يختتم، غدا، الخامس من أوت، المعرض الفني الذي يحتضن أعمال الفنان التشكيلي عمر سعد في قاعة “عائشة حداد” بالعاصمة، والذي انطلق في السادس والعشرين من جويلية، مقدّما تجربة بصرية غنية تستحضر الذاكرة والواقع وتعيد تشكيلهما بلغة لونية نابضة بالحياة. طوال أيام المعرض، تنقّل الزوّار بين لوحات تنوّعت موضوعاتها بين المشاهد الطبيعية، والموروث المعماري، والعناصر الرمزية المستمدة من التراث الشعبي، في توليفة فنية تكشف عن حسّ عالٍ بالتفاصيل، وتشبّع بصري بالمكان والهوية.
يعتمد عمر سعد في أعماله على تقنية الأكريليك، وهي تقنية يقول إنه يفضّلها لسرعة جفافها، وقدرته على التحكم بها بشكل أكبر مقارنة بالألوان الزيتية، إلى جانب أنها تتيح له إبراز الألوان الزاهية التي تشكّل جزءًا أساسيًا من فلسفته الفنية، حيث يصرّ على تجنّب الألوان القاتمة، مفضلا التعبير عن الفرح والحياة والحركة.
ويقدّم الفنان سعد من خلال هذا المعرض، رؤية واقعية عميقة، تنطلق من البيئة الجزائرية بتنوّعها، لتشمل المناظر الجبلية، والحقول، والمياه، والسماء، إلى جانب أبواب القصبة العتيقة التي تظهر في اللوحات كرموز للحماية والانتماء والدفء العائلي، وقد عالجها برؤية جمالية تجعل من التفاصيل المعمارية عناصر حوار بصري بين الماضي والحاضر.
ولا تغيب الرموز الثقافية عن فضاء اللوحة، إذ يستعرض الفنان الحليّ القبائلية بألوانها الزاهية ودلالاتها الرمزية، وكذلك الجرار الفخارية التي تُصوّر في سياقات من الحياة اليومية الريفية، في مشاهد تستعيد بساطة العيش ودفء الذاكرة الشعبية. وتُزيّن هذه العناصر بألوان طبيعية هادئة من الأبيض والأوكر والبني، ما يمنحها حضورًا بصريًا خاصًا.
كما تنفتح اللوحات على البحر والصحراء، فتأخذنا إلى سواحل تيبازة، حيث الأمواج المتلاطمة والضوء المنعكس، وإلى أعماق الصحراء الجزائرية، حيث الكثبان والواحات والهضاب، وقد عالجها الفنان بألوان دافئة، مستلهمًا منها تشكيلات هندسية تضفي على المشهد بعدًا شبه تجريدي.
وفي لحظات الغروب، التي تتكرر في عدد من الأعمال، يكشف عمر سعد عن حسّ عال بإدارة الضوء واللون، حيث تلتقي تدرجات الأحمر والبرتقالي والأصفر مع زرقة السماء المتحوّلة، فترتسم مشاهد تتجاوز حدود التصوير إلى مستوى التجربة الحسية، وتغدو اللوحة أشبه بقصيدة ضوئية.