمد عبد العزيز، تعد خسارة للكفاح والنضال من أجل التحرر والاستقلال في القارة السمراء، فبوفاة هذا الزعيم تخسر أفريقيا ثاني أكبر مدافع عن قضايا التحرر وتصفية الاستعمار بها بعد الزعيم نيلسون مانديلا.
- الأكيد أن حياة الرئيس الراحل كانت حافلة بالنضال والإنجازات، تقييمكم لها؟
كانت إنجازات الفقيد كبيرة على مستوى القضية الصحراوية، لعل أهمها ترسيخ عدالة القضية في ضمير أبناء الشعب الصحراوي وفي ضمير المجتمع الدولي.
وقد جاءت وفاة الرئيس محمد عبد العزيز، في ظل تحديات كبيرة تعرفها المنطقة، خاصة بعد توقف مسار المفاوضات بين نظام المخزن وجبهة البوليساريو والتلويح الصحراوي بالعودة إلى الكفاح المسلح، إضافة إلى تماطل المغرب وضربه القرارات الأممية الداعية لحق تقرير المصير عرض الحائط وحالة الجمود والصمت التي تطبع المجتمع الدولي وعجز هيئة بان كي مون عن حل القضية الصحراوية.
إن الراحل خدم طوال حياته النضالية من أجل الدفاع عن كرامة شعبه وحقه في تقرير مصيره، فكان في كل المؤتمرات والمحافل الدولية والإقليمية يسمع صوت أبناء شعبه الذي مازال يصرخ تحت وطأة المستدمر المغربي منذ أكثر من 40 سنة، لقد كان رجلا مدافعا وبطلا رهن حياته لخدمة القضية الصحراوية بشتى الوسائل والطرق، كما كان صاحب قضية لا يمكن أن تموت بموت صاحبها لأنها قضية أمة تئنّ ولا ترضخ.
- هل سيؤثر غياب الرئيس عبد العزيز على مسار القضية الصحراوية؟
بوفاة الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز، تفقد الأمة الإسلامية رمزا من رموز الكفاح والصبر والسلم، رجل أخذ على عاتقه منذ شبابه قضية وطنه، فكانت العزيمة والصبر والإيمان أهم الدوافع التي جعلت الرجل يخوض كل المعارك المسلحة والدبلوماسية من أجل قضية شعب يطمح للاستقلال التام. ومع وفاة هذا الزعيم، يبدأ التفكير في الرجل المناسب الذي يمكن أن يكمل مسيرة الشعب الصحراوي نحو الهدف المنشود. وباعتقادي، فإن التساؤل المطروح، حول أي مستقبل لـ «البوليساريو» بعد وفاة عبد العزيز وكيف سيؤثر غيابه على مسار القضية الصحراوية والمفاوضات الرامية لإيجاد حل للقضية.
في الحقيقة مستقبل الجبهة هو في المحافظة على المكاسب التي حققتها في عهد الزعيم الراحل وتوحيد القيادة، خاصة في ظل محاولة المغرب الاستفادة من وفاة الرئيس الصحراوي لإدخال الفوضى ونشر الإشاعات المغرضة التي تهدف إلى زعزعة الثقة بين أبناء الشعب الصحراوي.
لهذا نرى أن دور الجبهة في تفويت الفرصة على المغرب في خلق حالة من الفوضى والإشاعات الإعلامية التي تخدم أغراضه.
إن الحذر والحيطة مطلوبان في هذه الفترة الحساسة إلى غاية اختيار حل الإجماع الذي يمكن أن يكون منارة نحو الاستقلال التام للشعب الصحراوي. فالمغرب مافتئ يصطاد في المياه القذرة، وهنا أؤكد على ضرورة تمتين الصفوف والذهاب نحو حل عاجل وسريع للقضية الصحراوية التي طال أمدها.
- كيف ترون مستقبل القضية الصحراوية؟
في الحقيقة يبدو جليا أن التطورات الأخيرة التي عرفتها المنطقة ووفاة الزعيم الصحراوي سيكون له تأثير على مستقبل القضية الصحراوية، خاصة في ظل الواقع السياسي والأمني المتوتر الذي يميز المنطقة وتنامي التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة. لهذا فإن مستقبل قضية الصحراء الغربية مرهون بمدى مصداقية وفعالية الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن في اتخاذ قرارات أكثر جرأة للتعجيل بحلها وإجبار المغرب على الانصياع للوائح الأممية، خاصة في ظل تنافس الدول الكبرى وغيرها على نهب الموارد الطبيعية التي يكتنزها الإقليم المحتل، وهو مرهون أيضا بما يجب على دول الجوار ان تقدمه دعما للقضية الصحراوية ودفعا للمجتمع الدولي ليفرض حلا نهائيا وعادلا لها..