سأسعى جاهدا لاستئناف الحوار.. وتقرير المصير الحل
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أمس، بمخيمات اللاجئين الصحراويين، سعيه لاستئناف الحوار بين أطراف النزاع، وناشد المجموعة الدولية إلى تقديم مساعدات عاجلة للتعامل مع الوضعية الإنسانية المقلقة، وقال “جئت لألفت انتباه العالم لمعاناة هذا الشعب المنسي”.
خص اللاجئون الصحراويون، بمخيمات تندوف، باستقبال شعبي حماسي، ممزوج بالترحيب والغضب العام، ومشهود بثبات الشعب الصحراوي وتصميمه على نيل الاستقلال واقتطاع حريته.
ماعدا إخلالها الفاضح بموعد إجراء استفتاء تقرير المصير، لشعب جمهورية الصحرء الغربية، أبانت الأمم المتحدة، عن احترام شديد لأجندتها الزمنية.
حيث لم تمنع ضغوطات المغرب وتحفظات فرنسا، قيام الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، بزيارته إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين والأراضي المحررة، في موعدها المحدد بـ05 مارس 2016، الذي سيبقى مخلدا دون شك في تاريخ النزاع الطويل والكفاح المرير لشعب مستعمر.
ومثلما سطر في برنامج الزيارة، حطت المروحية الأممية، التي تقل الزائر، بالساحة الرملية التي خصصت لها على يسار الطريق، المؤدي إلى مخيم السمارة.
لحظات قليلة وترجل بان كيمون، رفقة مبعوثه الخاص إلى المنطقة كريستوفر روس، وظهر وسط الغبار المتطاير جراء الرياح، ببدلة رسمية، منسجم فيها لون القميص مع ربطة العنق، بشكل يعكس رمز الهيئة الأممية بلونيه الأزرق والأبيض، وفي ذلك دلالة عن التنمية والسلم.
لكن، هنا، بمخيمات اللاجئين الصحراويين، وهناك بالأراضي المحررة والمحتلة، لا يوجد سلم وإنما وقف لاطلاق النار، ولا مكان للتنمية، ومحلها نهب للثروات الباطنية للشعب الصحراوي الأعزل.
بان كيمون وبعد استقباله من طرف عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو، ومنسقها لدى «المينورسو»، محمد خداد، استقل سيارته السوداء المصفحة (رباعية الدفع)، يعتلي جانبيها الأماميين علمي الجمهورية العربية الصحراوية والأمم المتحدة.
وبسرعة بطيئة، ووسط موكب رسمي، تلقى التحية العسكرية، من قبل الجيش الشعبي الصحراوي، أداها له حوالي 2000 جندي.
بعد نهاية المربعات، سار الموكب محاطا بالحشود الغفيرة من المواطنين الذين اصطفوا على مسافة 15 كلم قبل مدخل مخيم السمارة، الوجهة الأولى للزيارة.
اختلطت تلك الأجواء الحماسية بقليل من الترحيب وكثير من الغضب، أحد الشباب قال للصحافة “لن يأتي بأي جديد لنا.. الله والسلاح”، وهي قناعة يتقاسمها معه غالبية أبناء شعبه، بسبب خيبتهم من الهيئةأ حامية الشرعية الدولية.
وإذا أراد بان كيمون أن يثبت العكس، فما عليه إلا أن يدخل عناصر جديدة نابعة من أرض الواقع، على تقريره الذي سيصدره شهر أفريل المقبل، والكلام هنا لجمع من المواطنين الصحراويين.
غضب هؤلاء، كان لسببين، الأول معروف لدى الجميع، أما الثاني، فكان جريمة القتل التي اقترفتها القوات المغربية، بحق المواطن الصحراوي الأعزل بالمناطق المحررة في 26 فيفري الماضي، حيث ركض العديد من الشباب والنساء خلف سيارة الأمين العام الأممي حاملين صور الشهيد، مطالبين بالثأر ومعاقبة أصحاب الجرم.
