انطلقت، أمس، بالسنغال، محاكمة الرئيس التشادي السابق، حسن هبري، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب وجرائم تعذيب، أثناء فترة حكمه البلاد الممتدة بين 1982-1990، ويواجه عقوبة السجن المؤبد والأشغال الشاقة، فيما يتوقع أن تستغرق المحاكمة عدة أشهر.
ستحاكم السنغال حسن حبري، «باسم إفريقيا»، بناءً على طلب الاتحاد الإفريقي المؤرخ في 02 جويلية 2006، الأمر الذي يجعل من القضية سابقة في تاريخ القارة الإفريقية، لأنها المرة الأولى التي تقاضي فيها أحد أبنائها بنفسها، دون اللجوء إلى المحاكم الدولية أو محكمة الجنايات الدولية بلاهاي، التي توجد محل سخط واستياء الاتحاد الإفريقي.
جاءت الفرصة أخيرا، أمام الأفارقة، لتقديم البرهان القاطع، على كفاءتهم القضائية، لتحقيق العدالة وإبعاد تدخل الآخرين في شؤونهم، حيث تعتبر محاكمة حسن حبري، مناسبة لرد الاعتبار من جهة، وتوجيه رسالة قوية لمحكمة لاهاي، التي «يرى الاتحاد الإفريقي أنها تعتمد على العدالة الانتقائية، وتتابع رؤساء دول وحكومات البلدان الإفريقية منذ إنشائها، دون غيرهم من المسؤولين السامين من باقي القارات». وتحدت كثير من الدول الإفريقية، قرارات المحكمة، حينما رفضت في أكثر من مناسبة الاستجابة لمذكرات التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، رافضة تسليمه أو محاسبة، كما حصل في آخر قمة للاتحاد الإفريقي بجنوب إفريقيا.
وبالنسبة لمنظمة هيومن رايس ووتش، الأمريكية، فإن «محاكمة السنغال لحسن هبري ليست سابقة لإفريقيا فحسب، بل هي المرة الأولى في العالم التي تقوم فيها دولة بمحاكمة رئيس دولة أخرى على أرضها»، مثلما أكدها ممثلها في القضية خلال تصريح صحافي.
وأكد الناطق الرسمي لمحكمة الجنايات الخاصة، التي تتولى محاكمة حبري، أن القضية ستكون سانحة لإثبات قدرات إفريقيا في الميدان القضائي، مشددا على تحري الصدق والشفافية الكاملة والنزاهة، خاصة وأن المسألة جد حساسة وتتعلق بجرائم ضد حقوق الإنسان وترتقي إلى الإبادة الجماعية.
ولاشك أن المحاكمة ستكون خطوة مهمة لتطبيق مبدإ «الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية» المرفوع بقوة في السنوات الأخيرة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، حيث اشتد النقاش حول الميكانيزمات اللازمة لإبعاد تدخل الغرب في شؤون القارة، بعد عدة أحداث متوالية خلفت انعكاسات جد سلبية على دولها وشعوبها.
بالعودة إلى التهم الموجهة للديكتاتور التشادي السابق، يتضح أن ملف التهم الموجهة إليه ثقيل جدا، على رأسها قتل أزيد من 40 ألف شخص خلال 8 سنوات، وهي فترة حكمه لبلاده من 1982 إلى غاية 1990، تاريخ الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده الرئيس الحالي إدريس ديبي إنتو، الذي كان قائد أركان الجيش آنذاك.
حياة حربي في ملجئه بالسنغال، كانت هادئة نسبيا، إلى غاية 2000، حين قرر 7 مواطنين تشاديين رفع دعوى قضائية ضده بالسنغال، باسم الكفاءة القضائية خارج إقليم الدولة، بعد سنة تلقى حسن حبري خبرا مفرحا، بعد تصريح السلطات السنغالية بعدم اختصاصها.
لكن القضية لم تتوقف واستمر من يعتبرون أنفسهم ضحايا وحشية نظام حبري، في متابعته وتوجهوا هذه المرة إلى بروكسيل العاصمة البلجيكية، أين أصدر قاض مذكرة توقيف دولية بحقه، ومورست ضغوطات على السنغال لتسليمه، لكنه قاوم بدعم من الاتحاد الإفريقي، وطالب بمحاكمته باسم إفريقيا سنة 2006، ولم قبول الرئيس عبد اللاي وادي تطبيق قرار الهيئة الإفريقية، بسبب ما قيل إنها رغبة غير معلنة في التخلص من الملف، غير أن الإرادة الإفريقية في منع محاكمته خارج القارة، كانت أكبر حيث تلقت السنغال 8.5 ملايين أورو تكاليف مالية لمباشرة القضية.
بعد انتخاب الرئيس ماكي صال، سنة 2012، ظهر تصميم السنغال على محاكمة حبري وتنفيذ الموقع بينها وبين الاتحاد الإفريقي في 2011، القاضي بإنشاء 4 محاكم إفريقية خاصة، ليقف حسن حبري أمام محكمة الجنايات يوم 02 جويلية 2013، أين وجهت له التهم المذكورة وحدد تاريخ محاكمته في 20 جويلية 2015.
وتبدو حظوظ حبري، ضئيلة لنفي ما ينسب إليه، بعدما عثرت المنظمات الحقوقية الدولية على أطنان من وثائق الشرطة السياسية ومديرية التوثيق والأمن، تثبت مسؤوليته في التعاطي القاسي مع معارضيه.