آن الأوان لفرنسـا أن تتخلـى عن ثوبهـا الاستعمـاري
يرى الدكتور زاوي رابح، الأستاذ والباحث في العلوم السياسية بجامعة مولود معمري، بتيزي وزو، أن منطقة الساحل الأفريقي والصحراء مقبلة على تحدّيات متعدّدة بسبب تحوّلها الى منطقة استقطاب ونفوذ دولية، الأمر الذي من شأنه تغذية الظاهرة الإرهابية. في حين أرجع التوتر الحاصل بين مالي و فرنسا إلى فشل الأخيرة في منع تحوُّل مالي إلى بؤرة للجريمة العابرة للحدود وإدراك الحكومة المالية لخطورة التواجد الفرنسي العسكري المغذي للإرهاب.
«الشعب ويكاند»: تمر منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى بتحوّلات جيوسياسية تؤكد تحوّلها إلى منطقة نفوذ عالمي، هل يؤثر هذا على استقرار المنطقة وما جاورها؟
د. رابح زاوي: مازالت منطقة الساحل الإفريقي مسرحا للاستقطابات الدولية، بدءا من القوى الاستعمارية التقليدية في صورة فرنسا التي مازالت تصّر على سياساتها الاستغلالية للقارة الإفريقية وعلى رأسها منطقة الساحل، أو بالنسبة للقوى الأخرى الوافدة إلى المنطقة في صورة كل من الصين وتركيا وروسيا مؤخرا.
كل هذه الاستقطابات جعل المنطقة تعيش دوامة من عدم الاستقرار غذّاها بشكل كبير انتشار الظاهرة الإرهابية وتصاعد الحركات الإرهابية النشطة هناك، وكذا تداعيات الأزمة في ليبيا وما خلفّه سقوط النظام السابق من تهريب للسلاح.
دون أن ننسى تجارة المخدرات والكوكايين التي باتت تعرف تحولا في طرق تهريبها لتكون منقطة الساحل الإفريقي الشاسعة مكانا لها. كل هذه الإستقطابات لها تأثير بشكل كبير على المنطقة وعلى دولها، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن لكل قوّة رؤيتها الخاصة وأدواتها للتأثير في الأحداث، وفق ما يخدم مصلحتها وبعيدا عن استقرار المنطقة ومصالح شعوبها.
- تشهد العلاقات بين مالي وفرنسا توترا متصاعدا. ما هي الأسباب الحقيقية لهذا الخلاف؟
أعتقد أن البداية كانت مع موجة المظاهرات التي بدأت في شهر ماي الماضي في العاصمة باماكو، حيث كانت تنادي بضرورة دفع البلاد نحو تعاون أكبر مع قوى أخرى مقابل الانفكاك عن باريس، في تعبير واضح عن المشاعر السلبية المتزايدة تجاه فرنسا وسياستها في المنطقة، خاصة وأن الأمر يتعلق بتواجد عسكري وعملية عسكرية مستمرة، منذ سنة 2013 دون تحقيق أي تقدم على أرض الواقع.
إن الأمر لم يتوقف عند التذرع بدعوى مكافحة الجماعات الإرهابية، بل امتد إلى وقوع ضحايا مدنيين في مالي، حيث قتل أكثر من 22 مدني في غارة جوية فرنسية، إن الأمر يتعلق بشكل كبير بفشل فرنسا في منع تحوُّل مالي إلى بؤرة للجريمة العابرة للحدود، بما في ذلك تهريب المخدرات والمهاجرين، الذي اتخذت منه الجماعات الدموية مصدر دخل لها.
هناك تحوّل كبير في إدراك صانع القرار في مالي أن الوقت قد حان لإحداث نقلة نوعية في علاقاتها مع فرنسا وسياساتها الاستعمارية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضرورة التوجه شيئا فشيئا إلى بناء شراكات أكثر واقعية وأكثر عقلانية بشكل يحقق للشعب المالي طموحاته ويحفظ له سيادته في مقابل حالة الاستغلال الفرنسي الموجود.
- الحكومة المالية اتهمت فرنسا بدعم الإرهاب شمال مالي وأكدت وجود الأدلة. هل يؤجّج هذا الاتهام الخلافات؟
الحكم المالي لفرنسا بدعمها للإرهاب في شمال مالي تحكمه بالتأكيد مجموعة لا بأس بها من التقارير التي سبق وأن تحدثت عن ذلك، وبالتالي فالأكيد أن ما يقف ما وراء ذلك هو محاولة إطالة أمد التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة، لأنه كل ما تسرعت العملية العسكرية الفرنسية كل ما دفع ذلك باريس إلى ضرورة مغادرة مالي. الأكيد أن هكذا اتهامات سوف تزيد من تأزّم الأوضاع أكثر، خاصة وأن الأمور تسير بوتيرة متسارعة، دون أن ننسى أن التركيز الفرنسي على الانسحاب فقط من شمال مالي، يهدف بالأساس إلى معاقبة العقيد عاصمي غويتا، الذي أطاح بالرئيس باه نداو، المقرب من باريس، رغم فشل الجيش المالي في مواجهة الجماعات الإرهابية في بلاده.
- الأصوات تتعالى من عدة بلدان إفريقية ضد سياسات فرنسا، هل يمكن فهم هذا على أنه بداية نهاية النفوذ الفرنسي في مستعمراتها السابقة؟
أعتقد أن التحوّلات والضربات الموجعة التي تلقتها فرنسا في الآونة الأخيرة سببت لها صدمة قوّية، بدءا باتفاق الشراكة الإستراتيجي «أوكوس» الأمريكي- البريطاني- الأسترالي وخسارة عقد الغواصات الأسترالية، من جهة، ومن جهة أخرى غلق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على عملية «برخان» في شمال مالي، وصولا إلى التحرك المالي الأخير، كلها أحداث تبين أن هناك تحولا في الرؤية الإفريقية للعلاقة مع فرنسا، هذه الأخيرة يبدو أن عجلة التاريخ عندها مازالت متوقفة في ماضيها الاستعماري، ولم تدرك بعد أن الأمر يتعلق بدول لها سيادة ولها استقلالية في القرار. وبالتالي نتمنى أن تحذو بقية الدول حذو مالي واتخاذ إجراءات أكثر حدة وفك الشراكة مع فرنسا.
- تنامي الإرهاب في الساحل والصحراء يؤكد فشل المقاربة العسكرية ضد الجماعات الدموية، من يتحمل مسؤولية الوضع الراهن؟ وكيف يمكن مواجهة التحدّيات الأمنية والسياسية في بلدان المنطقة؟.
من يتحمل الوضع الراهن هو فرنسا وسياساتها الخاطئة في المنطقة، فمنذ 2013 إلى غاية اليوم لم تحقق أي تقدم، بل العكس تماما، وسبق ذلك تدخلها في ليبيا، هذه الأخيرة عرفت هي الأخرى حالة من العنف واللااستقرار مازالت أثاره موجودة إلى غاية اليوم. إن مواجهة التحدّيات الأمنية والسياسية في بعض البلدان الإفريقية يقتضي توحيد الرؤى والجهود الإفريقية، كما يقتضي إدراكها للصديق من العدو والتفرقة بين من يهمّه استقرار مالي ومن يسعى فقط لتعظيم مكاسبه والحفاظ على مصالحه. وفي هذا الجانب تبدو مقاربة الجزائر هي المقاربة الأكثر واقعية وميلا إلى الحلول السلمية بدل الحلول العسكرية التي أثبتت فشلها.