توقف الخبير في الشؤون الأمنية د. أحمد ميزاب عند تداعيات الهجوم الدموي الذي استهدف عدة دول منها تونس في رمضان، واعتبره معقّدا للمشهد الأمني هناك، ويطرح جملة من التساؤلات والتحديات، من بينها كيف يمكن إنقاذ الاقتصاد التونسي الذي سيتضرّر كثيرا بعد هذه الجريمة، وكيف يمكن لتونس أن تخرج من الوضعية الصعبة التي ستفرضها عليها هذه الأحداث الدامية. التحدي الثالث أي إجراءات تعتمد من أجل إعادة الطمأنينة إلى السكان ومنه عودة البلد إلى حظيرة الدول التي تنعم بالاستقرار. التفاصيل في هذا التصريح الذي أدلى به الدكتور ميزاب لـ«الشعب”.
أوضح د.ميزاب رئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة، في تصريحه لـ«الشعب”، بأن الإشكال المطروح في تونس نقص اليقظة والتعاطي مع الخطر الإرهابي والتهديدات الأمنية، وهو ما يفرض بناء استراتيجية وقائية تقوم في مرحلتها الأولى على منع نمو الخلايا الإرهابية وتنتهي بإجهاضها، خاصة وأنه روّج إعلاميا لتحذيرات وتوقّعات بحدوث عمليات من هذا النوع دون أن تكون هنالك ردّة فعل.
وعن أسباب انتشار الإرهاب بالبلد، أجاب الخبير الأمني إنه بعد “ثورة الياسمين” مرت تونس بمرحلة فراغ وفلتان مكّنت ما يعرف بالتيارات “الجهادية” من بلوغها واتخاذها كأرضية لانطلاق العمل الإرهابي، فكانت البيئة الاجتماعية هشّة إلى درجة أن تسويق الفكر المتطرف وجد له مريدين، ومنه أصبحت تونس ـ كما قال ـ ضمن الدول الأكثر تجنيدا للمقاتلين، إضافة إلى أن البيئة الإقليمية وما يجري في ليبيا المجاورة ساعدت على انتقال الدمويين إليها، وصادف كلّ هذا عدم توفر الخبرة لمواجهة الظاهرة الإرهابية المقيتة، وتعدد الصراعات الداخلية سواء السياسية أو الاجتماعية من خلال الاعتصامات المتكررة والإضرابات وضعف الأداء الاقتصادي، ما جعل من الهجمات تحمل صبغة التكرّر.
ومن شأن تونس لمواجهة هذا الخطر الكبير، أن تتعامل بجدية مع المعلومات الأمنية وتبني استراتيجية محكمة تقوم على أقل تقدير وبوجه السرعة على وقف النمو وبعدها تبني مقاربة الإجهاض، وهذا يغير من طبيعة المعادلة لتصبح الأجهزة الأمنية هي صاحبة المبادرة .
كما بات ضروريا ـ كما أضاف ميزاب ـ إعلان تونس الحرب صراحة على الظاهرة الإرهابية وليس الاكتفاء بردّة فعل لحظية على أحداث دموية جبانة، فالجماعات الضالة بلغت مستوى التمكين وعليه يتوجب تحالف مجتمعي سياسي وعلى رأسه عمل أمني ذو كفاءة عالية.وعن تزامن هجمات الجمعة الدامي التي ضربت عدة دول في يوم واحد، قال الخبير ميزاب أن رسالتها تعني أن ظاهرة الإرهاب عالمية، حيث تتواجد في كل مكان في إطار تمدّد الرعب الأمني ونشر فوضاه، فتزامن هذه الأحداث جاء لتأكيد عالمية الظاهرة وقدرة الدمويين على تنفيذ هجمات في أيّ مكان و إن اختلفت أهدافها، ففي الكويت مثلا كان الهدف من تفجير مسجد شيعي هو إثارة النعرات الطائفية.وختم ميزاب تصريحه لـ«الشعب” بقوله أن الإرهاب حينما يحل بمكان يحتاج لثلاث محطات، الأولى مرحلة التكوين من خلال إنشاء الخلايا، التمركز، تلقيّ الدعم والترويج لأفكاره السامة والمدمّرة، أما الثانية فهي مرحلة التمكين من خلال توجيه ضربات من حين لأخر يستهدف من خلالها نقاط حساسة ويروّج عبرها لوجوده ويثبت من خلالها قدرته وخطره لدرجة بلوغ الشك حول القدرة على مواجهته، أما الثالثة فهي مرحلة السيادة والتي من خلالها يسيطر على زمام المبادرة وينشر ثقافة الفوضى الأمنية والرعب الأمني ويبلغ حتى مستوى إعلان مناطق كأماكن محررة وهي مرحلة المواجهة التي تكثف فيها العمليات ويصبح المشهد أكثر دموية. لهذا يستدعي الأمر صرامة دولية ومواجهة جماعية دائمة.