خاطرة

مذكرات مجنونة

بقلم: يسرى مبارك منصوري سطيف

تمرُّ اليومَ خمسَةُ ليالٍ مُذ نَقلتُنِـي إلـى مستشفـى المجـانين، إنّـني أحاوِل تحمُّلَ نظراتِ الشّـفقة الموجّـهة إليّ، وأضعُنِي بين مُرَّيـْنِ: كبريـائي، وراحةُ نفسِي، فلا أجدُني إلّـا أشدُّ أزرِي مردّدة: في حاجةٍ أنتِ إلـى اعتِزال دنسِ البشر، ولا مَعزَل لكِ إلّـا ذا!
لقظْ خشيتُ على قلبِيِ اليومَ أن يعُجَّ بفوضَـى أفرادِ غرفتي، فقد عاهدتُني أن أدع لهُ مجالا يختلِـي فيه بنبضِـه، فما كان لي إلّـا أن خرجتُ عن هدوئي، ورحت أحْطِمُ كلّ مايذكِّرُني بأنّـني أمةٌ ضعيفةٌ أكبرُ ما يخيفُـهـا هواهـا، وللَـحظةٍ ارتعشت يدِي وهي تُفكّـِر في أن تبطِشَ بأورِدة شقيقتها لولا أن منَّ اللّـه عليَّ ووقعتُ على الأرضِ مُخدّرة...
ليسَ للإنسانِ أن يحتفِظ بعقلِـه دومًـا، فلم يكن لي من سبيلٍ لأُنقَل إلى غرفـةٍ منفردَةً إلّـا أن أبيعَ كرامتي، فقد كفتني ألَما!
أزدادُ حبًّا للبياض الّذي يحيط بي نظرةً بعد نظرة، وأزيدُ مخيّلتِي سعةً، فلا نوافِذ في الغرفَـة إلّـا تلكَ الّتي فتحتهـا أضلُعي لأطلّ بهـا على روحِي الّـتي تفقدُ الرّغبةَ في الحياةِ نفَسا بعد نفَسٍ، ولا ألوان أطلي بهـا جدرات مُستَقرّي إلّـا ما استفرغه قلبي من سوادِ حقدٍ، ولا حبرَ يخطّ به لاوعيي همومَـه إلًـا ما تُكرِم عليهِ الذّاكرَةُ من ذكريات...
إنّني أحمدُ اللّـه مرارًا على أن منَّ عليَّ بوحدة أُطَهِّرُني فيها، وأخلّـصُني من ثِقلِ عبراتٍ لا زال كبريـائي يقفُ أمامها سدًّا منيعا.
إنّـه المرَضُ بأعرَاضـه والجنونُ بأماراتِه، كيفَ بي وأنا الطّبيبُ المريضُ في آنٍ، أصف لي دواءَ الإفصاحِ ولا أحبَّ إليّ من طعمِ الكتمانِ؟!
ما أنظُرُ إلّـا الغد الّذي سيقتادُني فيه القيِّمون على عُزلتي لمعالجةِ ارتعاش أصابعي، عسايَ أجيدُ رسمَ همومِـي ثمَّ محوَها دون تعرُّجات أحداثٍ.
والسّلام

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024