لم يتمكن من تفقد المدرسة
اضطر بان كيمون، إلى إلغاء النقطة الأولى في الزيارة، حيث كان مقررا أن يزور مدرسة 18 جوان التابعة للأمم المتحدة، غير أن افلات بعض الغاضبين من قوات الأمن الصحرواية وولوجهم إلى الداخل، خلق حالة من الارتباك والفوضى، وظل بان كيمون بهدوئه المعهود ينتظر وسط الساحة داخل السيارة، لحوالي نصف ساعة، يترقب عودة النظام قبل أن يعطي حرسه الخاص اشارة سلبية، تقرر بموجبها المغادرة والخروج بصعوبة بالغة، بالنظر للعدد الهائل من المتظاهرين المطالبين بتقرير المصير.
وبما أنه لطالما صنعت الثورات بالإرادة والالتحام الشعبي، وغالبا ما كانت الشدة والغضب، وقودا لها ومن عوامل نجاحها وبلوغها محطة النصر، فهذا ما ينطبق بالضبط على تصرف الشعب الصحراوي أمس، بالسمارة ورصدته الصحافة العالمية، ووقف عليه الأمين العام للأمم المتحدة بنفسه، فقد حل وسط شعب احتل نساؤه ورجاله وشبابه وأطفاله وشيوخه وعجائزه ساحات وشوارع المخيمات، وكانوا منسجمين جدا بلباسهم التقليدي الشهير، موشحين بالأعلام الوطنية، حاملين للشعارات وصور الشهداء وضحايا التعذيب.
«..لا بديل لا بديل عن تقرير المصير”، “يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”، “كل الوطن أو الشهادة”، كانت أبرز الشعارات التي استقبل بها ساكنو المخيمات بان كيمون، في السمارة، كما رددوا بوجهه وبلغة إنجليزية يتقنها ويفهمها جيدا “نريد السلم والعدالة”، فيما ظل أخرون يصرخون وبصوت مرتفع “لا للنضال السلمي..نعم للبندقية..نعم للسلاح”.. “ما معنى وقف إطلاق النار” و«لا للحكم الذاتي”.
الغضب العارم الذي أبداه الصحراويون، أمام المسؤول البارز داخل الهيئة المخولة بالوفاء بالتزامات شرعية تجاهمهم يعود بالأساس إلى “تأخر العملية السياسية لمسار التسوية السلمية، وتجمد والمفاوضات مع الطرف المغربي إضافة إلى عدم برمجة تاريخ للاستفتاء”، حسب مصدر سياسي من القيادة العليا لجبهة البوليساريو.
وأكد ذات المصدر “أن نهب الثروات وعجز الأمم المتحدة عن إيجاد آلية لمراقبة حقوق الإنسان”. واعتبر أعضاء قياديون في جبهة البوليساريو، أن الشعب الصحراوي سيد وأسمع صوته بكل صدق وعبر عما يشعر به، قائلين “لقد صبر شعبنا 25 سنة وهو ينتظر تحديد تاريخ لاستفتاء تقرير المصير، ويعاني كل يوم من انتهاكات لحقوقه وثرواته إلى درجة أنه بات يقتل مدنيين بدم بارد دون أن تتحرك الهيئة ساكنا الأممية ساكنا”.
الرئيس عبد العزيز ينقل معاناة الصحراويين
دفعت الحشود الشعبية الصحراوية بان كيمون، إلى مغادرة مخيم السمارة، دون تنفيذ البرنامج المسطر، وتوجه مباشرة إلى الرابوني، أين حظي باستقبال الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز، بمقر الرئاسة.
وطرح عبد العزيز خلال المحادثات التي جمعته بالأمين العام للأمم المتحدة، انشغالات الشعب الصحراوي، بدء بالشق السياسي المتمثل في استئناف المفاوضات وتحديد تاريخ لإجراء استفتاء تقرير المصير، والذي قال بشأنه محمد خداد “أننا نريده قبل نهاية السنة الحالية”.
كما تناول اللقاء الوضعية الإنسانية، وعدم توفر «المينورسو» على صلاحيات مراقبة حقوق الإنسان، الأمر الذي أدى إلى حرمان الشعب من الحماية اللازمة.
ويشغل استمرار السلطات المغربية، في استغلال الثروات الطبيعية بشكل غير قانوني، بال الصحراويين، الذين يصرون على وقف النهب الممنهج والمدعوم من قبل الشركات المتعددة الجنسيات.
