تنسيق الجهود وتعزيز القدرات الأمنية
وجدت عديد البلدان الإفريقية في السنتين الأخيرتين، نفسها في مواجهة مباشرة مع الإرهاب، ليصبح الأمن هاجسا مستعصيا يضاف إلى مشاكل الفقر والتخلف والأزمات السياسية الداخلية، وأمام الارتفاع الملحوظ للاعتداءات الإجرامية، تعاني هذه البلدان قلة الخبرة الأمنية والكفاءة القتالية للتعامل مع أوضاع تعتبر جديدة عليها.
إلى غاية 2011، كانت خارطة انتشار النشاط الإرهابي محصورة في بعض المناطق الوعرة في الساحل الإفريقي والصومال وشمال شرق نيجيريا، أين اقتصرت الأعمال الإجرامية على السطو المسلح واختطاف الرهائن الأجانب ومقايضتهم بأموال الفدية. غير أن تداعيات الحراك الذي أطلق عليه «الربيع العربي» في بعض بلدان شمال إفريقيا، وتهاوي القدرات الأمنية لبعضها، أيقظ ما كان يصنّف خلايا نائمة وأعطى المتطرفين حرية تنقل بين الدول والقارات.
وأعطت فوضى انتشار الأسلحة والسيطرة على مصادر المال، فرصة للجماعات الإرهابية مكنتها اكتساب القوة والتنظيم اللذين مكناها من تشكيل خطر حقيقي على أمن أكثر من دولة.
فالإرهاب، مستوطن اليوم، في الصومال، مصر، ليبيا، تونس، مالي ونيجيريا وأكثر من دولة مهددة باعتداءاته الفجائية، كالتي تعرضت لها كينيا أكثر من مرة، وبعدها النيجر والكاميرون، فيما اهتزت التشاد، صبيحة أمس، على تفجير خلف 11 قتيلا يعتبر الثاني في ظرف 15 يوما، حيث راح ضحية الاعتداء الأول 38 قتيلا.
لقد أصبحت إفريقيا المنطقة الثانية المفضلة للجماعات الدموية على اختلاف تسمياتها، بعد الشرق الأوسط. تحالفت مع الفقر وتدني التنمية والخدمات الصحية، على تدمير ما بقي من أمن وسكينة للمواطن الإفريقي، وأخطر حلف لها يبقى عصابات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان، مثلما هو الحال بالساحل الإفريقي.
حيث أدى تحالف المال مع العمل الإرهابي المتطرف، إلى وضعية أمنية معقدة وفرض تحديات مركبة، يظهر ذلك جليا في تقاطع النشاط مع الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور في ليبيا، باعتبارها قاعدة خلفية يتحصن بها آلاف المنتمين إلى تنظيمي «القاعدة» و»داعش». أما بغرب إفريقيا، فتتصدر «جماعة بوكو حرام» اللائحة، وتبذل جهدا جهيدا وبشكل منفرد لحرق أقاليم كاملة بنجيريا والدول المجاورة لها (تشاد، الكاميرون والنيجر)، مخلفة لغاية الآن حوالي 15 ألف قتيل، بينما فاق عدد النازحين المليون ونصفا.
أكثر من 4 ملايير دولار لحفظ السلام
الظاهر، أن الإرهاب بات يحوز قدرة كبيرة، سواء من حيث العقيدة الإجرامية التي يتبانها أو التنظيم القتالي، فلم يعد الفقر عاملا وحيدا يجر الشباب للانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية، حيث أصبح الفكر التكفيري مخدرا فتاكا يحول أناسا في عمر الزهور إلى أحزمة ناسفة وسفاحين يقتلون العشرات بدم بارد.
هذه التنظيمات تستعمل أسلوب المواجهة المباشرة ونصب الكمائن، مثلما تفعل في ليبيا ونيجيريا والصومال، وكذا الاعتداءات المباغتة، كما يجري في تونس وكينيا، وكلا الأسلوبين يظهران التصاعد المتواتر لخطر الأنشطة الإرهابية في إفريقيا.
مقابل هذا الوضع، تطرح تساؤلات عديدة بشأن قدرات الدول المعنية على التصدي للإرهاب ومحاربته، في ظل تشتت قواها على جبهات البناء الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي. والمؤكد أن التحديات المطروحة تفرض مزيدا من التنسيق والعمل المشترك.
الظرف العصيب الذي تمر به هذه البلدان، يضاف إلى الأعباء السابقة، التي تتحمل جزءا منها المنظمات الدولية، فقد خصصت اللجنة الخامسة المكلفة بالقضايا الإدارية والمالية التابعة للجمعية العامة للهيئة الأممية، في 26 من هذا الشهر، 8 ملايير و256.7 مليون دولار لعمليات حفظ السلام بمختلف مناطق العالم، للسنة المقبلة.
وسيذهب أكثر من نصف المبلغ لـ4 بعثات أممية في إفريقيا، هي المينسكو بالكونغو الديمقراطية، المينواد بدارفور، اليمنوس جنوب السودان والميونسما بمالي. وجندت لمكافحة إيبولا 87.8 مليون دولار خلال الفترة الممتدة بين سبتمبر 2014 وديسمبر 2015.