وأبلغت قيادة البوليساريو، بان كيمون، بتفاصيل الوضعية الإنسانية الصعبة التي يعيشها لاجئو المخيمات، وقرب نفاذ المؤونة من الأدوية والغداء، وأبدت استعدادها للتعاطي بإيجابية مع جهود الأمم المتحدة، ومواصلة الكفاح الدبلوماسي، لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب.
يعترف في ندوة صحفية بمعاناة الشعب الصحراوي
وصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كيمون، اللاجئين الصحراويين بـ«الشعب المنسي”، وقال أنه جاء ليلفت أنظار العالم إليه، وأبدى تفهما كبيرا للغضب الذي استقبل به في ولاية السمارة.
وأفاد بان كيمون في تصريح للصحافة، بمقر رئاسة الجمهورية العربية الصحراوية بالرابوني، بتأثره للمشاهد التي ميزت لحظات وصوله إلى المخيمات، وقال “قرأت مشاعر من استقبلوني في وجوههم وتأثرت كثيرا لذلك”.
وأوضح أن الأعداد الكبيرة التي خرجت لاستقباله حالت دون تمكنه من الخروج من المركبة، ما دفعه للعودة والتوجه نحو الرابوني للقاء الرئيس محمد عبد العزيز.
وأضاف في السياق، أن ما أحزنه فعلا “هو الغضب الذي سمعته من الكثيرين، فهذا شعب أمضى 40 عاما يعيش في ظروف صعبة جدا ويشعرون أن العالم قد نسيهم ونسي قضيتهم وهذا أمر مفهوم”.
تعهد بالعمل على استئناف الحوار
وفي الشق السياسي الأكثر أهمية وحساسية، كشف بان كيمون أنه تعهد لممثلين عن الشباب الصحراوي “أن الأمم المتحدة ستعمل بشكل أكثر كي تستأنف الحوار وتوفر الدعم للاجئين”.
واعترف بشكل غير مباشر، بفشل الهيئة في تطبيق مخطط التسوية السلمية للقضية على أرض الواقع، والوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الصحراوي.
وقال بان كيمون “الأطراف المتنازعة على الصحراء الغربية لم تحرز تقدما حقيقيا في المفاوضات للتوصل إلى حل عادل ومقبول للطرفين”.
وأكد في الوقت ذاته، أن طريق الحل لن يخرج عن تمكين الشعب الصحراوي من تطبيق مصيره، مفيدا “أنه على هذا الحل أن يفضي إلى تقرير المصير وذلك ما طالب به مجلس الأمن منذ سنة 2004”.
وبشأن الهدف من زيارته للمنطقة، أكد بان كيمون إنه جاء للمخيمات “لتقييم الأمور وأطلع عليها شخصيا وأقدم مساهمة لمجلس الأمن”، مشيرا إلى التقرير السنوي الذي سيقمه مطلع شهر أفريل المقبل.
واعتبر المتحدث، محادثاته مع الرئيس محمد عبد العزيز، أنها كانت إيجابية، وخرجت بعناصر مشجعة في اتجاه التسوية السياسية، ووعد باتخاذ الجهد اللازم للدفع نحو التقدم.
على صعيد أخر قال، الأمين العام للأمم المتحدة، “أن الحالة الإنسانية حرجة جدا، وهناك حاجة ملحة، للتعليم الجيد وخدمات المياه والغذاء والصرف الصحي ومصدر الرزق”.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة ستعمل بشكل أكبر مع المجتمع الدولي، لتقديم المساعدات الإنسانية، ودعا الدول المانحة إلى رفع نسبة مساهماتها قصد ضمان تكفل أفضل بحاجياتهم.
وأكد بان كيمون أنه جاء ليقف “شاهدا على إحدى المآسي الإنسانية المنسية”، مضيفا “مخيمات اللاجئين في تندوف من أقدم المخيمات في العالم ومن المحزن أن أرى أسرا ممزقة أوصالها طيلة هذا الزمن”، وهو ما يحمل انتقادا ضمنيا لجدار العار الذي شيده المغرب، للفصل بين عائلات الشعب الصحرواي المتواجدة في المخيمات والأخرى القابعة تحت سطوة الاستعمار في الأراضي المحتلة.
وقال بان كيمون، أن شعب الصحراء الغربية، عانى كثيرا من الصعوبات، “وأزوره اليوم لألفت أنظار العالم لها”. وشدد على ضرور تحسين الأوضاع الإنسانية، بغض النظر عن الحالة السياسية لأن “الوضعية باتت غير مقبولة” يقول بان كيمون.
ومن بين أهداف الزيارة، معاينة بعثة «المينورسو»، وموقع الفريق العامل بير الحلو، بالمناظق المحررة وكذا القائم بازالة الألغام، واعتبر أنها تقوم بعمل جيد رغم الظروف الصعبة للغاية، وقال أنه يعتزم توقع زيارة مقر البعثة في منطقة العيون قريبا.
قلق من الأوضاع الأمنية في المنطقة
أبدى الأمين العام الأممي، قلقا بالغا حيال تزايد نشاطات الجريمة المنظمة بمنطقة الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا، واعتبر أنها عرضة للتنظميات الإرهابية.
وقال “ونحن نعرب عن قلقنا إزاء زيادة النشاط الإجرامي والمتعلق بالمخدرات واحتمال قدوم المتطرفين والإرهابيين إلى هذه البقعة من العالم”.
البوليساريو: زيارة إيجابية وسلمناه مذكرة
سلمت جبهة البوليساريو، مذكرة تفصيلية عن الأوضاع السياسية والإنسانية والحقوقية للشعب الصحرواي، للأمين العام للأمم المتحدة، وعبرت عن آمالها في أن تساهم الزيارة في دفع عجل تنفيذ استفتاء تقرير المصير، وتحديد المسؤوليات على الأقل في التقرير السنوي المنتظر الشهر المقبل.
وقال عضو الأمانة الوطنية للممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، محمد خداد، في ندوة صحفية، أعقبت تصريح بان كيمون، “أننا ننتظر أن يضع الأمين الأممي النقاط على الحروف، ويساهم في توضيح الرؤيا وإيجاد حل والوقوف على العراقيل التي يضعها المغرب أمام التسوية السلمية”.
وأكد خداد أن بان كيمون لم يعط وعودا أو ضمانات بشأن احتمال إدراج عناصر جديدة في تقريره المقبل، “لكنه أبدى عزمه على السعي لتحريك عجلة الحل واستئناف الحوار”.
وأفاد بأهمية الزيارة “بالنظر إلى التوقيت من جهة ولعدم رضوخ بان كيمون لضغوطات المغرب والتحفظات التي أبدتها كل من فرنسا والسنغال على هذه الزيارة”.
وقال أن القيادة الصحراوية طلبته بتوفير الحماية للشعب الصحراوي، عبر توسيع مهام المينورصو لمراقبة حقوق الانسان، مثلما هو معمول به في جميع البعثات الأممية حول العالم.
ولفت إلى أن مقتل المواطن الصحراوي، على يد المغرب في الأيام القليلة الماضية بالمناطق المحررة، من أسباب غضب المتظاهرين الصحراويين الذين خرجوا لاستقبال الأمين العام للأمم المتحدة.
وأشار إلى نفاد صبر الشعب، من عدم وفاء الهيئة الأممية بالتزاماتها منذ اتفاق 1991، واستمراره لاجئا طيلة 40 سنة وثرواته تنهب دون أن يحرك أحد ساكنا، واعتبر أنها من بين دوافع الغضب التي عبر عنها بالسمارة.
واستطرد خداد، بالقول “أن زيارة بان كيمون لا تكفي لوحدها، ولن يستطيع القيام بكل شيء لوحده، والقرار الأخير يبقى بمجلس الأمن الدولي”.
وقال “أن التغير المتوقع مستقبلا تجاه القضية الصحراوية، سيتحقق بتغير موازين القوى في العالم”، مؤكدا أن شعب الصحراء الغربية سيظل دوما متمسكا باستقلاله وتقرير مصيره باستخدام كافة الخيارات المتاحة أمامه.
يذكر أن بان كيمون، وبعد أن زار بلدة بئر الحلو، بالمناطق المحررة، توجه مباشرة نحو مطار تندوف ومنه إلى الجزائر العاصمة.